كنت جالسا في الصفوف الأمامية في حفل ختام' لقاء نيابولس للسينما العربية' بمدينة نابل في تونس, عندما لمحت دموعا في عيونه وهو يتحدث عن هموم السينما الفلسطينية ومتاعبها وحصارها ودورها في كشف فضائح الاحتلال الصهيوني وجرائمه. وكيف أن السينما الشبابية المستقلة صارت لاعبا أساسيا في اللعبة السياسية العربية والديمقراطية حيث تكمن كاميراتها ونصوصها وسيناريوهاتها في التفاصيل وإزاحة الستار عن الكثير مما هو مسكوت عنه.. وماهي إلا دقائق حتي تم إعلان فوز فيلم' فيلم فلسطيني' لاثنين من المخرجين الشبان الفلسطينيين بالجائزة التقديرية للمهرجان, ورغم أن المستوي الفني والتقني للفيلم كان متواضعا إلا أني رأيت الدموع قد تحولت إلي بريق وفرح, فقد لعب طاهر العجرودي دورا كبيرا في أن يتم منح هذه الجائزة للفيلم الفلسطيني ليس عطفا أو تضامنا كما هو معتاد في مهرجانات عربية مماثلة تغازل القضية الفلسطنية, وإنما لكونه فيلما جريئا استطاع أن يكشف المخبأ عن حركة حماس وسلوكها السلطوي المستبد وكيف يعيش أهل غزة سنوات من الذل والقهر والإرهاب تحت وطأة هذا الاستبداد وكانت تجربة سينمائية حقيقية استحقت التقدير. طاهر العجرودي والذي كان في زيارة للقاهرة مؤخرا وهي الزيارة الأولي له لتسلم جائزة التميز عن مجمل أعماله السينمائية في ملتقي بشرم الشيخ, لأول مرة يبوح بأسرار ربما لايعلمها المقربون منه وأهمها أنه ومنذ أن نظم هذه اللقاءات السينمائية وهو يعمل جاهدا لكي تبقي الروح في جسم هذه اللقاءات الفنية رغم الصعوبات السياسية و الاقتصادية التي تمر بها بلده ورغم مايتعرض له من حملات تهدف إلي إفشال مشاريعه الثقافية لأنه لم يركب قطار الولاء كما فعل الكثيرون وبقي كما كان قبل ثورة الياسمين مؤمنا أن الفنان لايمكن أن يكون إلا مستقلا بعيدا عن الخنادق الحزبية و غيرها.. فكيف إذن تعيش السينما التونسية إبداعها بعد الثورة و في ظل هذا المناخ النهضوي الإخواني.. هكذا بدأت معه حواري وتركته يفضفض عما يعيشه من مضايقات وعثرات تلاحقه لعرقلته. قال طاهر العجرودي: أعتقد أن ماحدث لنا هي فترة مراجعة واللحظة التاريخية التي صارت والتي يمكن أن نعتبرها ثورة أو انتفاضة طرحه العديد من علامات الاستفهام مراجعة للذات أين كنا وأين أصبحنا ولاشك إن أي نظام سابق لم يكن كله سلبيات والآن بدأت الشعوب تفيق وتحتفظ بالإيجابيات وأستطيع القول أن تونس ومصر لديهما مجتمع مدني علي أعلي مستوي إذا أضفنا المغرب لأن بعض الدول العربية تقوم علي الطائفية. وعن أحوال المسرح قال: لا أبالغ إذا قلت إن هناك تراجعا في المسرح وان كان له دور مهم في التحريض وكشف الحقائق قبل الثورة وأنه كان يبعث بشرارات الثورة, ولكن للأسف بعد الثورة ورغم أن المسرح يكاد يكون حرا طليقا لم يجد مايقدمه وهذا هو اللغز. وسألته هل تراجع دعم الدولة لصناعة السينما في ظل سيطرة حزب النهضة, قال العجرودي: ربما يكون ذلك صحيحا بعض الشيء, ولكن اللافت للانتباه هو ظهور شركات إنتاج شبابية ناجحة ويكفي أن تعلم بأن حوالي7 شركات فنية يمتلكلها شباب وهذا رقم مهم في تونس بتمويل خاص وهناك حوالي60% من الأفلام والتي نالت نسبة مشاهدة عالية من الشباب وأهم هذه الأفلام عن اغتيال شكري بلعيد وهي من انتاج شاب حديث التخرج وتعتبر أفلاما وثائقية درامية تؤرخ للمرحلة الحالية, والجديد أيضا في عالم إنتاج السينما التونسية إن ظهور طبقه جديدة ثرية لم تكن معروفة قبل الثورة, هذه الطبقة التي تتكشف يوما بعد الآخر هي من الذين كانوا يمتلكون ثروة أيام نظام بن علي ولا أحد يعرف عنهم شيئا وكأنهم كانوا يخشون من( بن علي) وهذا في ظني يمثل إشارة بالغة الأهمية, إن رأس المال بدأ يدخل في المجال الثقافي من تمويل الإذاعات الخاصة والأفلام تمويل القنوات التليفزيونية الخاصة هناك حوالي10 قنوات وهذا جعل هناك تنافس وخاصة في شهر رمضان, باختصار إذا استمر الاستثمار الثقافي علي هذا النحو أستطيع أن اقول لك إن الثقافة هي القاطرة الرابعة للتنمية في تونس. وعن المعاناة في تنظيم لقاء' نيابولس للسينما العربية' قال: هذا اللقاء تم تأسيسه عام2010 وكان الهدف هو البعد عن مفهوم المهرجان بما يحمله من بهرجة المهرجانات والتركيز علي الإعلام والأسماء الكبيرة, فلقد أردنا التركيز علي السينما المستقلة التي لاترتبط بسوق الإنتاج والتوزيع, سينما ذات التكلفة المنخفضة الخاصة بشباب الخريجين من معاهد الفنون المسرحية, ولو نظرنا إلي خريطة مهرجانات السينما في بلدان العالم العربي نادرا أن تجد مهرجانا يهتم بفئة من الشباب الذين ليسوا من الهواه ولا المحترفين شباب موهوب في بداية الطريق وأفلامهم لها صبغة خاصة لاتجذب الجمهور ولكنها تناقش قضايا بالغة الأهمية وبحرفية جيدة, فتم استحداث هذا اللقاء لتوفير فرص بين الشباب العربي للتلاقي والمنتج المهتم بإنتاج السمعي والبصري من هذه التجارب, تجارب سينما الروائية الطويلة القصيرة والسينما التسجيلية ولازلت أتذكر كيف تم الانطلاق بمجهودات بسيطة بمشاركة من بعض منظمات المجتمع المدني وشارك فيه25 فيلما من دول مختلف من مصر ولبنان وسوريا وفلسطين والمغرب وحقق الملتقي وقتها نجاحا كبيرا بشهادة النقاد, واللقاء الثاني تم اعتباره مرحلة تجريبية للنضج الذي وصلنا إليه وشاركت معظم الدول العربية والطريف في المسأله إننا لا نقدم جوائز مالية نقدأ ولكن تقدم بصوره خدمات فنية من أكبر الأستودوهات العالمية( طارق بن عمار)