سؤال بسيط سيظل يطاردنا ويؤرقنا, وسيدفعنا دوما إلي اللف في دوائر مغلقة, سؤال سيظل علي الأرجح بلا إجابة شافية, من الضحية ومن الجاني الفعلي وراء تفجيرات11 سبتمبر؟ ومن المنتصر الحقيقي من وراء هذه التفجيرات؟ بعد ثلاثة أيام فقط من هجمات11 سبتمبر, اقر مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأمريكي, منح الرئيس الأمريكي وقتها, تفويض باستخدام كل ما يراه من قوة ضرورية وملائمة ضد المسئولين عن الهجمات الإرهابية ومنع أي إعمال إرهاب دولي مستقبلي ضد الولاياتالمتحدة, وهو الترخيص الحق في القتل أو رسميا ما أطلق عليه التفويض باستخدام القوة العسكريةAUMFس, أعضاء الكونجرس الأمريكي في تحديد معني هذا التفويض, أو تحديثه, أو حتي إلغائه, وفقا لهذا التفويض فان من حق الولاياتالمتحدة شن أي هجوم عسكري علي أية دولة متي ارتأت هذا, وأنها في حالة استعداد ابدي للحرب. يكتب ميكا زينكو, زميل مركز دوغلاس ديلون للعمل الوقائي التابع لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية, في مقال له بالعدد الأخيرة من مجلة فورن افيرز, انه منذ منح هذا الترخيص المفتوح باستخدام القوة العسكرية في أعقاب9/11, أصبح هناك توسع غير مسبوق في الصلاحيات العسكرية الممنوحة للرئيس الأمريكي, إضافة إلي توسع فضفاف في مصطلح استخدام القوة العسكرية ليشمل عمليات سرية شبه عسكرية, تعتمد علي القدرات التكنولوجية أكثر منها علي القدرات البشرية, وتتراوح ما بين قتل الأهداف, إلي تفجير الصراعات الداخلية في الدول المستهدفة, إلي تعطيل شبكات الكمبيوتر الخاصة بدول أجنبية, إضافة إلي القيام بهجمات عسكرية غير مسبوقة, تتحدي بشكل سافر القانون الدولي كل هذا دون أن تفقد الولاياتالمتحدة جنديا واحدا من جنودها, ويستشهد زينكو علي سبيل المثال, بالتوسع المثير للجدل الذي استخدمه الرئيس الأمريكي باراك اوباما في استخدام هجمات الطائرات بدون طيار, حيث يكتب انه يوم9/11 كان لدي الولاياتالمتحدة167 طائرة بدون طيار في ترسانتها الجوية, لكن اعتبارا من ديسمبر2013 فقد قدرت وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية بان لديها نحو11 ألف طائرة بدون طيار, منها نحو400 بقدرات تكنولوجية فائقة, يتم التحكم بها عبر الأقمار الصناعية من غرف تحكم في الولاياتالمتحدة, وانه من المخطط له خلال ثلاث أو أربع سنوات لن تكون هناك حاجة إلي إطلاقها من القواعد العسكرية المضيفة حول العالم, ووفقا إلي زينكو فان العمليات السرية التي تقوم بها هذه الطائرات, والتي أسفرت حتي الآن عن مقتل3.600 شخص, تتم فعليا بلا ادني محاسبة من قبل الكونجرس الأمريكي. أما توم انجلهارد, الباحث الأمريكي الشهير ومؤسس ومدير مركز أبحاث معهد ناشن, فانه يستعرض في مقال له نشر مؤخرا في مجلة ناشين, ما اسماه بالحروب السرية التي تشنها إدارة اوباما حاليا في نحو134 دولة حول العالم, وهو يؤكد انه منذ11 سبتمبر, توسع عمل قوات العمليات الخاصة الأمريكية بشكل هائل لا يمكن للمواطن الأمريكي تصوره, وان هذه القوات تعمل حاليا في نحو70 في المائة من دول العالم, في إطار حروب سرية تشنها الولاياتالمتحدة علي هذه الدول من أمريكا اللاتينية إلي أفغانستان. في الأيام الأخيرة من عهد الرئيس الأمريكي السابق, جورج دبليو بوش, نشرت الواشنطن بوست أن قوات العمليات الخاصة الأمريكية كانت منتشرة في نحو60 دولة حول العالم, ومع حلول عام2010, كان هذا العدد قد تضخم إلي75 دولة, ثم في2011 أعلن تيم ناي المتحدث باسم قيادة العمليات الخاصة, أن عدد الدول ربما يكون قد وصل إلي120 دولة. تأسست قوات العمليات الخاصة سوكوم رسميا عام1987, بعد فشل القوات الأمريكية في إنقاذ الرهائن الأمريكية في إيران, ومنذ ذلك الوقت نمت قدراتها بشكل مطرد, خاصة في أعقاب9/11, فوفقا لبعض التقديرات فان قوات النخبة هذه تضم حاليا72 ألف جندي, مقارنة ب33 ألف جندي عام2001, وقد قفز أيضا تمويلها من2.3 مليار دولار عام2001 ليصل إلي نحو10.4 مليار دولار حاليا. وتتكون قوات النخبة سوكوم من ما يمكن تسميتهم بأفضل الجنود من جميع وحدات الجيش وهي المسئولة عن تنفيذ العمليات العسكرية الأكثر سرية, بما في ذلك الاغتيالات, والغارات وعمليات مكافحة الإرهاب, والاستطلاعات الخاصة, والحرب غير التقليدية, والعمليات