بعد أن تضخم حجمها ليقترب من400 مليار جنيه, وتفرق دمها بين الوزارات, وإن كان الدستور والقانون يحفظها, فإن وضعها المعقد أصبح كابوسا ليس فقط لقرابة31 مليون مواطن مستفيد, وإنما أيضا للحكومة. فأموال التأمينات التي فجرها مرة أخري قرار رئيس مجلس الوزراء بتشكيل لجنة لحصرها وكيفية استثمارها, بالإضافة إلي تعالي الأصوات مرة أخري, الداعية إلي مبادلة هذه الأموال لدي الحكومة بأصول وشركات ناجحة تدر عائدا مستمرا ومضمونا يصل بالعلاوة لأكثر من20% دون أن يحمل الدولة أعباء إضافية. مشكلات النظام في البداية يجب تأكيد أن نظام التأمينات الاجتماعية في مصر من أقدم النظم التأمينية في العالم. ورغم ذلك, فإن النظام التأميني في مصر يعاني عدة مشكلات ذكرها الخبراء, منها: التهرب التأميني, وانخفاض قيمة المعاشات المنصرفة للشريحة العظمي للمشتركين, مثال ذلك معاش التأمين الاجتماعي الشامل الذي يصل إلي80 جنيها شهريا, مقابل اشتراك شهري يتحمله المؤمن عليه مقداره جنيه واحد, وأيضا فإن المعاش المستحق للعاملين لدي الغير يصل إلي40 جنيها يكون مقابل اشتراك شهري نحو عشرين جنيها, وهذا ما انعكس علي الأوضاع المالية للصندوقين, إذ يلاحظ تزايد الاعتماد علي عائد الاستثمارات المالية الخاصة لدي بنك الاستثمار, وتناقص الاعتماد علي الاشتراكات المحصلة من المستفيدين بسبب انخفاض الاشتراكات عن مبالغ المعاشات والتعويضات بصورة حادة خلال السنوات الماضية. بنك الاستثمار ولكن ما علاقة بنك الاستثمار القومي بأموال التأمينات؟ استخدام فائض أموال التأمينات تطور خلال الخمسين عاما الماضية, بدءا من إنشاء صندوق مستقل عن الخزانة العامة يتولي استثمار هذه الأموال حتي صدر القانون رقم199 لسنة1980 الخاص بإنشاء بنك الاستثمار القومي, الذي آل إليه رصيد هذا الصندوق والبالغ3848 مليون جنيه في ذلك الوقت, والبنك يقوم بتمويل جميع المشروعات المدرجة في الخطة العامة للدولة, وبهذا أسهم البنك في تحسين البنية الأساسية والمادية, وتوفير البيئة المناسبة لانطلاق العملية الإنتاجية من طرق وكباري وصرف صحي, فضلا عن تمويل مشروعات خدمية وإنتاجية, وتوفير القروض الميسرة لمشروعات استصلاح الأراضي والإسكان الاقتصادي.. إلخ. الخلل ما الأسباب وراء الخلل في استثمار بنك الاستثمار أموال التأمينات؟ يقول عبدالفتاح الجبالي: إن المشكلة تكمن في أن المشروعات التي يقوم بنك الاستثمار بتمويلها, إما أنها لا تدر عائدا ماليا يتناسب مع المنفق عليها, أو أنها لا تدر عائدا ماليا علي الإطلاق, رغم أهميتها الاقتصادية والاجتماعية, مما يزيد من تكلفة القروض التي يتحملها, والتي يحملها بدوره إلي الخزانة العامة. ومن هنا والكلام للجبالي كان من الضروري أن يضطلع البنك بدورهه الاستثماري, ولكن بطريقة اقتصادية تضمن له الحصول علي عائد مربح وتمكنه من سداد الديون المستحقة عليه لهذه الأوعية الادخارية. ولكن هل أموال التأمينات محفوظة؟ يقول البدري فرغلي, رئيس اتحاد أصحاب المعاشات, إن أموال التأمينات تحولت من أموال إلي أوراق, وما هو موجود منها لدي الخزانة العامة وبنك الاستثمار القومي حزمة أوراق والأوراق لا تستثمر, كما أن جميع الأرقام التي تصدر عن الحكومة الحالية والحكومات السابقة حول حجم هذه الأموال غير حقيقي, وضرب مثالا بأن هناك225 مليار جنيه من أموال التأمينات عبارة عن صكوك غير قابلة للتداول تشبه صكوك الريان بفائدة8%, أي نصف الفائدة السائدة حاليا في السوق, بالإضافة إلي نحو165 مليار جنيه لدي الخزانة العامة استولت عليها الحكومات السابقة وأنشأت بها مشروعات بنية أساسية ومواني لشركات أجنبية دون فوائد, بالإضافة إلي86 مليارا لدي بنك الاستثمار بفوائد ورقية, وأيضا19 مليارا لدي التليفزيون بعائد18% في مدينة الإنتاج الإعلامي التي تدر عائدا ضخما يذهب لكبار رجال المدينة ووزارة الإعلام. ويذهب فرغلي إلي أن الحجم الحقيقي لأموال التأمينات يصل إلي أكثر من600 مليار جنيه. في الاتجاه نفسه يري الدكتور حمدي عبدالعظيم, عميد أكاديمية السادات