ما حظيت به خديجة أم المؤمنين رضى الله عنها من تكريم ورضوان الله ورسوله، دليل على أنها كان لها اثر كبير فى شد أزر الدعوة، وبرهان على إجلال مواقفها فى مساندة الحق. إنها كرمت زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقفت بجانبه تعينه وتقويه بكل ما استطاعت، وتؤيده بكل ما ملكت، لأنها تعرف أنه على الحق وعلى صراط مستقيم كانت مثلا حسنا، وقدوة رفيعة وطرازا رائعا، تسعد به الدنيا، وحياتها معه تفيض بالنبل وسمو العطاء وأسعد أيامها هى الأيام التى يحقق فيها خطوات أصيلة تدفع الدعوة لتنطلق قوية مستفيضة حافلة بالنور، قادرة على إشاعة الهدي، معززة كل استعانة بنهج كريم، وهدف جليل. يحمل رسالة المصطفى العظمى ويدعم الخلق، ويبث السلام والأمن والرشاد، وأعظم مواقفها هو موقفها فى تصديقه ونصرته، وبث الطمأنينة والسكينة فى قلبه وإذهاب الروع عنه، حين أخبرها ما حدث له مع جبريل عليه السلام، فقد فوجئ بجبريل أمامه فى غار حراء، يقول له: اقرأ، فأصيب بالرعب والخوف، مما سمع ورأى فقال: اقرأ باسم ربك الذى خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذى علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، ولما رجع يرجف فؤاده دخل عليها رضى الله عنها يقول: «زملونى زملوني..» فزملوه حتى ذهب عنه الروع، وعندما قال لها: «لقد خشيت على نفسي»، قالت: كلا والله ما يخزيك الله أدا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق، وانطلقت به حتى أتت ورقة بن نوفل ابن عمها، وكان شيخا كبيرا، فأخبره رسول الله خبر ما رأي، فقال له ورقة: هذا الناموس يقصد جبريل عليه السلام الذى نزل الله على موسي، يا ليتنى فيها جذعا أى شابا قويا، ليتنى أكون حيا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله: «او مخرجى هم»، قال نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودى إن يدركنى يومك، أنصرك نصرا مؤزرا، وموقف خديجة يؤكد قوة قلبها، وعدم ارتجاف ضيائها وتفكيرها وعزيمتها، حيث واجهت الأمر بهدوء وسكينة ورسوخ وبرزت فطنتها تقارن بين ما سمعت وما تعرفه وتجده من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن رسول الله لن يخزيه الله، فهو معتصم بمكارم الأخلاق، يصل أقاربه ويغدق عليهم من خيره وبره واحسانه، ويغمر الآخرين بنبله وجوده، ويزيد عطفه على الضعفاء واليتامى والضارعين والمحتاجين، اما المعدمون فيكسبون منه الفضل والعفو والنفائيس والفوائد والمحاسن، وهو عون على نوائب الحق، يعول على كرم شمائله وسعة منحه وكثرة فضله وعظمة تميزه فى مجال التواد والتعاطف والتضامن، إن العيش مع النبى صلى الله عليه وسلم قد اكد بما لايدع مجالا للشك خلقه الكريم، وما يقوله الناس عنه من رعاية العناية الإلهية له قبل نزول الوحى يثبت انه يمتاز عن غيره بفضائل انسانية عديدة لاتوجد عند سواه ومثل هذا الانسان الذى يزدان بالفضائل والمحاسن لابد أن يحقق الفوز والفلاح، انها تطمئن إلى أنه لن يصيبه خطر أو شر أو مكروه وتؤمن بأنه جدير بالحفظ والصون والرعاية خليق بالرسالة، وما قاله ابن عمها ورقة يبعث الأمل ويزيد الثقة فى الأمن والفرج واليسر والانطلاق.. ولاريب فى ان أم المؤمنين قامت بدور مهم فى حياة الرسول بما تحمله من أخلاق عالية، وتقدير لما تتطلبه رسالته من جهد ومشقة وصبر وتضحية فكانت بحق زوجة صالحة أبلت بلاء حسنا فى تربية أولادها بكفاءة ومقدرة سامية، واستحقت بذلك تكريم النبى ووفاءه لها، وقد بشرها فى حياتها ببيت فى الجنة وأبلغها سلام الله وسلام جبريل، فعن أبى هريرية قال: أتى جبريل النبى صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها عز وجل ومنى وبشرها ببيت فى الجنة من قصب (يعنى من لؤلؤ أو ذهب) لاصخب فيه ولا نصب، وتذكر عائشة وفاء النبى لخديجة بعد وفاتها وتكريمه لاختها وأقاربها ومعارفها وصديقاتها فى حفاوة بالغة وتقدير كبير. وليت نساء المؤمنين يقتدين بخديجة فى مساندة أزواجهن ومساعدتهم فى شتى أمور تربية الأولاد والتمسك بالأخلاق والفضائل وبغض الإرهاب والعنف، وإيثار الحكمة والموعظة الحسنة ونصرة الحق.