أنا الغريب في هذه السوق الكبيرة.. أمضي وأتأمل أطياف المارة.. تستوقفنى وجوه باسمة وحزينة، وأخرى حائرة شاحبة. ألتقي بالمرح وثقيل الظل، بالصادق والكاذب، بالثائر والانهزامي، بالمثقف والجاهل.. في هذه الساحة - الواسعة باتساع الكون- تستخلص العبر وتتعلم الدروس من المشهور والمجهول على السواء. هنا البضائع من كل شكل ولون.. بينها النفيس والرخيص.. فهل لديك من العلم والوعي ما يمكّنك من انتقاء الأفضل والأصيل؟! بالمعرفة وحدها تصبح قادرا على فرز الجيد من الخبيث.. ولا تصبح فريسة للمزيف أو يستهويك التقليد. حذار يا مسكين من تاجر الدين، الذي يكذب بالدين.. ولا يرهب اليوم العسير! حذار من الشخص الذي يجيد تغيير لونه ويجزئ مبادئه بإسم العقيدة والإله!.. فإن بضاعته تالفة.. مُهلّكة لا محالة في السوق الكبيرة - المليئة بالمتناقضات- الكل يقف على مسافة واحدة، جنبا إلى جنب. الضعيف ليس له مكان، والبقاء للأقوى. اختلف مع الآخر كيفما تشاء، لكن لا تترك مكانك وترحل. فالهروب دليل ضعف! واجه.. قاوم.. ارسم حدود تعاملاتك مع الناس لا تتعدها حتى لا تخسر نفسك.. ولا تجعلهم يتعدوا حدودك حتى لا تخسر كرامتك. كُن التاجر شاطرا، وابحث عن الربح.. تبادل مع الناس بشرف.. أشترِ منهم ما تفتقده وتعلم من التجارب.. وفي المقابل، بيع لهم أشياء تفيدهم، وقدّم لهم ما تعلمته دون أن تخسره بداخلك.. هنا تجني ثمار الربح العظيم. في سوق الحياة، سبحان من له الدوام!.. فيها تتجلى قدرة الخالق في تبديل الأحوال من حال إلى حال.. ذليل الأمس يصير عزيزا، وعزيز الأمس يصير ذليلا.. والمريض يشفى، والقوى يضعف.. والشاب يكبر، والشيخ يرحل.. لا يدوم فيها غير وجه الله.