للعلوم الإدارية الأسبق, أنه وفقا لدراسة أشرف عليها عام2000 خلصت إلي أن هناك فرصة ضائعة علي أصحاب المعاشات نتيجة استيلاء بنك الاستثمار القومي علي هذه منذ عام1980 حتي عام2000 قدرت بعشرات المليارات. علي الجانب الآخر يري عبدالفتاح الجبالي الخبير الاقتصادي أن أموال التأمينات لدي بنك الاستثمار قرض مضمون بحكم القانون والدستور, وأن سعر الفائدة الذي تم احتسابه لهذه الاموال مناسبا تماما خاصة أن الفائدة علي أموال التأمينات تزايدت من7% عام1987 في حين كانت11% علي الودائع بالبنوك ثم وصلتا في بنك الاستثمار الي13% عام1993 في حين هبطت في البنوك إلي10%. والاخطر أن ما تم استثماره بعيدا عن بنك الاستثمار لم يحقق العائد المرجو منه.. وأمام ضخامة هذه الاموال غالبا ماتتدخل الحكومات في إدارتها بغية تحقيق أفضل عائد ممكن يضمن لها الفاعلية والحفاظ علي قيمتها. لجنة فك الاشتباك هذا وقد أصدر رئيس مجلس الوزراء منتصف الشهر الماضي قرارا بتشكيل لجنة من وزارات المالية والتضامن والتخطيط بغرض وضع تصور مبدئي لإنهاء مديونيات هيئة التأمينات ووزارة المالية وبنك الاستثمار القومي ووضع خطة لفك الاشتباك المالي بين تلك القطاعات وتتكون اللجنة من11 عضوا منهم6 مالية و3 تضامن وعضو عن وزارة التخطيط وآخر لبنك الاستثمار القومي. والسؤال هنا: هل استبدال أموال التأمينات بشركات وأصول حكومية يضمن تحقيق أفضل عائد؟ يذكر أن صاحب هذا الاقتراح هو عبدالفتاح الجبالي عام2000 عندما كان يشغل منصب مستشار وزير المالية في ذلك الوقت وقد لاقي هذا الاقتراح استحسان وتشجيع الدكتور مدحت حسنين وزير المالية في ذلك الوقت وعرض علي وزارة التأمينات التي رفضت هذا المشروع بحجة عدم وجود إدارة لديهم لتدير محفظة هذه الاصول والثاني انه قد اشيع اننا سنعطيهم الشركات الخاسرة ولكن كان رد المالية علي هذه التخوفات ان هذه المحفظة لا تحتاج إلي ادارة ولكن تحتاج الي تمثيل للوزارة بمجالس ادارة هذه الشركات ك مالك لها وأيضا اننا عرضنا عليهم الشركات الرابحة مثل الشرقية للدخان ومصر للطيران وبنك الاسكندرية ثم تقدم كل من الدكتور أيمن نور والبدري فرغلي باستجوابات في مجلس الشعب لاستنكار الفكرة وكان رد الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق في ذلك الوقت ان هذه الفكرة غير موجودة علي الاطلاق. وأضاف الدكتور حمدي عبدالعظيم أن هذه الفكرة يمكن تطبيقها حاليا ولكن بشرط أن يتم في اطار لجنة مستقلة تقوم بتقييم أصول الشركات المعروضة ويكون هناك تنويع في انشطتها بداية بالمطاحن والبترول والكهرباء والاتصالات سواء كان الهدف استبدالها بالكامل او بحصة في هذه الشركات ويكون الهدف من امتلاك جزء من أسهم هذه الشركات ليس المضاربة في البورصة ولكن زيادة اموال التأمينات وارباحها وبالتالي زيادة العلاوة الاجتماعية لارقام تفوق بكثير معدلات التضخم دون ان تحمل الموازنة العامة للدولة اي تكاليف ايضا فيه. عارض الدكتور محسن خضير الخبير والاقتصادي مبادلة الاصول بديون التأمينات قائلا: إن أفضل الاستثمارات هي التي تعطي العائد الثابت وأن أعلي الاستثمارات هي التي تتسم بالاستمرارية وأن الدولة هي التي تستطيع تحقيق هذه الاهداف ولكننا لسنا في حاجة إلي تغطية او مبادلة أموال التأمينات باصول بعضها مشكوك في قيمته ولكننا في حاجة إلي استثمارات متنوعة ومتعددة وقادرة علي امتصاص مشاكل البطالة ومشروعات قومية ضخمة تعطي عائدا اقتصاديا كبيرا ومضمونا مستمرا. أما البدري فرغلي الذي عارض الفكرة منذ13 عاما يقول إنه لامانع من مبادلة أموال التأمينات باصول حقيقية رابحة يتم تقييمها من قبل متخصصين مستقلين خبراء مشهود لهم بالنزاهة والكفاءة سواء من اساتذة الجامعات او الخبراء وتدر عائدا يغطي آمال ومتطلبات22 مليون مواطن يعملون في القطاعين العام والخاص بالاضافة الي9 ملايين مواطن من أصحاب المعاشات. طالب فرغلي بان تقوم مؤسسة مثل الأهرام بتبني حوار مجتمعي تدعو إليه الخبراء والمتخصصين الشرفاء لمناقشة أفضل السبل لادارة أموال التأمينات.