تدخل مصر فى المرحلة المقبلة الخطوة النهائية من المرحلة الانتقالية نحو بناء الديمقراطية الذى بدأت بمصر بثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 التى اختطفها من لم يسهموا فيها، ثم بثورة 30 من يونيو التى خرج فيها الملايين من المصريين . وفى 30 يونيو هدمت الثورة المصرية الطغيان الدينى المتمثل فى الإسلام السياسى الذى ثبت فشل تجاربه فى كل البلاد . وبمساندة من الجيش المصرى الوطنى الباسل ولدت دولة جديدة بمشروعية جديدة فى مصر وبدأت مصر خطوات جادة رغم كثرة المعوقات نحو البناء الديمقراطى .لكن الذى يظن أن الطريق ممهد وسهل وليس محفوفاً بالمخاطر يبدو قصير النظر ضيق الأفق. إن هدم نظام قائم على الفساد والاستبداد قد يكون أمراً ممكناً بعد ثورة من الثورات ولكن بناء نظام جديد يحتاج حقاً إلى مثابرة ومجاهدة أولى العزم وأولى القوة من الرجال. وهذا هو ما تواجهه مصر الآن. إن مصر تواجه تحديات كثيرة . وقد تقدم للترشح لرئاسة الجمهورية رجلان . وكل من الرجلين يعتقد أنه قادر على مواجهة تحديات المرحلة القادمة. والمصريون ينتظرون من الرئيس المقبل ما لم ينتظروه من رئيس من قبل . إن الرئيس القادم هو رئيسهم بالفعل . ومنذ كان جمال عبد الناصر رئيساً لجمهورية مصر العربية منذ عام 1954 لم يتول رئاسة مصر من يستطيع الشعب المصرى كله وأكرر كلمة كله أن يقول هذا هو رئيسى وعلى قدر هذه المسئولية الضخمة فإن التحديات ضخمة وما ينتظره الناس هو الكثير الكثير . إن مشاكل مصر متراكمة منذ عشرات السنين والذى يستخف بحجم هذه المشاكل هو إما غير عالم أو غير مدرك. أو قد يكون عابثاً يرى الأمور بمنظار غير المنظار الذى يرى به عامة الناس. وستجرى الانتخابات الرئاسية تحت إشراف دولى من جهات عديدة ومن منظمات داخلية وأوروبية ومن جهات مختلفة بحيث لن يستطيع أحد أن يشكك فى نزاهة الانتخابات وصدق نتائجها . ورغم أن الاتجاه الكاسح للرأى العام يتجه نحو مرشح معين فإنه من الصواب والسليم أن المرشح الآخر لم يحجم عن خوص المعركة . والذى سيقرر له النجاح كان الله فى عونه، فإن المشاكل التى أمامه لا حصر لها ولا عدد، وكما قلت فى عنوان هذا المقال « طوبى لمن بيده عصا سحرية « يستطيع بها أن يواجه هذه التحديات والمشاكل المتراكمة على مدى سنين وسنين. أنا لا أريد أن أدعو إلى اليأس، فطوال عمرى لم أكن من دعاة اليأس وإنما كنت من دعاة الأمل. وأنا الذى قلت منذ وقت طويل إن الشعب المصرى «شعب فّراز». شعب عاش تاريخ الزمان وكأنه صاحب الزمان منذ كان واكتسب بذلك خبرات لم تعرفها غيره من شعوب الأرض .ولكن لماذا كان لا يظهر ذلك كله من قبل .لسبب واضح وبسيط فى تقديرى .أن الشعب المصرى مضى عليه حين من الوقت كان يحس بأن هذا البلد ليس بلده . وصدق من قال إن مصر كان فيها «شعبان» لا شعب واحد . وتقديرى وبغير مبالغة وبنظرة موضوعية للأمور أن المصريين الذين خرجوا فى «30يونيو» ولدت مصر على أيديهم ولادة جديدة بشرعية جديدة . وبدأت مصر تسير فى الطريق الذى سارت فيه الدول التى حققت فى العالم تقدما . سواء فى أوروبا بعد زوال سلطان الكنيسة وانفجار ثورتها الكبرى فى فرنسا التى أحدثت آثارها فى كل أنحاء العالم .ولا شك أن محمد على الذى بنى مصر الحديثة كان على نحو أو على آخر من نتائج هذه الثورة . ولست هنا فى مقام السرد التاريخى ولكنى أريد أن أقول شيئاً واحداً وأساسياً إنه لا أحد يملك عصا سحرية وأن مصر مدعوة كلها ، الشعب كله شعبها الذى صنع ثورة 30 يونيو مصر مدعوة بهذا الشعب كله وليس بالملايين الثلاثين فقط التى صنعت هذه الثورة وإنما بكل الملايين المصرية . كل الملايين فى القرى والنجوع . فى قرى صغيرة كثيرة خرجت النساء « تزغردن» بعد 30 يونيو . والآن آن أوان العمل . العمل من أجل مواجهة مشاكل مصر والتغلب عليها مطلوب من كل مصرى . كل مصرى . وأكرر كل مصرى . لن يبنى هذا البلد من جديد إلا المصريون جميعاً لأن بلدهم عاد إليهم وأصبح بلدهم هم وليس بلداً لأحد آخر غيرهم. وطوبى لمن بيده عصا سحرية يستطيع بها أن يحرك كل المصريين ، كل المصريين جميعاً من أجل أن تكون مصر لنا جميعاً . لمزيد من مقالات د. يحيى الجمل