لايزال مشروع قانون تنظيم اجراءات الطعن على عقود الدولة محل اهتمام ونقاش كبير من جانب المختصين والخبراء فى كل القطاعات المعنية بهذا الموضوع لذا فمن المهم عرض الجانب القانونى والمتمثل فى رأى مجلس الدولة.. الذى نظر مشروع القانون قبل اصداره من خلال لجنة شكلت لهذا الغرض وحصل «الأهرام» على النص الكامل لتقريرها القانوني. وقالت اللجنة انه تبين لها: 1 ان الاسباب الداعية لاقتراح المشروع المعروض كما أوضحت المذكرة الإيضاحية هى رغبة الدولة فى استعادة الثقة فى العقود التى تبرمها الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة ووحدات الإدارة المحلية والشركات التى تساهم فيها الدولة، مع المتعاقدين معها، وإرسال رسالة طمأنة للمستثمرين الممولين وغيرهم من الراغبين فى التعاقد مع الدولة، باستقرار معاملاتهم وحمايتهم كحسن النية فى اطار من المشروعية وسيادة القانون، عن طريق وضع تنظيم اجرائى جديد يعالج بعض الاثار التى ترتبت على العقود السابق إبرامها قبل العمل بالقانون المقترح ويحكم فى ذات الوقت التعاقدات الجديدة من خلال تحديد كيفية الطعن على هذه العقود وينظمه دون مصادرة أو منع الحق فى التقاضي. 2 أن دستور عام 1971 كان ينص فى المادة 33 منه على ان «للملكية العامة حرمة وحمايتها ودعمها واجب على كل مواطن وفقا للقانون». وان دستور عام 2014 المعدل ينص فى المادة (34) على ان : «للملكية العامة حرمة، لايجوز المساس بها وحمايتها واجب وفقا للقانون» وينص فى المادة (97) على أن «التقاضى حق مصون ومكفول للكافة، وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضي، وتعمل على سرعة الفصل فى القضايا، ويحظر تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء، ولايحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي، والمحاكم الاستثنائية محظورة». 3 أن قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 ينص فى المادة (3) المستبدلة بالقانون رقم 81 لسنة 1996 على ان لاتقبل أى دعوى كما لايقبل أى طلب أو دفع استنادا لأحكام هذا القانون أو أى قانون آخر، لايكون لصاحبه فيها مصلحة شخصية ومباشرة وقائمة يقرها القانون. ومع ذلك تكفى المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه. وتقضى المحكمة من تلقاء نفسها، فى أى حالة تكون عليه الدعوي، بعدم القبول فى حالة عدم توافر الشروط المنصوص عليها فى الفقرتين السابقتين. ويجوز للمحكمة عند الحكم بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرط المصلحة أن تحكم على المدعى بغرامة إجرائية لاتزيد على خمسمائة جنيه إذا تبينت أن المدعى قد أساء استعمال حقه فى التقاضي. 4 أن قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 ينص فى المادة (12) على ألاتقبل الطلبات الآتية: (أ) الطلبات المقدمة من أشخاص ليست لهم فيها مصلحة شخصية.. 5 أن القانون رقم 3 لسنة 1996 بشأن تنظيم إجراءات مباشرة دعوى الحسبة فى مسائل الأحوال الشخصية ينص فى المادة الأولى على أن «تختص النيابة العامة دون غيرها برفع الدعوى فى مسائل الأحوال الشخصية على وجه الحسبة، وعلى من يطلب رفع الدعوى أن يتقدم ببلاغ إلى النيابة العامة المختصة يبين فيه موضوع طلبه والأسباب التى يستند إليها مشفوعة بالمستندات التى تؤيده..». 6 أن قضاء المحكمة الدستورية العليا جرى على أن الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق ومن بينها حق التقاضى أنها سلطة تقديرية جوهرها المفاضلة التى يجريها بين البدائل المختلفة التى تتصل بالموضوع محل التنظيم، لاختيار أنسبها لفحواه وأحراها بتحقيق الأغراض التى يتوخاها وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنا، وليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته هذه، إلا أن يكون الدستور قد فرض فى شأن ممارستها ضوابط محددة تعتبر تخوما لها ينبغى التزامها. وأن التنظيم التشريعى لحق التقاضى وكلما كان منصفا لا يناقض وجود هذا الحق ولايقتحم الدائرة التى يتنفس فيها، وأن هذا التنظيم لايتقيد بأشكال جامدة لايريم المشرع عنها، تفرغ قوالبها فى صورة صماء لاتبديل فيها، بل يجوز ان يغاير المشرع فيما بينها، وأن يقدر لكل ما يناسبها على ضوء الأوضاع التى يباشر هذا الحق عملا فى نطاقها، وبما لايصل إلى حد إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنا، فلا يكون إفراطا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافا بها عن أهدافها ولاتفريطا مجافيا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قواما، التزاما بمقاصدها باعتبارها شكلا للحماية القضائية للحق فى صورتها الأكثر اعتدالا.. حكم المحكمة الدستورية فى القضية رقم 47 لسنة 17 ق. دستورية بجلسة 4/1/1997. 