قد يبدو العنوان مناسباً لكتب الرصيف الرخيصة ، ولكن قصة الدكتور «سعد الدين إبراهيم» إذا اتيح لروائى أو سينارسيت أن يكتبها فلن يجد أفضل من هذا العنوان ، فحياة الرجل تبدأ وتنتهى من غرف نوم أشهر سيدات العالم العربى فى العصر الحديث « سوزان مبارك وموزة المسند والملكة رانيا ، وقبلهن السيدة « جيهان السادات «. الأولى كانت تلميذته فى الجامعة الأمريكية وقت أن كان زوجها محمد حسنى مبارك نائباً للرئيس السادات ، يحكى سعد للمشهد « علاقتي بأسرة مبارك بدأت منذ أن كان مبارك نائبا لرئيس الجمهورية حيث تصادف خلال تدريسي بالجامعة الامريكية في خريف 1976 أن إلتحقتْ بالدراسة في نفس العام سوزان ثابت زوجة الرئيس السابق حسني مبارك ، وفى البداية لم أكن أعلم من هي لأنها فى ذلك الحين كانت طالبة عادية ..» وتطورت العلاقة بين الأستاذ المثقف وتلميذته بعد أن أشرف بنفسه أو كتب أو راجع أو صححّ رسالتها للماجستير، ولك أن تتخيل كيف كان المفكر المثقف يذهب بالعلم والأفكار إلى بيت السلطان ليطمئن على مستقبل سيدة العرش ، ولك أن تتخيله مرة يحمل الورد وأخرى يدخل قصر الرئاسة وفى يده لفة من الكتب والمراجع! ، المهم أن هذا الاقتراب جعل «سعد الدين إبراهيم « حديثاً يومياً بين الزوجة التى تستعد للجلوس على العرش بجوار زوجها الطيار ، واقترب المثقف أكثر وأكثر حتى تحقق له ما أراد وما سعى إليه ، يقول المفكر الكبير فى حوار أجرته معه الزميلة « زينب الباز « بمجلة نصف الدنيا فى مارس 2012 : « كان أول لقاء لى مع حسنى مبارك نائب رئيس الجمهورية خلال حفل تخرج سوزان ثابت من الجامعة حيث وجهت سوزان ليَ الدعوة بالحضور وقبلتها .. ووقتها علمت أن الطالبة «سوزان» تنقل كل ما أقوله أثناء محاضراتى من انتقادات عن الرئيس السادات ونظامه لنائب الرئيس .. ولكن منذ هذا الحفل توالت الاتصالات بينى وبين مبارك وكان يطلب مني أن أضع له محاور وخطب ليلقيها في الزيارات والمناسبات المختلفة». اختلط المثقف إذن بالرئيس القادم وصعد مع العائلة المباركية من اللحظة الأولى لصعودهم العرش ، وعبر سنوات ظل الوضع هادئاً ومريحاً للمثقف الذى أصبح «الناصح « الأمين للزوجة التلميذة وزوجها ونجلهما الشاب، لكن العلاقة بدأت تتوتر فجأة خلال السنوات الأخيرة من الحكم !. ضد التوريث يزعم سعد الدين إبراهيم فى مذكراته وأحاديثه الصحفية أن « جمال « كان سبب الابتعاد والنفور وأن محاولات والدته توريثه الحكم جعله يعلن التمرد على النعيم المقيم من أجل مصر ومستقبلها !. وحسب رواية سعد الدين إبراهيم فى مذكراته فإن الضغوط لتوريث جمال مبارك لم تكن من جانب الأب فقط بل إن السيدة الأولى والتلميذة السابقة بدأت تطرح الفكرة أيضاً : « كانت سوزان ومنذ بداية الألفية الثانية دائمة الحديث معى عن ابنها جمال وكانت تقول ليَ دائما « ساعد جمال « وكنت افهم هذه الجملة بأن أنصحه وأرشده وأعلمه ولكن ذات مرة تكررت هذه الجملة منها فتوقفت عندها ، وبدأت ألمس أنه انتابها شعور بانها « أم الملك « وشعرت وقتها أنها خائفة من اليوم الذي يخرج فيه حكم مصر من أيدي العائلة فلا تكتفي بلقب سيدة مصر الأولي بل تريد أن تصبح مستقبلا أم الرئيس القادم .. وحين تفهمت هذا دار نقاش بيننا كان فحواه أنها تريد مني أن « المع جمال « وأؤهله لحكم مصر». ......................................... انتهى كلام المثقف ،وأنت حين تتخيل الموقف تتصوره بطلاً شعبياً يقف فى وجه السلطة ويرفض نعيمها ويتمرد على رغباتها ويترك القصر غاضباً كما يليق بمثقف ومفكر كبير ،لكنك تصاب بالغثيان وأنت تشاهد نفس المثقف يوقع على استمارة ترشيح ودعم «الوريث « للرئاسة فى 29 اغسطس 2010 بينما الكاميرات تلتقط له الصور مع وفد ائتلاف دعم جمال مبارك ! كان هذا الموقف جديراً بإحداث صدمة كبيرة فيمن راهن على « سعد الدين إبراهيم « كحامل لواء التغيير فى مصر ، فالرجل الذى قدم «أيمن نور» للأمريكان وطرحه بديلاً لمبارك ونجله ،عاد بعد كل ذلك راكعا ليوقع على استمارة التوريث !. توريث جمال مبارك لم يكن هو سبب الخلاف مع العائلة المباركية إذن !، بل إن سعد الدين نفسه يؤكد أن علاقته بمبارك استمرت حتى مطلع الألفية. ليس جمال مبارك ،وليس « التوريث ، وليس الغضب من ديكتاتورية مبارك ، فما السبب إذن ؟!. فى حديث خاطف يتحدث سعد الدين إبراهيم عن حلم « سوزان مبارك « بالحصول على نوبل ، ويعقد مقارنة بينها وبين « الشيخة موزة « ، ويقول إن سوزان استحوذت على العمل العام ومؤسسات المجتمع المدنى وأنها كانت تطمح للحصول على جائزة نوبل ولذلك كما يقول سعد الدين إبراهيم للزميلة «إيمان صديق « فى حوار مطول نُشر بصحيفة «المشهد أغسطس 2011 لم تكن العلاقة بينها وبين الشيخة موزة زوجة أمير قطر طيبة لأن الشيخة موزة كان نشاطها العام بارزا جدا، وبدأت الصحافة العالمية تعطيها قدرا كبيرا من الاهتمام وفى الحالة القطرية الشيخة موزة لا تقل جاذبية وثقافة عن سوزان مبارك ...» . التاريخ يقول إنه فى مطلع الألفية الثانية كانت قطر تزحف نحو الشهرة ، وانطلقت الشيخة الشابة تقود زوجها « حمد « وتدفعه نحو ذلك ،لكنها كانت تحتاج « مثقفاً « يرسم لها خطواتها نحو واشنطن ورجال البيت الأبيض ، وقد وجدته فى شخص الدكتور سعد الدين إبراهيم الذى عقد مؤتمرا فى يونيو 2004 بفندق الريتز كارلتون حول الديمقراطية والإصلاح في العالم العربي بالدوحة بمشاركة «شريف منصور» مسئول فريدوم هاوس فى الشرق الأوسط . كانت الشيخة فى ذلك الوقت تحلم بتقديم نجلها « تميم » إلى الدوائر الأمريكية وبالمرة تكيد لسوزان مبارك وتأخذ منها المفكر الذى منحها الماجستير . .................... قبل أن تاخذنا حكايات «سوزان وموزة « وبينهما المثقف الناعم سنعود قليلا إلى عصر السادات لنعرف كيف نجح المفكر فى دخول قصرالرئاسة من الباب نفسه ، فالدكتور متعهد