يبدو أن إنهيار صناعة الكاسيت في السنوات الأخيرة, وتقلص عدد الحفلات والمهرجانات الغنائية في2011, دفع عددا كبيرا من المطربين خاصة العرب إلي' تقليب عيشهم'! وإحتراف مهنة جديدة عليهم, هذه المهنة هي تقديم البرامج, حيث لاحظنا خلال الفترة الماضية اختراقا قويا من الفنانين خاصة المطربين للمجال الاعلامي, وسطوا علي معظم القنوات التلفزيونية, ليصبح تبادل الكراسي بين النجم والمذيع هو السمة السائدة, فقد أفردت كثير من القنوات الفضائية مساحات واسعة للمطربات تحديدا, لكي يبدعن من خلال برامجهن, وقد أصبحت ظاهرة تحول المطربات الي مذيعات من الظواهر التي يجب أن ينظر اليها بعين الاعتبار لتأثيراتها الواضحة في الاعلام كمهنة,من هؤلاء المطربات أصالة التي تقدم برنامج'صولو',ولطيفة' يلا نغني',ورولا سعد' رولا شو',وأحلام وراغب علامة' عرب أيدول',ومايا دياب' هيك منغني', ومني عبدالغني في' الستات مايعرفوش يكدبوا',بعضهن كن وجودهن باهتا,ولم يحققن أي نجاح يذكر في تجربة التقديم,والبعض الآخر كن جديرات بهذه الطلة, وقدمن أنفسهن بشكل مختلف, مما جعلنا نتساءل: هل بدأ الفنانون بسحب البساط من تحت أقدام الاعلاميين, أم بات المنتجون يبحثون فقط عن الجمال والشهرة بغض النظر عن وجود الاعلامي المثقف؟ وما مدي تقبل المذيعين لهذه الظاهرة؟أسئلة كثيرة حولنا الإجابة عليها في سطور هذا التحقيق. في البداية يقول الإعلامي الكبير طارق حبيب صاحب أنجح البرامج التليفزيونية: لم يقتصر تقديم البرامج علي المطربين فقط فقد سبقهم الفنانين والرياضيون والصحافيون, وهذا إن دل علي شيئ فيدل علي أن الإعلاميين الأصلييين أصحاب الخبرة والعلم والثقافة تركوا الساحة لسبب مجهول وغير مسئولين عنه,ويجب أن تسأل عليه أصحاب القنوات الفضائية الذين يبحثون عن الإعلانات, وهذه الإعلانات تأتي لنجوم الغناء والفن أسهل وأكثر من أن تأتي للإعلامي العادي, وبالتالي أصبحت الفضائيات ملعبا لكل من هب ودب,وحدث فيها إنفلات إعلامي أرفضه بشدة,لهذا أرجو أن تكون هذه الظاهرة مجرد موضة أو طفرة وتعود المياه إلي مجاريها الطبيعية, وأعتقد أن سبب اتجاه نجوم الغناء تحديدا إلي التقديم يرجع إلي أن الفضائيات تساعد أكثر إنتشارا من الألبومات الغنائية. شو مطلوب وتؤكد الإعلامية المتميزة شافكي المنيري إنها ليست ضد هذه الظاهرة فقد حققت بعض المطربات نجاحا لافتا مثل مايا دياب في برنامج' هيك منغني',ورولا سعد في' رولا شو',لكن يجب أن نفرق بين المذيعة والمطربة, فالمذيعة المتخصصة لابد أن تقدم معلومة أوقضية من خلال برنامجها لأن الجمهور ينتظر منها هذا كما حدث معي عندما قدمت برنامج' القصر' مثلا حيث كنت حريصة علي مناقشة قضية أو تقديم معلومة جديدة عن الفنان الذي أستضيفه,لهذا كنا نحرص علي إستضافة كبار النجوم الذين لهم تاريخ فني حافل بالنجاحات أو الإخفاقات,أما المطربة فالجمهور لا ينتظر منها معلومة أو مناقشة قضية