النفسية وتدريب القوات الأجنبية, وعمليات مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل. من ضمن الجهات التي تعمل مع سوكوم علي سبيل المثال الوكالة الأمريكية للتنمية الدوليةAID وهي الوكالة التي توفر المساعدات الخارجية المدنية إلي عدد هائل من البلدان, والتي من بين واجباتها حماية حقوق الإنسان, ومنع نشوب الصراعات المسلحة وتوفير المساعدات الإنسانية وتعزيز صورة ما يسمي, بحسن النوايا الأمريكية في الخارج, ويذكر انه في مؤتمر عقد في شهر يوليو2013, أوضحت بيث كول, مديرة مكتب التعاون المدني والعسكري للمعونة الأمريكية, أن وكالتها تعمل بالتعاون مع قوات سوكوم. أيضا تدخلت عمليات القوات الخاصة في مجال حروب الفضاء الالكتروني من خلال إنشاء العشرات من المواقع الإخبارية الإقليمية, التي تبث أنباء تبدو وكأنها قادمة من جهات شرعية, لكنها في الواقع تعمل وفق مخططات الحرب النفسية, وهي ما يطلق عليها انجلهارد, المواقع الشبحية, منها موقع المغاربية وإخبار جنوب آسيا التي تستهدف شمال إفريقيا, وموقع الشرفة الموجه لمنطقة الشرق الأوسط, بالإضافة إلي مواقع أخري لم يتم الكشف عنها تقوم القوات الخاصة بتشغيلها وتمويلها تسير وفق أجندات غامضة برعاية الجيش الأمريكي. ووفقا لتصريح من الميجور ماثيو روبرت بوكهولت المسئول عن الشؤون العامة لقيادة العمليات الخاصة سوكوم, فقد تم نشر قوات النخبة الأمريكية التابعة لسوكوم إلي134 بلدا في جميع أنحاء العالم, إي أن إدارة اوباما قد رفعت من نشر هذه القوات بنسبة123 بالمائة منذ أحداث11 سبتمبر, وللتوضيح فان عمل هذه القوات هو بالإضافة إلي الحروب التقليدية المعلنة وهجمات الطائرات بدون طيار التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية, وعمليات التجسس الالكتروني واسع النطاق, باختصار يبدو أن الولاياتالمتحدة قد قررت سرا احتلال العالم عسكريا, أو أنها تعتبره ارض فضاء من حقها أن تستغله كيفما شاءت وان تضع أقدام جنودها في كل شبر فيه. وهنا ربما يجب أن نذكر كيف اعتمد اوباما أثناء حملته الانتخابية في عام2008, علي فكرة انه المرشح المناهض للحرب, والذي كثيرا ما قال خطبا طنانة حول أخطاء جورج بوش في العراقوأفغانستان, ركز علي الأزمات الاقتصادية التي تسبب بها ميل صقور المحافظين الجدد لسفك الدماء, ولكن يبدو انه وبمجرد توليه المنصب وكما يصفه المحلل نيك تيرس في مقال لمجلة ناشن, قد أصبح شيخ الصقور شريطة أن تكون الحروب بعيدا عن المحاسبة الرسمية من قبل الكونجرس, ففي الوقت الذي أشرفت فيه إدارة اوباما علي سحب القوات الأمريكية علي المستوي المعلن من العراق, كثفت قوات النخبة من عملها السري هناك. وفقا لتحليل انجلهارد, لقد وسع اوباما من استخدام هجمات الطائرات بدون طيار من15 هجمة تمت في عهد بوش إلي330 تمت تحت إشراف اوباما في العام الماضي فقط, اغلبها كان في افغانستان وليبيا وباكستان والصومال واليمن والسودان. وفقا لعدد من المحللين فان المحصلة النهائية من هذه العمليات السرية أو حروب الظل كما يحلو لبعض المحللين تسميتها, هي اشتعال مناطق بالكامل في صراعات طائفية عرقية ودفع دول نحو حافة الهاوية, وارتفاع معدلات الاقتتال الأهلي وانتشار القاعدة والجماعات التابعة لها بشكل غير منطقي وغير مفهوم في معظم الدول التي أعلن فيها قوات النخبة أنها قد أنجزت المهمة, يبدو الوضع حاليا وكأن تنظيم القاعدة هو من يحكم فعليا معظم المناطق الحدودية في الشرق الأوسط, وانه بالاشتراك مع سوكوم قد رفع أعلامه علي الكثير من المناطق. وفقا للعقيد المتقاعد بالجيش الأمريكي اندرو باسيفيتش, أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية حاليا بجامعة بوسطن, فان انتشار قوات العمليات الخاصة خلال سنوات حكم اوباما تعمد أن يقلل كثيرا من شأن المساءلة العسكرية, وأنها عملت وفق فكرة الرئاسة الإمبراطورية ومهدت الطريق لحروب بلا نهاية, باختصار لقد قطع اوباما بنشره لقوات سوكوم بهذه الكثافة إلي قطع الصلة تماما ما بين الحرب والسياسية, بحيث أصبحت الحرب هي هدفا في حد ذاته, وستكون النتائج وخيمة وكارثية وغير متوقعة تماما لواشنطن, بعد أن قررت أن يكون حليفها الأول هو الإرهابيين, من جنوب غرب آسيا إلي المغرب العربي والشرق الأوسط ووسط إفريقيا.