كان لا يزال صبيا عندما اشتد ولعه بالرياضة. وأصبح بارعا في لعبة الجودو واقترن عشقه للجودو, برغبة عارمة في أن يصبح ضابطا بالمخابرات. وتفسر أمه السيدة فولدويا أن هذه الرغبة استحوذت عليه, عندما كان يدرس في المدرسة كان حصار القوات النازية الألمانية لمدينة ليننجراد السوفيتية. وبهرته بطولة ضباط المخابرات السوفيتية إبان الحصار. ويعترف فلاديمير بوتين بأنه بينما كان في الخامسة عشرة من عمره, طرق مقر المخابرات كي. جي. بي. وأفصح عن رغبته في التطوع في الجهاز. لكنهم نصحوه بدراسة القانون, وهو ما أقدم عليه عندما التحق بالجامعة. وذات يوم سعيد, طرق عملاء المخابرات بابه. وصار عضوا في الشرطة السرية. وشارك في القمع السوفيتي لثورة المجر عام6591 وسحق ربيع براج في تشيكوسلوفاكيا عام8691 وأبلي بلاء حسنا في الزج بالمعارضين في المنفي في صقيع سيبيريا. وهكذا صار نجما في الأقبية الأمنية والسرية. وأرسلوه في مهمة مخابراتية إلي المانياالشرقية. وسطع نجمه فقد كان يجيد اللغة الألمانية. وذات يوم عصيب ومرير ظن أن طموحاته تبددت. فقد روعه نبأ انهيار الاتحاد السوفيتي في13 ديسمبر1991 وعاد إلي موسكو يائسا ومكتئبا. وشغل وظائف هامشية عدة. وكانت روسيا آنذاك تحت رئاسة بوريس يلتسين. وكان نزقا وسكيرا. وجمحت إبان حكمه الجريمة المنظمة, وتفشت الرشوة وعم الفساد. ولما صار مسار يلتسين والعصابة التي تحكم الكرملين بزعامة ابنته محفوفا بالمخاطر. ركزت العصابة علي الخروج الآمن من السلطة والتقطوا بوتين من متاهة يأسه. وعينوه رئيسا للوزراء عام0002, علي أن يخوض انتخابات الرئاسة. وفاز وحقق لهم الخروج الآمن. واعتلي عرش الكرملين. وعقد العزم علي ألا يبرحه. وتصدي للفوضي. وحالفه الحظ عندما زادت عائدات البترول, مما أدي إلي انعاش الاقتصاد. لكن البلاد افتقدت إلي خطة للحاق بآفاق المستقبل. ولذلك تعثرت المؤسسات العلمية والثقافية. واستوطن الفساد في أجهزة الدولة. والأدهي والأمر, أن بوتين شرع في التأسيس لنظام شمولي وسلطوي جديد. أما الديمقراطية فليست سوي ذر للرماد في العيون. وهذا ما اتضح علي نحو سافر عندما انتهت مدتا رئاسته. فقد اختار أحد حلفائه لمنصب الرئيس, علي أن يتولي رئاسة الوزراء. ومن ثم يعود للرئاسة في انتخابات العام الحالي2102 ويتولي حليفه رئاسة الوزراء. وهذا هو مفهوم تداول السلطة, في أزهي عصور ديمقراطية الزمن البائس لصفوت الشريف وأحمد عز والرئيس والوريث. وقد يذكرك هذا بالرئيس رافائيل تروخيللو طاغية الدومينيكان. فقد نصب طبيبه الخاص رئيسا صوريا لفترة واحدة, بينما كان هو الرئيس الفعلي. وقد صور روائي بيرو الشهير يوسا فارجاس شخصية الطاغية في روايته عرس التيس. وفاز بجائزة نوبل للأدب عام0102 وقد مهد بوتين لعودته إلي الكرملين بتزوير الانتخابات البرلمانية, علي نحو ما فعل أحمد عز في اطار تمهيده للوريث. واندلعت المظاهرات الغاضبة ضد القيصر الجديد. وكان كل ما وعد به أن يرخي القبضة القمعية. لكن الجيل الجديد في روسيا لن تنطلي عليه وعود القيصر. وهم يدركون أن آباءهم خذلوا الثورة عندما تخلوا عن أحلامهم في الكرامة مقابل تصدي بوتين للفوضي. ويؤكدون أن النخبة الأمنية والمخابراتية تقاسمت السلطة والثروة وعاثت في البلاد فسادا. ما أشبه الليلة بالبارحة. إن روسيا اليوم تعيش أجواء ثورة1991 التي جري اختطافها.. وقد يتمكن بوتين من اعتلاء عرش الكرملين.. ولكن عاصفة الغضب واعصار الثورة التي لم تتم سوف يهزان عرشه هزا عنيفا. فلم يعد ممكنا قمع الثورة أو اختطافها. المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي