الأصل فى الأمور أن كل الموارد السيادية تئول إلى الموازنة العامة للدولة. إلا أن هناك العديد من أنواع الرسوم التى يدفعها المواطن المصرى ولا تدخل إلى الخزانة العامة، وتدخل بدلا من ذلك كحصيلة لما يعرف بالصناديق الخاصة التابعة لوزارات أو محافظات ومجالس محلية أو هيئات حكومية. ولعل من أبرز الأمثلة على الإيرادات السيادية التى تئول إلى الصناديق الخاصة ما يدفعه المواطن المصرى من رسوم عند بوابات المرور فى طرق السفر، غرامات المخالفات المرورية، رسوم استخراج تراخيص السيارات، رسوم الدخول لزيارة المرضى فى المستشفيات الحكومية، المصروفات السنوية لتلاميذ المدارس وطلاب الجامعات، والعديد غيرها من الرسوم التى يدفعها المواطن المصرى عند تعامله مع مؤسسات الدولة بأشكالها المختلفة. الأصل هو أن تئول تلك الموارد إلى الخزانة العامة ليتم استخدامها فى تغطية الإنفاق على التعليم والصحة والمرافق والخدمات العامة وغيرها من بنود الإنفاق العام، إلا أن ما يحدث هو أنها تئول إلى الصناديق الخاصة. وترجع بداية العهد بالصناديق الخاصة إلى القانون رقم 53 لسنة 1973 الذى سمح بإنشاء صناديق تخصص فيها موارد معينة للإنفاق على الخدمات العامة الحيوية والعاجلة التى لم يحدد لها بنود فى الموازنة العامة للدولة سلفاً، و تمويل بعض المشروعات والخدمات بالمحليات فى إطار الخطة العامة للدولة ، على أن تؤول فوائض هذه الصناديق إلى الموازنة العامة فى نهاية السنة المالية . وعلى الرغم من وجاهة الهدف، إلا أنه تم التوسع فى هذه الآلية ليتم إنشاء آلاف الصناديق بموجب قرارات جمهورية و وزارية وقرارات محافظين و رؤساء هيئات عامة اقتصادية وخدمية، كما صدرت بعض القوانين التى سمحت لتلك الجهات بالاحتفاظ بفوائض الصناديق وترحيلها من سنة إلى أخرى وعدم تحويلها إلى الخزانة العامة للدولة . وترتب على تلك الأوضاع أن الصناديق الخاصة أصبحت تستحوذ على قدر معتبر من إلإيرادات السيادية التى يمكن أن تغطى جزءا كبيرا من عجز الموازنة العامة. فتشير تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات إلى أن جملة الصناديق والحسابات الخاصة التى أمكن حصرها يزيد على 6300 صندوق، بلغ إجمالى ايراداتها السنوية خلال عام 2010/2011 ما يزيد على 98 مليار جنيه، وبلغ رصيد فوائضها المرحلة والمودعة فى البنك المركزى المصرى والبنوك التجارية فى نهاية تلك السنة المالية نحو 4ر47 مليار جنيه. وتؤكد تلك التقارير أن هناك العديد من الصناديق والحسابات الخاصة الأخرى المفتوحة فى البنوك التجارية حرصت الجهات المالكة لها على إخفائها ولم يتمكن الجهاز المركزى للمحاسبات من حصرها. وتشير ملاحظات الجهاز المركزى للمحاسبات على أداء الصناديق الخاصة إلى أن الجزء الأكبر من أموالها يستخدم فى دفع أجور ومكافآت لبعض القيادات فى المؤسسات الحكومية تحت مسمى خبراء ومستشارين، فضلا عن الإنفاق على الضيافة والمجاملات وإعلانات التعازى والتهاني، بل و توصيل خدمات المرافق لمساكن بعض كبار المسئولين وإجراء أعمال الصيانة لمنازلهم! ولاتكتفى تلك الصناديق بالاستيلاء على الموارد السيادية التى كان يجب أن تئول إلى الموازنة العامة للدولة، بل يحصل بعضها أيضا وبشكل مباشر على المعونات الدولية التى ترد لبعض المؤسسات أو الوزارات أو المحافظات لتطوير قطاعات أو أنشطة أو أقاليم بعينها. هذا وقد أدى تزايد عجز الموازنة العامة للدولة والبحث الدءوب عن موارد إضافية لتغطية ذلك العجز بعيدا عن الاستدانة، إلى تصاعد الأصوات المطالبة بضم موارد الصناديق الخاصة إلى الموازنة العامة. وبعد مساومات عدة تم النص فى قانون الموازنة العامة 2012/2013 على ضم 20% من موارد تلك الصناديق، وهو الأمر الذى يواجه منذ ذلك الحين عنتا فى التطبيق ومعارضة شديدة من الجهات المالكة للصناديق. ولعله من المثير للدهشة أنه فى الوقت الذى تشير فيه تصريحات وزير المالية الحالى إلى سعيه لضم موارد الصناديق الخاصة للموازنة العامة، يتم الإعلان فى 23 مارس 2014 عن إنشاء صندوق خاص جديد بالمجلس الأعلى للجامعات لتحسين أحوال العاملين بالجامعات الحكومية من غير أعضاء هيئة التدريس والسماح لهذا الصندوق بأن تكون له موازنة خاصة وبأن يرحل الفائض فى تلك الموازنة من سنة إلى أخري، وبأن يعفى نشاطه وكل الخدمات التى يقدمها من جميع أنواع الضرائب والرسوم. وعلى الرغم من نبل غرض تحسين أحوال العاملين الإداريين بالجامعات فإن تحسين أحوال جميع العاملين فى الدولة هدف لا يقل نبلا بكل تأكيد، فهل يعنى ذلك إنشاء كل جهة فى الدولة صندوقا يستأثر بجزء من الموارد العامة ويخصص لتحسين أحوال العاملين بها! يجب التوقف تماما عن إنشاء أى صناديق خاصة جديدة، واستخدام موارد الصناديق القائمة فى مواجهة عجز الموازنة العامة وتمويل الإنفاق المطلوب على التعليم والصحة وفقا لاستحقاقات الدستور. وطبقا لما يطرحه خبراء بالجهاز المركزى للمحاسبات تتمثل نقطة البدء فى حصر موارد جميع الصناديق والحسابات الخاصة القائمة، وحصر المشروعات والخدمات التى يفترض أنها تمولها، وإلزام الجهات المالكة لتلك لصناديق والحسابات بالإنفاق على هذه المشروعات والخدمات لحين استنفاد مواردها بالكامل قبل اللجوء إلى استخدام الاعتمادات المخصصة لها فى الموازنة العامة. على أن يتم الالتزام بإدراج أى مبالغ يتم صرفها من الصناديق للقيادات الإدارية والوزراء ضمن إجمالى الحد الأقصى المقرر لتلك الوظائف. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى