توم وجيرى اخترهما المصريون القدماء كى يستطيع الشعب متجسدا شخصية الفأر محاسبة الحاكم فى صورة القط ، الأراجوز رغم أصوله غير المصرية تمصر وصار أخنفا ليحاكى قراقوش متهكما عليه ساخرا منه ..لا أحد إذن من حقه أن يصف هذا الشعب بالغلب والاستكانة وأنه لا يحكم إلا بالكرباج . جينات المصريين المحدثين جذورها فرعونية، فلتسقط إذا الفرضيات السابقة التى تفتى بأن المصريين ارتبكت جيناتهم بفعل المصاهرة مع الغزاة الذين هبوا عليهم من الشرق والغرب ولتسقط فرضيات التقسيم الشريرة التى كانت تزعم أن المسيحيين فقط هم أحفاد الفراعنة، أما المسلمون فمصريتهم مشكوك فى أمرها فهم من نسل العرب الوافدين ...إذن فالاستمرارية التى حدثنا عنها د. جمال حمدان مؤكدة بالبحث العلمى . هذا جزء من الأفكار التى تداعت إلى ذهنى دفعة واحدة وأنا أتحاور مع الدكتور وسيم السيسي الذي يتناول التاريخ المصري بمبضع الجراحة التى يتقنها وهو ينتقى من أقوال المؤرخين ويتنقل بين صفحات التاريخ بصنعة واحتراف العاشق للمعرفة الراغب فى الاستكشاف . هل نحن شعب غير مهيأ للديمقراطية ..مازال هذا السؤال مطروحا من قبل بعض المحللين الذين يرون أن حب الاستبداد طبيعة مصرية، فالمصريون هم من اخترعوا نظرية الحاكم العادل المستبد ؟ هذا مفهوم خاطىء عن نظام الحكم فى مصر ، فلا يمكن لحضارة أن تستمر 5000 سنة إلا إذا كانت قائمة على العدل ودليلى على ذلك ما جاء فى كتاب « فلسفة وتاريخ القانون المصري القديم « لمؤلفيه محمود السقا ومحمد السليمى أستاذا القانون بحقوق القاهرة فقد ذكرا فى الكتاب : «أن القانون المصري القديم كان عالميا فى مراميه ، عادلا فى أحكامه ، صافيا فى مواده ، دهشة للمؤرخين ، لأنه قام على دعامتين : العدل أساس الملك ،العدالة الاجتماعية، فالكل أمام القانون سواء بسواء» .والقوانين الحديثة التى تعمل بها مصر الآن والتى أخذتها عن فرنسا ،إنما هى قوانين مصرية فى الأساس ، فقد جاء «سولون» وتعلم القانون فى مصر وعندما عاد إلى اليونان وأسماه « قانون سولون» ثم أخذه الرومان وأسموه « قانون جوستنيان » والألواح الاثنى عشر ..وأخذه نابليون فيما بعد لتأخذه مصر..وعن هذا يقول السلمى والسقا « بضاعتنا وقد ردت إلينا» . الدليل الثانى فى كتاب « فجر الضمير» لهنرى بريستد الذي ذكر كتاب العرش الذى يتلوه الملك لكبير الوزراء « اعلم أن الوزارة ليست حلوة المذاق لكنها مرة ، اعلم أن الهواء والماء سينقلان إلى كل ما تفعل. إياك أن تقرب منك إنسانا لأنه قريب منى وإياك أن تبعد عنك إنسانا لأنه بعيد عنى .بل يكن القرب والبعد منك بسبب الكفاءة وليس لأى سبب آخر ...واعلم أن احترام الناس لك لا يتأتى إلا بإقامة العدل بين الناس .. وإياك أن تفعل ما فعله من قبلك « خيتى » عندما مارس الظلم حتى يتصف بالعدل» .وخيتى كبير الوزراء السابق كان قد منع أهله من الحصول على حقهم حتى لا يتهم بمحاباتهم . الحكم فى مصر القديمة عرف العدالة الاجتماعية والحاكم لم يكن إلها بدليل أنه كان عليه فى كل عام أن يثبت كفاءته من الناحية الرياضية وأن يذهب إلى معبد ماعت ليقر أنه كان يحكم دوما بالعدل. لكن يظل هناك الكثير من الحديث فى كتب التاريخ عن ألوهية حكام الفراعنة ؟ فى بعض الأحيان كانت تظهر هذه الفكرة تماما كما حدث فى عصور تالية عندما كان بعض الحكام يدعون كونهم من الأشراف .فى مصر القديمة، حدث ذلك فى بعض الفترات منها عندما وصفت حتشبسوت نفسها بابنة آمون، وأيضا الإسكندر الأكبر التى ادعت أمه أوليفيا أنها حملت فيه من آمون لذا عندما وصل الإسكندر مصر ذهب لزيارة معبد آمون ليسأل من قتل أبيه فيليب فقال له الكاهن : أبوك لم يقتله أحد ..أبوك آمون حى لا يموت وستهزم العالم كله . والملك كان يعبد الإله .وفى بردية «آنى» : الله لا يمكن معرفة اسمه لأنه فوق مدارك عقول البشر ارمزوا إلى اسمه بسماته العليا» فرمزوا له بالصقر لأنه ليست له جفون والله لا يغفل عن رؤية البشر ولأنه يستقر دائما فى الأعالى ..كما رمزوا له بالشمس . وقد قدس المصري القديم « الجعران » لأنه يتسم بخاصية التوالد العذري ..والمصري القديم كان يرتل فى صلواته « يا موجد نفسك بنفسك » لكن مصر القديمة لم تعرف مبدأ تداول السلطة أو وجود آلية لمحاسبة الحاكم إذا أخطأ ؟ الحكم كان وراثيا كما هو الحال فى انجلترا حاليا .وكان المبدأ المعمول به « الرجل يحكم والمرأة ترث « حتى إن أصغر ابنة فى الأسرة هى التى توزع الإرث ...لكن من قال إن الحاكم لم يكن ليحاسب ، ففى عهد رمسيس الثالث تشكلت لجنة من 15 قاضا وحاكمت أمراء من الأسرة المالكة وحكمت بإعدام اثنين من الأمراء .وحين اكتشف القضاة أن هناك اثنين من القضاة موالين للأمراء تم الحكم على القاضيين بالإعدام لكنهما انتحرا قبل تنفيذ الحكم . وبصفة عامة كانت هناك وفرة فى مصر التى كان لقبها «سلة خبز الإمبراطورية الرومانية» ..لم يكن الحاكم مضطرا للسرقة لدرجة أنه فى عهد رمسيس الثالث خرجت حملة تأديبية للبدو وعادت بكمية هائلة من الغنائم إلا أن رمسيس أمر بإلقائها فى البحر لأنه لا يصح أن تأخذ مصر على عظمتها وثرائها غنيمة من الأعداء . الثورات التى سمعنا عنها عبر التاريخ المصري القديم كانت فى عصور الاضمحلال أى لأسباب اقتصادية بحتة ..لم تكن قضايا الحريات مطروحة آنذاك ؟ عندما غاب الفيضان ست سنوات عرفت مصر عصر الاضمحلال الأول،فالفقر يتحدى كل فضيلة وحدث هذا فى عصر الاضمحلال الثانى غزو الهسكوس .أما الحريات فقد كانت موجودة وخير دليل على ذلك الجرأة التى نجدها فى رسائل الفلاح الفصيح الذي خاطب محافظ وادى النطرون « رينس ابن ميرو قائلا :» اعدل فما أنت بعادل «..