ليس فى اسم «عبد الله» شىء، لكنك إن أضفت اسم «الصديق» ربما تشعر بالمفارقة إن كنت من هؤلاء الذين يعتقدون أن الحب يطرق أبواباً ويستثنى أخرى وفق الأسماء والصفات والمكانة!، الجميع يحب ويهوى، وعبدالله ابن أبى بكر الصديق رضوان الله عليهما، كان شابا وسيما كما وصفته كتب السيرة ، ويميل كثيراً للتأمل وكتابة القصائد، وهو عاشق مسكين وقع صريع الحب فأخذته النشوة حتى بدا رجلاً غريباً، فقد حدث أن كانت هناك فتاة صغيرة وجميلة يتحاكى بحسنها ونور وجهها وطيب ريحها أهل المدينة، إنها « عاتكة» التى ملكت قلب الفتى حتى بعد أن تزوجها! كُتب السيرة كانت بخيلة فى سرد تفاصيل قصة الحب هذه، ولم أعثر على ما كنت أبغى وأريد ، لكننى انتقيتُ روايتين تُكملان بعضهما وتقدمان الحد المعقول من تفاصيل القصة، الأولى فى كتاب «المستطرف لكل فن مستظرف ل «شهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهى»، والثانية جاءت فى الطبقات الكبرى لابن سعد . وعاتكة هى بنت زيد بن عمرو بن نفيل، أى ابنة عم عمر ابن الخطاب، وقد أسلمت فى مكة ثم هاجرت إلى المدينة، وهناك رأها «عبدالله بن أبى بكر» فى بداية عهده بالمدينة، فأعجبه جمالها وملكت عقله وظل يراقب الطريق كى يراها كل ليلة، ورأى أبوبكر حال ابنه فعجل بزواجه منها، لكن الفتى ازداد حباً وولعاً، وانشغل بحبها ليل نهار، ولاحظ أبوه ذات يوم أنها شغلته عن صلاة الجمعة فأمره بطلاقها :» طلقها فإنها قد فتنتك»، ويروى «الأبشيهى» القصة فى المستطرف ، فيقول إن أبا بكر اختلى بعبد الله، فقال يا بنى إنى أرى هذه المرأة قد أذهلت رأيك وغلبتْ عقلك فطلقها، قال الابن مهزوم : لست أقدر على ذلك ،وأنشد وهو يبكى: يقولون طلقها وأصبح مكانها مقيماً تمنى النفس أحلام نائم وإن فراقى أهل بيت أحبهم ومالهم ذنب لإحدى العظائم فتركه الصّديق وعاد إليه بعد يومين ورأى حاله فقال «أقسمت عليك إلا طلقها» ،فلم يقدر على مخالفة أبيه فطلقها ، فجزع حزن عليها جزعا شديداً وامتنع من الطعام والشراب ، فقيل لأبى بكر: أهلكت عبد الله !، فمرّ الصديق يوماً وعبد الله لايراه وهو مضطجع فى الشمس ويقول: فلم أر مثلى طلق اليوم مثلها ولا مثلها فى غير ذنب تطلق فرقّ له أبوه وأمره بمراجعتها ، فأعادها إلى عصمته وعاشا معاً ، لكن أحوال الفتى العاشق لم تتغير وظل هائماً فى هواها سابحاً فى حسُنها وجمالها، وفى كل ليلة يشعر بأن شيئاً سيحدث يفرق بينه وبين «عاتكة» و كان يطلب منها، ألاّ تتزوج بعده إذا مات عنها، ولم يجد ما يسترضى به محبوبته كى تحافظ على عهده سوى أن أعطاها أرضاً كان يملكها . وشهد عبدالله بن أبى بكر غزوة الطائف، وكان مقاتلاً بارعاً يخوض الحرب ويحلم أن يعود ليحكى لعاتكة عن بطولاته، لكن أبومحجن الثقفى وما أدراك ما اسمه رماه بسهم اخترق القلب، وحزنت عاتكة، لكنها كعادة الجميلات لم تصبر طويلا، لدرجة ان أهل المدينة كانوا يقولون: (من أراد الشهادة فليتزوج عاتكة)، فقد تزوجها الفاروق عمر بن الخطاب بعد عبد الله ابن أبى بكر واستشهد عنها، فتزوجها الزبير بن العوام ولحق بسابقيه، وكانت لها قصة مع كل منهما، تستحق أن نتوقف عندها إن كان فى العمر بقية