تفاؤل شديد ساد الوسط المسرحي بعد تمثيل مسرحية حلم بلاستيك لمصر في مهرجان الشارقة الذي انتهت فعالياته قبل اربعة ايام, ولعل سر هذا التفاؤل يرجع إلي النافذة التي فتحها فتوح احمد رئيس البيت الفني للمسرح ليطل منها أبطال الفرق المستقلة علي جمهور مسارح الدولة, خاصة من تميزوا بنضارة وحيوية الشباب فكرا وفنا وأداء تمثيليا, وهو ما منح الكثيرين الأمل في تبني عروضهم مثلما حدث مع حلم بلاستيك.. أتحدث هنا عن عرض1980 وانت طالع الذي عرض موخرا علي مسرح ثقافة الطفل بجاردن سيتي لأيام معدودات, بجهود ذاتية لمخرجه محمد جبر, رغم فوز عمله بجائزة أفضل عرض في المهرجان القومي للمسرح, بالإضافة لجائزة أفضل مخرج صاعد وأيضا جائزة أفضل نص للمؤلف الشاب محمود جمال والذي حصل بدوره علي جائزة الدولة التشجيعية في الإبداع الفني والمواطنة نهاية..2013 البديع في تلك العروض أنها ولدت في رحم مسارح الجامعات التي مازال بها بصيص من الأمل بعد انهيار المسرح المدرسي, فمثلما بدأ عرض حلم بلاستيك علي مسرح كلية الفنون الجميلة بحكم دراسة أبطاله بها, حصل أبطال1980 وانت طالع علي جائزة المسرح الجامعي فهم أبناء كلية التجارة جامعة عين شمس, ورغم امكاناتهم المادية المتواضعة للغاية فإنهم استطاعوا اختراق عالم الاحتراف وانتزاع الجوائز ايضا, والحقيقة أن الإخراج سريع الإيقاع لعدد من اللوحات الدرامية التي تتناول سلبيات المجتمع بأسلوب ساخر وترتبط في مجملها بتيمة أو فكرة واحدة, كان قد ظهر في ثمانينيات القرن العشرين من خلال اعمال عصام السيد مثل درب عسكر وعجبي والتي قدمت قصة حياة صلاح جاهين بشكل غير تقليدي معتمدا علي مشاهد منفصلة متصلة في ذات الوقت بخيط درامي يروي تطور جاهين الرسام والشاعر المرتبط بتطور الحركة السياسية في مصر, ثم فاجأ المخرج خالد جلال المجتمع عام2009 بمسرحية قهوة سادة التي رثي من خلالها الوطن وسلبياته بمجموعة من المواهب التمثيلية تقف علي المسرح لأول مرة, وهي مسرحية كانت سببا في جذب انظار المخرجين الجدد لاقتفاء أثرها سواء من تلاميذ عصام السيد وخالد جلال في مركز الإبداع أو ممن اكتشفوا مدي تأثير تلك التجربة علي الشارع المصري بل والوطن العربي بأكمله, بسبب سرعة إيقاعه وسخريته اللاذعة, وإن كانت هذه المدرسة الإخراجية تحتاج مخرجا شديد الذكاء والحنكة بحيث يظل محتفظا حتي النهاية بعقول الجمهور بما لا يدع مجالا للملل, خاصة انها قد لا تحتاج إلي ديكور مطلقا لاعتمادها علي الأداء التمثيلي بشكل أعمق, وهو ما يقلل ايضا التكلفة الإنتاجية للعمل. أما في حالة1980 وانت طالع فإن تيمة العرض هي شريك أساسي مع الإخراج في نجاح هذه التجربة, فهي تتناول هموم ومشكلات جيل الثمانينيات من القرن العشرين, في12 لوحة درامية كوميدية منفصلة ولكنها تطرح في النهاية رؤية هزلية لجيل أصابته الحيرة من تلك الظروف التي فرضها عليه الواقع المرير, ففي الوقت الذي يبدأ فيه العرض بصورة تذكارية يلتقطها مجموعة من هذا الجيل ويكشف فيه كل منهم سنه الحقيقي بكثير من الأسي, نجد أن المخرج استغل هذه اللقطة لتفصل بين تجربة متعددة لأبناء هذا الجيل, فنري منهم من اضطر للعمل كمندوب مبيعات ومحاولته إقناع غيره بشراء ما لا يقتنع هو نفسه به ولكنه مضطر لذلك حتي يستطيع الزواج من حبيبته التي دخلت مرحلة العنوسة, ثم نري قهر المرأة منذ مولدها بدءا من الأب ثم الأخ ثم الزميل واخيرا الزوج, تليها لوحة تخيل فيها أبناء هذا الجيل شكل الحياة عام2050, ليكشفوا استمرار نفس المشكلات الحالية, وتتفجر الكوميديا هنا من الحوار بين صديقين من أن أحدهما أصيب بالإيدز ويجب عليه تناول البنادول, وأن آخر سيطلب الطعام مثلا من محلات أحفاد مؤمن, ثم الحديث عن وسائل المواصلات المملة رغم انتشار الطائرات كوسيلة للتنقلات, واخيرا الخبر الذي قرأه أحدهم في صحيفة ما وفيه تنفي الفنانة اللبنانية صباح زواجها من جديد, وهكذا اعتمدت هذه اللوحات علي جمل حوارية شديدة الجاذبية, بينما تعمد المخرج استغلال كل الفضاء المسرحي دون اللجوء للديكور اللهم إلا دكة أو اثنتان للجلوس, مع اللجوء للإضاءة الخافتة باستمرار, لتأكيد فكرة الغموض والحيرة التي يعيشها هذا الجيل, ولكنه في النهاية حرص علي ضرورة التمسك بالأمل في لوحة اجتمع فيها عدد من الأبطال باعتبارهم اصدقاء قدامي, وذلك لتسلق سفح الهرم, في مشهد صارخ الكوميديا, حيث يقرروا التوقف في منتصف الهرم للتدخين, وحينما يكتشفون عدم وجود سجائر لم يجدوا بديلا سوي تخيل التدخين, وهو ما اضطرهم لاعمال خيالهم لتحقيق أحلامهم, وبالتالي استكمال صعود الهرم, الذي يرمز لمصر في النهاية, وهي دعوة للتفاؤل والتمسك بالأمل, الذي غرسه فينا أبطال العرض. ويبقي السؤال في النهاية ينتظر رد الفنان فتوح أحمد: أليس هذا كفيلا بتبني العمل وعرضه علي مسرح الدولة؟