ورسائله أعجب بها الملك أمنمحات الأول لدرجة أنه طلب من المحافظ أن يحقق فى شكوى الفلاح دون أن يعلم حتى يستمر فى كتابة رسائله لبلاغتها وجرأتها . ولذا فأنا ضد استخدام كلمة فرعون للدلالة على الطغيان وقد خاطبت السيد عمرو موسي فى هذا الأمر عندما قال لن نسمح بظهور فرعون جديد وقد استجاب مشكورا . وأذكر أن أحمد شوقى رد بقصيدة لاذعة على مطران خليل مطران حين كتب « مظالم الفراعنة لو كتبت على الرخام الأبيض لاسودت من كثرتها « فقال له شوقى : زعموا أنها دعائم شيدت ، بيد البغى ملؤها ظلماء أين كان القضاء والعدل ، والحكمة والرأى والنهى والذكاء إذا كان غير ما أتوه فخار ، فأنا منك يا فخار براء ونحن أحفاد الفراعنه لم نصبر على مبارك أكثر من عشر سنوات وهى السنوات الأخيرة من حكمه ولم نصبر على مرسي سنة لغياب العدالة الاجتماعية، فكيف يمكن لأجدادنا الصبر على حكم الفراعنة 5000 سنة إذا كانت العدالة غير موجودة ..الثورات كانت كثيرة ضد الفرس والبطالة والعرب وأخطرها ثورة البشموريين وأذكر أن د. نعمات أحمد فؤاد كتبت : لن يغفر التاريخ للمأمون ما فعله بمصر فى ثورة البشموريين « هذا إذن ينفى عن المصريين الاتهامات التى تصفهم بأنهم عبيد حكامهم ، وأنهم شعب لا يحكم إلا بالكرباج ؟ المصريون أكثر من قاموا بالسخرية من حكامهم . وقد ذكر على ياسين فى مؤلفه « المسكوت عنه فى تاريخ مصر « أن المصريين جعلوا الأراجوز « أخنف « للسخرية من قراقوش الذي نزع كسوة الهرم الأكبر فقضى على النقوش والكتابات الموجودة عليها ،والتى كما يقول المؤرخون ، لو نقلت لملأت آلاف الكتب وبالطبع كانت كلها من العلوم . وفى العهد الفاطمى عندما ادعى العزيز بالله علم الغيب ، صعد ذات مرة إلى منبر الأزهر فوجد أبياتا من الشعر تسخر منه : بالظلم والجور قد رضينا ، وليس بالكفر والحماقة ..إن كنت أعطيت علم غيب فقل لنا كاتب البطاقة . مع كل هذه النماذج التاريخية ستجد من يقل لك إن مصر جبلت على الحكم العسكرى ..وهناك من لا يجد غضاضة فيه وأذكر أن المفكر الكبير جلال أمين قال لى فى أحد الحوارات إن الفوبيا من الحكم العسكرى لا تؤرقه ؟ لقد كان الحكم فى النصف الأول من القرن العشرين مدنيا وكان ناجحا للغاية والخشية من الحكم العسكرى تتأتى دائما من انقلابه إلى نظام ديكتاتورى . معروف أن الحكم العسكرى يبدأ بداية جيدة كما كان هتلر الذي أنقذ ألمانيا من الكساد الاقتصادى ثم ورطها فى حرب ضروس فى عهد عبد الناصر الذى حقق الكثير من الإنجازات فى العشر سنوات الأولى من حكمه تلتها انتكاسات قاتلة وبسبب قيامه بتأميم القناة وقعت حربيا 1956 و1967 ..وخطوة تأميم القناة لم يكن لها أى داع لأنه وفق المواثيق الدولية كانت القناة ستعود لمصر بعد 12 سنة من تاريخه والذي لا يعرفه الناس ان عبد الناصر قام بعقد اتفاقية سرية فى 1956 حصلت بموجبها إسرائيل على أم الرشراش « ميناء إيلات » . وعندما قام عبد الناصر بافتعال المشاكل مع الرؤساء والملوك العرب قرروا الكشف عن صفقة أم الرشراش فافتعل مشكلة غلق مضيق تيران تمهيدا لا سترداد أم الرشراش . لقد كتبت قبلا مقالا مطولا عن تجربة مصر مع الحكمين العسكرى والدينى وأنك لا ترتاح لأيهما...؟ عدم نجاح الحكم العسكرى أو الدينى يرجع لغياب أروع كلمة « النقد » ففى حالة الحكم العسكرى يصنف النقد بوصفه عمالة وخيانة وفى ظل الحكم الدينى يعد كفرا وإلحادا ..ولا يمكن لبلد أن يتقدم بدون النقد .