سيدات عروش كما انه « قديم « ويجيد تلك اللعبة. يروى سعد الدين إبراهيم انه عاد إلى مصر عام 1974 ، وانه كان بعيد عن السلطة تماماً حتى حدث المراد من رب العباد : « سمعتنى السيدة جيهان السادات أحاضر فى الجامعة ثم سمعتنى أحاضر فى أمريكا وأخبرت زوجها بأهمية أن يسمع إليّ لأننى أنقد ولكن نقدى موضوعى وفى يوم 30 أغسطس 1981 التقيت الرئيس السادات فى استراحته بالإسكندرية وقد استمرت المقابلة 3 ساعات ثار على فيها عدة مرات لكنه كان يستمع لما أقوله وفى نهاية اللقاء طلب منى أن أعد لمؤتمر أدعو فيه 500 مثقف عربى ليتحاور معهم إما لإقناعهم بأن ما فعله فى كامب ديفيد كان صوابا وإما أن يقنعوه بأنه على خطأ ووعدته أننى سأفعل ذلك وذهبت فى جولة فى العالم العربى كى أدعو هؤلاء ال500 وقبل أن تنتهى الجولة كان قد اغتيل ..» ............................ لنعود إذن إلى قصر مبارك الذى اتضح مما سبق أن الدكتور سعد الدين إبراهيم لم يترك الدفء الرئاسى من أجل التوريث كما زعم ، ولم يغضب على مبارك بسبب الديمقراطية كما يقول دائماً ، وإنما كانت هناك « شيخة « جديدة تحلم بعرش السيدة الأولى فى المنطقة العربية ، واصبح على « المثقف « أن يزحف نحو قصرها ، وكان المؤتمر الذى أشرنا إليه والذى أقيم عام 2004 فى الدوحة بذرة لمؤسسة ضخمة تقام تحت رعاية الشيخة «موزة بنت ناصر المسند «التى رصدت 10 ملايين دولار لتمويلها، وفى 2007 تم الإعلان عن ميلاد المؤسسة العربية للديمقراطية وترأست الشيخة مجلس الأمناء ! ولم يخجل المثقف من المفارقة العبثية بين أهداف المؤسسة :»دعم وتطوير الديمقراطية في المنطقة العربية ونشر وتعميق وعى المواطن بحقوقه المشروعة وتمسكه بها» ، وبين نظام الحكم فى الدولة التى ترعاها ! ولم يخجل من جلوس الشيخة على قمة المؤسسة بأموالها !، واستهلت المؤسسة عملها بعدة مؤتمرات كان هدفها الهجوم على مصر ونظامها الديكتاتورى! ، وخرج أنصار مبارك ليردوا الهجوم القادم من قطر ولم تكن المؤسسة الضخمة بأموالها ومؤتمراتها سوى «دكان « تم افتتاحه ليجلس فيه سعد الدين ابراهيم بجوار الشيخة الشابة التى كانت تسعى إلى العالمية ودخول الدوائر الأمريكية وإلى اقتناص حكم قطر لأحد نجليها « جاسم أو تميم « بعد أن تفاقم الصراع بين أبناء الشيخ حمد بن خليفة آل ثان الثمانية عشر والذين أنجبهم من ثلاث نساء آخريات بخلاف أبناء العمومة الذين يتنافسون على وراثة الحكم . وكان الأهم بالنسبة للشيخة هو الانتصار على السيدة الأولى وخطف «الأستاذ « منها ، وحتى تكتمل الصورة استقدمت الشيخة خبراء التجميل والأزياء فى العالم وضعت بجوارهم « المثقف « الذى انتقل من القاهرة لتهيئة الوريث القطرى الصغير ورعاية عقل الشيخة وتظبيط المنكوش من أسلوبها فى التعامل مع الأمريكان . بعد كل هذا المشوار بين غرف سيدات العرش هل تتعجب الآن من دعوات سعد الدين إبراهيم للتصالح مع الشيخة موزة ؟!