مهمة ولكن ينتظر منها ومن ضيفها زميلها أو زميلاتها 'شو' في البرنامج,وهذا في حد ذاته شئ جميل, لأنه مطلوب أن تكون الشاشة بها العديد من البرامج, وعلي الجمهور أن يختار البرنامج الذي يحب أو يريد أن يتابعه,وهذا الشكل من البرامج موجود علي مستوي العالم كله,لكن هذا ليس معناه أن أي ممثل أو مطرب ناجح لابد أن يكون بالتبعية مذيعا ناجحا, فالخلفية الثقافية التي يتمتع بها المذيع وطريقة التقديم تختلفان كثيرا عن الفنان,لكن هذا لا يمنع من وجود برامج لم يكن يصلح لها إلا مطرب أو ملحن كما حدث في برامج الموسيقار الكبير عمار الشريعي التي قدمها, فقد كانت ناجحة جدا,لإنه استطاع من خلال مهنته الأصلية وهي التلحين أن يستخرج من ضيوفه المطربين معلومات وفقرات جديدة ومختلفة بالنسبة للجمهور, وكذلك الموسيقار إحسان المنذر في برنامج' دندنة' علي قناةMBC. الشهرة وحدها ليست كافية وترجع الناقدة الفنية ماجدة موريس هذه الظاهرة إلي تدهور حال الغناء في السنوات الأخيرة وقلة عدد الحفلات والمهرجانات الغنائية,مما جعل بعض المطربين يفعل أي شيئ ليظل في دائرة الضوء,لأن الاعتياد علي الشهرة شئ قاتل!لكن يجب الأخذ في الإعتبار أنه ليس كل شخص مشهور يصلح لتقديم البرامج,ويكون مذيعا ناجحا, فمهنة الإعلام مهنة لها ملامحها ومفراداتها التي لابد أن تكون موجودة في الفنان الذي يتصدي لها, فالشهرة وحدها ليست كافية لتكون مقدم برامج ناجحا, وأعتقد أنه يوجد أكثر من سبب يجعل الفنان يحترف مهنة ليست مهنته, أولا بحث الفنان عن التواجد بعدما اختفي من الساحة, إما لأسباب إنتاجية أو لأسباب أخري, والثاني هو البحث عن المال الإضافي الذي تغدقه القنوات الفضائية حاليا علي الفنانين, والأخير هو أن تكون لدي هذا الفنان الموهبة التي تدفعه لخوض هذه التجربة. موضة مصيرها للزوال وتؤكد الدكتورة سهام نصار رئيس قسم الإعلام جامعة حلوان أن هذه الظاهرة أو بمعني أدق الموضة ستنتهي ومصيرها إلي زوال, خاصة مع التغييرات السياسية التي أحدثتها ثورة25 يناير,وهذه الموضة ليست وليدة اللحظة بل إنها كانت موجودة منذ فترة, ولكن ما كان يميزها أنها لم تكن بهذا الكم من الانتشار, فكان من الممكن أن يتواجد الفنان خلال شهر رمضان في برنامج يستضيف فيه عددا من زملائه الفنانين, أما الآن فالظاهرة أصبحت ملفتة للنظر بشكل كبير, والسبب الأساسي فيها هي أموال الفضائيات,وزيادة عددها فكل قناة فضائية وليدة تحاول بشتي الطرق جذب الجمهور والمعلنين إليها من خلال نجوم محبوبين, بغض النظر عن مدي صلاحية هؤلاء النجوم للتقديم من خلال الثقافة أو الخبرة أو الإعداد الإكاديمي,لهذا ليس غريبا أن تسمع أشياء كثيرة ومفردات لا يصح أن تقال, وما يحدث اليوم خلط للأوراق من دون مراعاة للمشاهد الذي يرغب في رؤية برنامج قوي المضمون, فالفنان نشاهده طوال العام من خلال أعماله الغنائية والدرامية والسينمائية الناجحة,ويكفي عليه هذا.