يشهد عالمنا المعاصر تقدما علميا وتكنولوجيا، وتحديا حضاريا، وبرزت ظواهر مبهرة ومحيرة فى الوقت نفسه، استوجبت على الفكر الإسلامى المعطاء، أن يقدم ما يتواءم مع العصر ومقتضياته، وما ينهض بترشيد هذه الصحوة. أولا: شهد العالم المعاصر هذا التقدم العلمى والتكنولوجى الذى كاد العالم معه يصبح كالقرية، فما يقع فى أقصى مكان يشهده كل إنسان، واختصر الزمن، واكتشفت أجهزة حديثة وآليات ومخترعات، قدمت للإنسانية خدمات، وقربت المسافات، وحققت طموحات واسعة ما وقع فى خلد أحد أن تكون، وتحققت نبوءة القرآن الكريم التى قالها من آماد متباعدة، ومنذ اكثر من أربعة عشر قرنا،حيث قال رب العزة سبحانه: [سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق...]. لقد خاطب القرآن الكريم بهذا البشرية جمعاء عبر عصور التاريخ، ورغم أن حديث القرآن كان فى وقت لم تصل فيه البشرية إلى ما وصلت إليه الآن من المخترعات والاكتشافات ووسائل المواصلات، فقد خاطبهم آنئذ بما هو فى بيئتهم من وسائل النقل بالأنعام والدواب ولكنه لوح لهم بما سيكون فى مستقبل البشرية حين قال الله سبحانه: [والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون] سورة النحل (8). ثانيا: برزت العولمة على الساحة الدولية بملامحها من اتساع دوائر الاستثمارات والأسواق المفتوحة، وكان من آثارها المترتبة على شيوعها تهميش بعض الهويات وتذويبها. فالعولمة وإن كان ظاهرها التقدم ففى باطنها إحداث شروخ فى حياة الدول اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، ولن يكون أحد بعيدا عنها كنظام عالمي، فلسنا فى جزر منعزلة، فالواجب أن نتجنب خسائرها وأن نأخذ ما يفيد وأن نطرح ما لا يفيد وما لا ينسجم مع عقيدتنا وهويتنا، لأن للأمة الاسلامية استقلال شخصيتها وهذا ما وجه إليه الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: [لا يكن أحدكم إمعة، يقول: إن أحسن الناس أحسنا وإن أساءوا أسأنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا) رواه الترمذي. فمن مقتضيات هذا أن نحافظ على هويتنا واستقلال شخصيتنا، فلا تهمش الهويات، ولا تذويب للمجتمعات، وعلينا حماية الثوابت فالمشروع الإسلامى الحضارى يتميز بالوسطية والاعتدال، فالاسلام يدعو إلى الأخذ بأسباب السعادة مع التوجيه الدينى للعبادة، ساعة وساعة. ثالثا: أصبح الإعلام المتدفق على الساحة الدولية فى ظل السماوات المفتوحة، يستوجب الحفاظ على الحرمات، وأن يكون إعلاما بناء يعمل على ترشيد العالم والنهوض به، وواجبه أن يقوم بنشر الإسلام وتعاليمه السمحة، فهو الدين العالمى الذى وجب على الجميع أن يؤمنوا به، وأن يدخلوا فيه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة، والاسلام هو الدين الذى بشرت به الكتب السماوية السابقة وبشر به الرسل السابقون. رابعا: إن الادعاء بتصادم الحضارات يقتضى وقفة تستوجب التعريف بأن الإسلام يدعو إلى تعاون الحضارات وتضافرها فقد نادى القرآن الناس جميعا إلى التعارف والتآلف لا للصدام والخلاف، قال الله تعالي: (يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا.....) الحجرات (13) خامسا: الظواهر السلبية كالاحراف الفكرى والأخلاقى والعنف والإرهاب، وهى ظواهر تفشت فى مجتمعاتنا فى العصر الحاضر وتقتضى أن يواجهها العلماء والمفكرون، بما يعمل على منعها وتصفية جيوب الإرهاب فى كل مكان من العالم حتى يأمن الناس، فمن ورطات الإنسان التى لا مخرج له منها قتل النفس بغير حق. قد قال رب العزة سبحانه: [ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما] سورة النساء (93). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لايزال المؤمن فى فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما] رواه البخاري. لمزيد من مقالات د.احمد عمر هاشم