7 أن إفتاء الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة جرى على انه يجب على جهة الإدارة إتباع الإجراءات التى تفرضها القوانين واللوائح عند إبرام تعاقداتها، وأنه بالرغم من السلطة التقديرية التى تملكها الإدارة فى إنهاء تعاقداتها بإرادتها المنفردة على وفق ما تراه محققا للصالح العام، وحسن سير المرفق الذى تقوم عليه فى مقابل تعويض يستحقه المتعاقد معها إن كان له وجه فإنه لايستساغ لها ان تتذرع بعدم استيفاء هذه الإجراءات أو مخالفة بعضها للقانون لفسخ العقود بعد إبرامها إضرارا بالمتعاقد معها، خاصة إذا كان هذا الأخير لم يسهم بخطئه فى الإخلال بالإجراءات اللازمة لصحة التعاقد، وكان ما شاب التعاقد من مخالفات راجعا لخطأ موظفى جهة الإدارة التى يكون لها مساءلتهم تأديبيا. الفتوى رقم 461 بتاريخ 17/6/2013 ملف رقم 86/6/678 وفى ضوء ما تقدم، قامت اللجنة بمراجعة المشروع المعروض وإفراغه فى الصيغة القانونية المعدلة بعد أن ارتأت الآتي: (1) ان المشروع المعروض لا يناقض وجود حق التقاضى بما يصل إلى حد إهداره، وإنما يهدف إلى تنظيم هذا الحق عند الطعن على بطلان العقود التى تكون الدولة أو إحدى هيئاتها أو الشركات التى تسهم فيها طرفا فيها أو عند الطعن بإلغاء القرارات أو الإجراءات التى ابرمت هذه العقود استنادا لها، وذلك يجعله مقصورا على طرفى العقد دون غيرهما، حتى لا يساء استخدام حق التقاضى بما يضر بالاقتصاد القومى للدولة وبذلك يكون المشروع المعروض قد وازن بين أمرين أولهما الضرورة التى يقتضيها استعمال هذا الحق فى إطار الاغراض التى شرع لها وثانيا الاضرار التى ينبغى توقيها خشية من الافراط فى استعمال هذا الحق. (2) ان المشروع المعروض يؤكد المبدأ المستقر فى التشريع المصرى من قصر حق التقاضى على اصحاب الصفة والمصلحة المباشرة فقط دون غيرهم بعدما استشرت فى المرحلة الأخيرة ظاهرة التعسف فى استعمال حق التقاضى وهو ما يهدد المجتمع كله فى حالة استطالة هذه الظاهرة إلى ما يلحق الضرر البالغ بالانشطة الاجتماعية والاقتصادية سواء الاستثمارية أو الصناعية أو السياحية، مما يقتضى مواجهتها بتشريع يضع حدا لامتداد هذه الظاهرة وضرورة محاصرتها باشتراط الصفة والمصلحة الشخصية والمباشرة والقائمة لتحقيق الغرض من الدعوى ينظم فى هذا الشأن المذكرة الايضاحية للقانون رقم 81 لسة 1996 بتعديل بعض احكام قانون المرافعات المدنية والتجارية بالقانون رقم 13 لسنة 1968. (3) ان المشرع قيد دعاوى الحسبة بالقانون رقم 3 لسنة 1996 فى مسائل الأحوال الشخصية لأنها هى التى تحكمها قواعد الشريعة الإسلامية التى ترد إليها أو تستمد منها دعوى الحسبة وقد توخى المشرع بتنظيم دعوى الحسبة كما ذكرت المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 3 لسنة 1996 المشار إليه الحفاظ على حسن سير العدالة والنأى بها عن أن تصبح ساحات المحاكم مجالا للدد فى الخصومة أو اصطناع الدعاوى التى تمس حقوق المواطنين وتؤدى إلى ترويعهم ودرءا للتعسف فى استعمال حق التقاضى الذى كفله الدستور. (4) حذف عبارة (وذلك ما لم يكن قد صدر حكم بات بإدانة طرفى التعاقد فى جريمة من جرائم المال العام المنصوص عليها فى البابين الثالث والرابع من الكتاب الثانى من قانون العقوبات وكان العقد تم إبرامه بناء على تلك الجريمة) الواردة فى عجز المادة الأولى من المشروع المعروض. باعتبار أن الفلسفة التشريعية للمشروع المعروض قائمة على قصر الحق فى الطعن على طرفى التعاقد دون سواهما باعتبارهما وحدهما أصحاب الصفة والمصلحة الشخصية والمباشرة القائمة التى يقرها القانون، وأن الحكم الذى تضمنته هذه العبارة يتعارض وهذه الفلسفة. كما أنه لا يستساغ أن يتم التذرع بعدم استيفاء إجراءات معينة أو مخالفة بعضها للقانون لفسخ العقود بعد إبرامها إضرارا بالمتعاقد خاصة إذا كان ما شاب التعاقد من مخالفات راجعا لخطأ أحد تابعى جهة الإدارة التى يكون لها مساءلتهم تأديبيا أو جنائيا، ما لم تقض المحكمة المختصة بغير ذلك إذا ما لجأ إليها صاحب الصفة والمصلحة الشخصية المباشرة.