الرجل الذى تولى منصب رئيس الحكومة منذ خمسة أيا م يعمل لمدة 18 ساعة يوميا ويومه يبدأ من الساعة التاسعة صباحا والعمل بالنسبة له ليس جلوسا على مكتب رئيس مجلس الوزراء الفخم ومقابلة كبار المسئولين فى الدولة ووضع ما يسمى سياسات لا يحس بها أحد لأنها فى النهاية لزوم «الشو» الإعلامى الرجل ليس من هذا الصنف أنه يقتحم المشكلات اقتحاما يثير العجب مثلما فعل المصرى البسيط فى لحظات فارقة من تاريخ مصر كعبو ر 73 مثلا. الأمر ليس مبالغة فمصر تخوض الآن حربا كبيرة وعصيبة ضد الارهاب والرجل يدرك ذلك جيدا وهو يواجه ذلك بالعمل والنزول الى الاماكن الملتهبة حتى لو كانت هذه الأماكن هى عمال غزل المحلة وعمال غزل المحلة ليس بالمشكلة الهينة فهى الشركة قلعة من قلاع صناعة الغزل والنسيج فى مصر يعمل بها 27 ألف عام وتوجد على مساحة 65 فدانا وفوق ذلك صاحبة الاضراب الشهير فى 6 أبريل عام 2008 الذى كان الشرارة الأولى لأسقاط نظام مبارك فى ثورة يناير 2011.. لكل هذه الاسباب.. كان على الرجل ان يتريث وان يحسب حسابه قبل أن يضع أقدامه فى هذا الخطر لكنه كجندى مصرى أصيل لا يؤمن بالمستحيل قرر أن يكون بينهم بنفسه . رئيس الوزراء البالغ من العمر 63 عاما والذى يتحرك بدون موكب غير سيارة واحدة للحراسة . كانت له تجربة ناجحة فى وزارة الببلاوى التى لم ينجح فيها أحد تقريبا كان يتقدم الجميع فى الأزمات حتى احس بذلك رجل الشارع العادى فكان الارتياح عند اختياره رئيسا للحكومة منذ أيام ، وفى المحلة قلعة الصناعة والثورة إلتقى رئيس الوزراء بممثلين عن عمال شركة الغزل والنسيج .. لكنه احس أن ذلك غير كاف فقال لا استطيع ان اتحدث مع مجموعة وأترك بقية العمال وخرج الى شرفة المبنى الإدارى وتحدث إلى كل العمال ولأنه يعلم ان هذه الشركة استعصت على الخصخصة ايام مبارك بعد خصخصة 167 شركة منها شركة مصر حلوان للغزل وكانت النتيجة التخلص من 17 ألف عامل بهذه الشركة وحدها والابقاء على 2000 عامل فقط ولأن الغزل والنسيج التى انشئت عام 1927 حالة مختلفة لأنها مدينة صناعية متكاملة فقد أخذ رئيس الوزراء يتحدث بكل امانة للعمال عن الحمل الثقيل الذى تنوء به مصر، فحجم الموازنة 700 مليار جنيه منها 25% للدعم والربع الآخر للأجور وربعاه لفوائد القروض ويتبقى 160 مليارا يتم إنفاقها على كل أوجه الانفاق بالدولة كالصحة والتعليم والاسكان والطرق والصرف الصحي، وأن دعم الطاقة يصل الى 130 مليار جنيه، معظمه يذهب للأغنياء وعند تقديره بالسعر العالمى يصل الرقم الى 600 مليار جنيه. الرجل الذى يعرف كيف يخاطب عماله من قلب المصنع لم يتعال عليهم بالارقام والحسابات لكنه قال لهم اننا معا «هناكلها بدقة» ونبنى مصر وانكم فى عيون مصر و«مفيش حرامية»، مضيفا ان عبد الناصر لم يمت، لكنه فى قلب كل مصري، وواصل كلمته النافذة إلى أذان وعقول العمال أمامه بأنه لا توجد خصخصة، كما أمر بصرف رواتب العاملين بالشركة وصرف دفعة جديدة من الحوافز، اضافة الى حل مشكلة وصول القطن لمصانع الغزل والنسيج، كما طلب مهلة ثلاثة أشهر لتشكيل مجالس ادارات جديدة. يعرف العمال بالتأكيد ان خسائر الشركة قاربت ال 2 مليار جنيه وان رئيس الوزراء وعدهم بضخ استثمارات لتشغيل الشركة بالكامل مع تشكيل لجنة من وزارتى التجارة والصناعة لبيع المخزون الذى يقدر ب 600 مليون جنيه قبل التلف او السرقة. زيارة رئيس الوزراء للمحلة استمرت من العاشرة صباحا حتى الخامسة مساء كانت كفيلة بأن تعيد الثقة لعمال غزل المحلة وتعيد الأمل للجميع فمصر دولة قادرة وقوية عندما يكون لديها رجال يملكون شجاعة التحرك والعمل بأخلاص، وهى تستحق ذلك بعد ان أتعبها الفساد والبطء فى اتخاذ القرار والجلوس فى المكاتب الفخمة كثيرا .