تتعدد أشكال التحرش الجنسى من الملاحقة واللمس والنظرة الفاحصة ويحذر الخبراء من أن معدلات التحرش سجلت ارتفاعا ملحوظا فى الآونة الأخيرة وخاصة فى دول الربيع العربى مما يفسره بعض علماء النفس بأنه أحد مظاهر وتداعيات حالة القلق وعدم الاستقرار التى تسود تلك الدول بعد كسر الكثير من الحواجز وانهيار العديد من المعتقدات فزادت حالات التحرش فى كل زمان ومكان ولايهم إن كانت الضحية شابة أو كبيرة فى السن ولايهم أن تكون مصرية أو أجنبية كما لايهم إن كانت ترتدى الحجاب أو النقاب أو الملابس الكاشفة كما أن التحرش يحدث فى الشوارع وفى وسائل النقل المزدحمة وأماكن العمل والمدارس وحتى فى عيادات الأطباء. وفى الوقت الذى تحاول فيه مصر الخروج بالسياحة من عنق الزجاجة جاءت حادثة الاعتداء على السائحة البريطانية فى شرم الشيخ لتقصم ظهر البعير وسارعت بعض دول الجوار لاستغلال الفرصة والهجوم على مصر وتشويه سمعتها عالميا لسحب البساط من تحت قدميها وتوجيه بوصلة السياحة إلى بلادهم. والأمر فى حاجة إلى ابتكار حلول جذرية وسن قوانين واضحة وصارمة ضد التحرش والتعاون مع الجهات الأمنية لمعاقبة مرتكبيه وتغليظ العقوبة فى حقهم وفى الوقت نفسه التأكيد على أن تتضمن المناهج الدراسية حقوق الطريق والمرافق العامة واحترام الآخرين لعلها تحد من المشكلة التى أصبحت ظاهرة خاصة مع انتشار وسائل الاتصال عبر المحمول وشبكات التواصل الاجتماعى الالكترونية ولابد من زيادة أعداد ضابطات الشرطة فى الأماكن المزدحمة والمواصلات العامة وتسليحهن بأسلحة وآليات الحماية الرادعة. وأشارت مراكز حقوقية مصرية إلى ضرورة عدم السكوت على الظاهرة ومحاولة إزاحتها من قاموس المعتقدات الثقافية المصرية لدى الرجل ضد المرأة أو العكس خصوصا وأن النساء اللاتى يتم التحرش بهن يؤثرن الصمت والكتمان لأسباب مجتمعية تتعلق بما درجت تسميته ب«الفضيحة» بينما قد يعطى هذا الصمت إشارات للمتحرش بمشاعر زائفة بالرضا أو القبول من جانب المرأة وبالتالى يزيد معدل حدوث الجريمة فى المجتمع ولابد أن نعترف بأن هناك تطورا إيجابيا فى موقف السيدات وهو أن المرأة التى تتعرض للتحرش الآن لم تعد تخجل من الإفصاح عن هذا الأمر بل باتت تجهز به دون خجل لكى تنال حقها وتدافع عن كرامتها ففى عام 2008 صدر حكم على شاب بالسجن ثلاث سنوات مع العمل الشاق بعد أن تحرش بشابة محجبة فى شارع قصر النيل فأمسكت به وتوجهت إلى الشرطة وحررت محضرا بالواقعة وتابعته حتى وصل إلى المحكمة المختصة ولم تهدأ حتى حصلت على حقها كاملا ولايزال حادث فتاة العتبة عالقا فى أذهاننا رغم مرور أكثر من عشرين عاما على تلك الواقعة عندما تحرش بعض البلطجية بفتاة فى الأتوبيس فى عز الظهر ومزقوا ملابسها واعتدوا عليها وحكم عليهم فى أسابيع قليلة بالإعدام وكان حكما ناجزا رادعا. ولاشك أن بلادنا باتت فى حاجة ملحة إلى إصدار قانون منفصل يتناول مواد ونصوصا قانونية واضحة لجريمة التحرش بالنساء والرجال والضعفاء على حد سواء لأن القانون الوضعى الحالى يعتمد جرائم «الفعل الفاضح»، و«هتك العرض» و«الاغتصاب» فى حين لم يتضمن تعريفا شاملا لكل أشكال الاعتداءات الجنسية على المرأة والطفل كما أن التشريعات الجنائية خلت تماما من نص يحدد معناها ويجرمها ويؤثمها ويعاقب عليها وهناك ضرورة ملحة لإصدار هذا التشريع لمعاقبة المتحرشين ولابد من وقفة حقيقية من جانب الدولة والمجتمع للوقوف على السبب وراء مايجرى وتحمل المسئولية ومعالجة نواحى القصور والتقصير وملء منطقة الفراغ القانونى بسن القوانين الرادعة التى تحد من تمادى المتحرشين والقيام بحملة توعية اعلامية تهدف إلى تعزيز الوعى المجتمعى حول التحرش الذى يتعرض له الأفراد من ذوى الإعاقة بمختلف أنواعها فى ظل تقصير واضح من معظم الجهات المعنية بدعوى الانفلات الأمنى الذى أصبح شماعة نعلق عليها اخفاقاتنا فى هذه الأيام. كما أننا لانستطيع أن نستثنى الجهات الأمنية المسئولة من الدخول فى حيز الاتهام بالتقصير حيث يقوم الأمن العام بحملات عادة ماتكون موسمية ضد معاكسة الفتيات والتحرش بهن فى الشوارع ووسائل المواصلات فى المناسبات والأعياد والعطلات فقط دون بقية أيام السنة. ورغم مجهودات بعض وسائل الاعلام فى إبراز قضايا التحرش الجنسى والمخاطر الجسيمة التى تترتب عليها فإن أغلب البرامج الإذاعية والتليفزيونية تهتم بعرض فضائح وجرائم التحرش الجنسى بشكل يجسد المشكلة ولكنه نادرا مايتطرق إلى الحلول المناسبة لها. د. هانى عبدالخالق أستاذ إدارة الأعمال