ولذا كان فولتير يقول :« تمنيت لو أتيت بآخر ديكتاتور وخنقته بأمعاء آخر رجل من هؤلاء المتسربلين بالدين ..وقال فى موضع آخر : إذا طرق الرقى باب أمة سأل أولا : هل لديهم نقد ؟ وقال هارولد لاسكى فى مؤلفه : الحرية فى الدولة الحديثة « ما لم يهدد الحاكم شبح هزيمة انتخابية مقبلة يتحول من خادم للشعب إلى مستغل لهذا الشعب . البعض يرى أن الحكم العسكرى يختلف كلية عن وجود حاكم ذى خلفية عسكرية ..اسألك هذا السؤال ونحن أمام مرشح ذى خلفية عسكرية : المشير السيسى ؟ حين يترك المرشح المؤسسة العسكرية فهو لم يعد عسكريا وأنا شخصيا مع ترشح السيسي لأنه رجل مصلح على استعداد للتضحية بعمره وحياته من أجل بلاده وقد وقف ضد العالم كله من أجل مصر .واستطاع تحدى الصهيونية العالمية بأذرعها الستة : أمريكا وإسرائيل والاتحاد الأوروبي وقطر والإخوان وتركيا . قال لى د. إبراهيم بدران إن سر قوة الشخصية المصرية ينبع من كونها صاهرت العديد من الجنسيات واكتسبت الجينات القوية من مختلف الجنسيات فأصبح لديها جينوم شديد التميز ؟ هذا التحليل ليس فى محله .وقد أكدت مارجريت كاندل فى دراسة علمية أن جينات المصريين مسلمين ومسيحيين واحدة بنسبة 97% وهى نفسها جينات الفراعنة . وقد أكد فراندل بيترى أنه بالرغم من الغزوات الكثيرة على مصر لم يكن هناك تغيير فى الشخصية المصرية بل كان مجرد تغيير فى الحكام ذلك لأن بحر مصر البشرى الكبير كان يذيب هؤلاء الغزاة والتجربة التى قام بها اريك هولمز تثبت أن المحن المتتالية سر قوة المصريين فقد قام باخيتار مجموعتين من الفئران : الأولى وضع لها كل ألوان الطعام والثانية خبأ لها الطعام بحيث يصعب عليها الحصول عليه وبعد سنة درس المادة السمرا ء المسؤلة عن الذكاء فى المخ لدى المجموعتين فاكتشف أنها أقوى لدى المجموعة الثانية ،فالصعوبات ضرورة للتربية وأسوأ أنواع الحرمان هى الحرمان من الحرمان نفسه . الشخصية المصرية عظيمة عظمة الحضارة المصرية القديمة فنحن لا نعرف من الأدوية التى عرفتها مصر القديمة سوى 20 دواء بسبب حاجز اللغة ..وفى مجال الرياضيات وجدوا أن مصر القديمة اكتشفت «الباى »النسبة التقريبية التى لا يمكن أن تجرى معادلة لاينشتين بدونها . بهذه الصلابة هل تستطيع مصر عبور محنتها وتجاوز كبوتها ؟ لن ينجح شىء إلابالكلمة السحرية التى وضع المهندس محلب يده عليها عندما قال « الحب ناقص فى مصر « فأحد أسباب نجاح الحضارة المصرية القديمة كان الحب ،وكان لدى المصري القديم عيد يلى شم النسيم هو عيد طهارة القلوب حيث كان المتخاصمان يحاول كل منهما الإسراع بتقديم فطيرة للشخص الذي تشاجر معه ..الحاكم إذا أحب مصر أعطاها ولم يسرقها ..الخديو إسماعيل المفترى عليه أحب مصر وجعلها قطعة من أوروبا ..يمكننا أن ناخذ درس الحب من المجموعة الشمسية فلولا السلام ما كانت خطوط الجاذبية تسير بهذا الاتقان وبالقياس نفسه نجد أن الذرة تسير فى تناغم فيما بين مكوناتها وعندما أربك الإنسان العلاقة بين مكوناتها صنع حالة كراهية .