أحسن فضيلة الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر صنعا عندما أصدر ما من شأنه إعادة الأمور إلى نصابها ، ردا على قيام أحد أساتذة الفقه بامتداح عدد من المسئولين مستخدما عبارات دينية، فهم منها أن بها بعض التشبيه لهم بالرسل الكرام . فى ذات المنحى، صدر آنفا عن دار الإفتاء ما يضبط اجتهاد ذهب اليه أحد الشيوخ بجواز تطليق الزوج لزوجته الإخوانية..، وإن كان صاحب الفتوى قد استدرك بعدها موضحا بأنه كان يقصد فقط » الإخوانية » التى تلجأ الى الإسهام فى عمليات العنف عبر تجهيز المولوتوف وخلافه. تطرح تلك الرؤى والاجتهادات سواء التى بالغت بالمدح إلى حد لا يليق، أو القدح بدرجة لا تخلو من تعسف واضح، إشكالية رئيسية ألا وهى ما هى حدود تدخل رجل الدين بصفته الدينية فى الشأن السياسى؟ ففى عصر الاخوان المقيت، الذى لم يستمر إلا عاما واحدا، تداخل الخطاب الدينى مع الحديث السياسى بشكل غير مسبوق، حتى أنه صدرت تشبيهات حاشا لله شبهت مسلك الرئيس السابق مرسى بالرسول (#)، أو تم وصفه بأنه الحكيم لقمان أو أمير المؤمنين .. الخ.، بل وصدرت فتاوى أخرى تحرم الخروج عليه فى ثورة 30 يونيو وغيرها، رغم أن أى صاحب بصيرة كان يرى أن الرجل ونظامه غير قادرين على إدارة أمور البلاد بل ويدفعان بها بكل بقوة إلى هوة ما لها من قرار. أزيح نظام الاخوان ومازالت تلقى بظلال من القتامة حول رشد الخطاب الدينى وفحواه فى مجتمع بسيط يعانى ثلث سكانه من أمية خانقة، فضلا عن انخفاض مستوى التعليم بصفة عامة. وبداهة من حق أى إنسان أن يدلى برأيه مدحا أو ذما فى أى شخصية سياسية أو موقف عام. ومادام »رجل الدين« هو إنسان فمن حقه ذلك أيضا ... بيد أنه ليس من حقه على الإطلاق لا من قريب أو بعيد أن يستخدم صفته أو علمه الدينى فى سبيل التدليل على رأيه السياسى أو الفكري.. إذ إن هنا يكمن الخطر الكبير والحقيقة أن حتمية تلافى مزج الدين بالسياسة لا يعنى انتقاصا من قدر الدين أو أهميته بالحياة بل إن الغاية المثلى هو النأى بالدين المقدس والمنزه عن الغرض والهوى وألاعيب السياسة ومناوراتها ومواءماتها ... فتجارب تاريخ الدولة الإسلامية فيما خلا عهد الرسول (#)، جاءت مليئة بالأدلة والبراهين التى تدفعنا دفعا إلى تجنب اقحام الدين فى أى غايات سياسية... ويبدو أن السبب فى أن أغلبنا لا يعى تلك الحقيقة مرده أننا لم ندرس فى كتبنا الدراسية او نتعلم فى مساجدنا بشكل واف أحداث الفتنة الكبرى فى التاريخ الاسلامى والذى راح ضحيتها الآلاف ومنهم عشرات من أل البيت. والخلاصة فإن صالح الدين والدنيا تكمن فى أن نبعد ما هو مقدس وثابت وسماوي(الدين) عما هو دنيوى وشخصى (السياسة)... ولنعصم الدين من سعينا المحموم وراء الدنيا .. ويقينا فأن هذا لا يعنى يستوجب تهميش دوره فى حياة الانسان أو المجتمع . لمزيد من مقالات ◀ محمد مصطفى عرفى