بفضل جهود وزير الأوقاف التى لا تخفى على أحد، ودعم كامل من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، عقد المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، الذى يترأسه الدكتور أحمد عجيبة، مؤتمرا مهما بعد توقف دام ثلاث سنوات، وكان عنوانه: (خطورة الفكر التكفيرى والفتوى من دون علم على المصالح الوطنية والعلاقات الدوليّة). وهذا المؤتمر الذى عقد فى توقيت بالغ الدقة من تاريخ أمتنا، شاركت فيه معظم الدول الإسلاميّة، واستعرض فى يومين العديد من البحوث المقدمة من علماء أفذاذ، ينتهجون المنهج الوسطى الذى ينتهجه الأزهر الشريف، الذى كان إمامه على رأس المشاركين فى المؤتمر، والذى ألقى كلمة أجمع الحضور على أنها لخصت منهج أهل السنة والجماعة، وبينت الجذور التاريخية لظاهرة التكفير، وعرضت لأسبابها فى جرأة وحيادية وتجرد لايصدر إلا عن شيخ الأزهر الطيب، الذى عود سامعيه على لغة سهلة ممتنعة يتحث بها، يفهم العامة مجملها، ويغوص الخاصة فى بحار مراميها، والسعيد منهم من خرج ببعض صدفاتها، وقد سمعت بأذنى من أظن أنه لايخشى فى الله لومة لائم من كبار العلماء يقول، وقد سمع الكلمة فى سيارته حيث وصل متأخرا إلى مقر المؤتمر: الكلمة تعتبر(منفستوا) منهج أهل السنة والجماعة، وسمعت كبار العلماء من دول إسلاميّة يلّحون على المنظمين من أجل الحصول على الكلمة مطبوعة أو إلكترونية، ورأيت وسمعت مشاهير الإعلاميين يستأذنون الإمام لاقتباس بعض فقرات منها. ولا أود هنا أن أتحدث عن كلمة الإمام ولا عن الإمام، فهو يستحلفنى ألا أكتب عنه شيئا كلما قرأ شيئا أشير فيه إلى فضيلته، ويخبرنى بأن شهادتى فى فضيلته مجروحة، ولا أظننى عصيت أمره هنا، فأنا نقلت بعضا مما سمعته بأذنى من أقوال العلماء الذين لا يرتبطون مع فضيلته بمصلحة من مصالح الدنيا، وإنما أنطقتهم الحقيقة وأمانة العلم التى يحملونها. وما يعنينا فى هذا المقام هو الاستفادة مما قدم العلماء الثقات من أنحاء المعمورة، الذين أجمعوا على خطورة الفكر التكفيرى والإفتاء بغير علم، وبيّنوا للناس أن ديننا دين السماحة، يأبى تكفير الناس إلا بيقين، وأنه لامجال لتكفير من نطق بالشهادتين إلا بجحدهما جملة أو إحداهما أو إنكار ماعلم من ديننا بالضرورة، وأن الحكم بالتكفير من اختصاص القضاء، أما العلماء فمجال حديثهم فى التكفير يقتصر على التحذير منه، وبيان خطورته، وبيان الأمور المكفرة دون إسقاط أحكام الكفر على الناس كما يحلو لكثير من الناس فى زماننا، وأمر هؤلاء يثير الشفقة عليهم فى نفوس العلماء العارفين بخطورة التكفير، ويكفى لبيان غفلة هؤلاء المكفرين للناس قول رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم- إذا قال المرء لأخيه ياكافر فقد باء بإثمها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا ردت إليه، ولعلهم سمعوا يوما قول رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم- لسيدنا أسامة بن زيد منكرا قتله رجلا قال لا إله إلا الله حين أدرك أنه مقتول:فهلا شققت عن قلبه، وإنكاره صلى الله عليه وسلم - على سيف الله المسلول سيدنا خالد بن الوليد، حين قتل جماعة فى معركة بعد أن قالوا: صبئنا وهى مجرد كلمة لا تعنى أكثر من الخروج من دين إلى دين آخر، ولذا تصدق على من خرج من الإسلام إلى الكفر، ومن خرج من اليهودية إلى النصرانية، ولا تختص بالدخول فى الإسلام، ومع ذلك رآها رسولنا صلى الله عليه وسلم- كافية وموجبة للتوقف عن قتالهم حتى يعلم حقيقة أمرهم، لاحتمال دخولهم فى الإسلام حيث كانوا يقاتلون عليه، ولذا ينكر على سيدنا خالد ويتبرأ من فعله: اللهم إنى لم آمر، ولم أشهد، ولم أرض إذ بلغني، اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد. فإذا كان مجرد الشبهة كافيا لعصمة النفس، وإن احتمل وجود الكفر فيها، فما بالنا بأناس يكفرون قوما يصلون ويصومون ويزكون ويحجون؟!! لمجرد اختلافهم معهم فى أمر من أمور الدنيا قد يكون اعتناق نهج سياسى لايرضى حامل سلة صكوك التكفير والإيمان يفرقونها على الناس من دون برهان، ممن ابتلينا بهم ممن يحسبهم الناس من علماء الزمان وليسوا كذلك، فإن العالم الحقيقى لايحكم بكفر شخص احتمل الكفر من ألف وجه، واحتمل الإيمان من وجه واحد، حذرا من أن يكفر مؤمنا فيكفر، ولقد عدد الإمام الأكبر فى كلمته آيات من كتاب الله وصفت أقوما تلبثوا بكبائر بالمؤمنين منها: قوله تعالي- (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين)، وغير ذلك من الآيات الشريفة، فكيف طوّعت نفوس أقوام يحفظون هذه الآيات، ونرى بعضهم كلما نطق بآية نسبها إلى صورتها وكأنه يمسك بالمصحف بين يديه، ومجمل حديثه حض وافتراء على شرع الله ما انزل الله به من سلطان مثله ..كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ،فأفيقوا يامن كنا نحسبكم من العلماء: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ). لمزيد من مقالات د. عباس شومان