يبدو من الضرورى الاستفادة من دروس تجربة الانتخابات الرئاسية السابقة، ونحن على مشارف بدء تنفيذ الاستحقاق الثانى فى خريطة المستقبل والذى يتمثل فى إجراء الانتخابات الرئاسية. وتؤكد النظرة الفاحصة لبرامج مرشحى الرئاسة فى الانتخابات الرئاسية الماضية تعدد الدروس التى ينبغى الاستفادة منها فى صياغة وإعداد برامج مرشحى الرئاسة القادمة. ويتمثل أولها فى طغيان الطابع النظرى الذى لايقدم حلولا واقعية للمشكلات المزمنة التى طالما عانى منها المجتمع المصري. وعاب بعض البرامج أيضاً المبالغة غير المنطقية فى الوعود المقدمة لجماهير الناخبين على المستوى السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى بما لا يتواءم مع مقدرة الدولة وأجهزتها التنفيذية على تحقيقة خلال فترة واحدة للرئاسة. واستعانت بعض البرامج والحملات الانتخابية للمرشحين بشعارات جوفاء لا يصاحبها عناوين مشروعات تنفيذية قوية تمكن من تحويل هذه الشعارات إلى واقع ملموس. كما غاب الإبداع عن كثير من الحملات والبرامج الانتخابية فى التعامل مع المشكلات المزمنة التى يعيشها الشعب المصري، فجاءت المشروعات والبرامج التنفيذية المقترحة فى البرامج تقليدية فى معظمها. ووظفت بعض البرامج والحملات الانتخابية الدين لخدمة أغراض سياسية، واستغلت فى ذلك العاطفة الدينية لدى جمهور الناخبين، فأطلقت لذاتها العنان فى الخلط بين الدين والسياسة بما يخالف الدستور والقانون، كما جرى بشكل واضح استغلال دور العبادة ودروس التوعية الدينية فى الدعاية الانتخابية لبعض المرشحين. واعتمدت بعض البرامج والحملات الانتخابية بشكل مكثف على الاتصال المباشر من خلال المؤتمرات الجماهيرية والندوات والحفلات من خلال فرق عمل معاونة للمرشح فى المناطق والأقاليم الجغرافية بطول مصر وعرضها، ونجحت بعض هذه البرامج فى تكثيف الدعاية المباشرة وإقناع جمهور الناخبين وزيادة أسهم بعض المرشحين على حساب الآخرين المنافسين. وأثبتت التجربة أهمية عدم إغفال هذا الأسلوب وخاصة مع ارتفاع نسب الأمية التعليمية لقطاع كبير من جمهور الناخبين المصريين. ونجحت بعض البرامج والحملات الانتخابية للمرشحين فى مخاطبة شريحة كبيرة من الشباب المصرى عبر وسائل الاتصال الحديثة والإعلام الجديد من خلال المواقع الإلكترونية وشجع على ذلك رخص تكلفة الدعاية الانتخابية عبر هذه الوسائل وتنامى القدرة على الإبداع وحرية الحركة فى استخدامها. وأثبتت تجربة الانتخابات الرئاسية الماضية أهمية التوظيف والاستغلال الجيد لهذه الوسائل الحديثة فى دعم الحملات الانتخابية بين مرشحى الرئاسة .وأثبتت تجربة الانتخابات الرئاسية المصرية السابقة أيضاً أن الاعتماد على شباب الجامعات وحديثى التخرج من الجامعات من الشباب والفتيات فى الحملات الانتخابية عنصر شديد القوة لصالح المرشحين، حيث تتسم هذه الفئات بالقدرة على الإبداع والتحديث فى وسائل الدعاية من ناحية، بالإضافة إلى السرعة فى التحرك للتجاوب مع شرائح جمهور الناخبين، وكذلك سرعة الرد والتصحيح للشائعات والأكاذيب التى تروج ضد بعض المرشحين من ناحية أخرى . كما أثبتت تجربة الانتخابات الرئاسية المصرية الماضية أهمية النظر بعين الاعتبار إلى الضوابط المهنية والأخلاقية التى تحكم إجراء استطلاعات الرأى العام، والتى عجزت عن توقع نتائج الانتخابات الرئاسية، إضافة إلى مراعاة الضوابط المهنية والأخلاقية فى النشر الإعلامى لنتائج هذه الاستطلاعات بما يوضح الجهات الممولة لهذه الاستطلاعات، وموضوعية الإجراءات المنهجية التى اعتمدت عليها، وتوقيت إجرائها، ونسبة احتمال الخطأ فى النتائج. وأظهرت أيضاً تجربة الانتخابات الرئاسية المصرية الماضية تعدد أشكال مشاركة الجمهور التطوعية من الأفراد والجماعات للانخراط فى جهود الدعاية لصالح أحد المرشحين، إلا أن عدم التنسيق الجيد بين هذه المجموعات ربما تسبب فى إلحاق الضرر بالجهود الدعائية لبعض المرشحين . ولعل أهم الدروس المستفادة من تجربة الانتخابات الرئاسية المصرية الماضية يتمثل فى ترسيخ ثقافة فريق العمل الجماعى للمشاركين فى الحملة الانتخابية لصالح أحد المرشحين، وإلا أصحبت الحملات الانتخابية جهوداً مبعثرة لا تنجح فى تحقيق أهدافها .
أستاذ الإعلام والرأى العام بجامعة القاهرة لمزيد من مقالات د . عادل عبد الغفار