شهدت مصر منذ عام1923 وحتي عام2012 ستة دساتير, تباين اهتمام كل منها بموضوع اللامركزية والإدارة المحلية, ولكن شابها جميعا بعض السلبيات التي مثلت عائقا أمام التوجه نحو لامركزية حقيقية تسهم إسهاما فعليا في دعم الديمقراطية وحقوق الانسان وتحقيق التنمية ومكافحة الفساد, وقد عالج دستور2014 الكثير من هذه السلبيات. فقد تناول الإدارة المحلية في الفرع الثالث للسلطة التنفيذية في9 مواد( من المادة175 وحتي المادة183, فضلا عن المادة رقم1 التي نصت علي أن مصر دولة موحدة, والمادة رقم242). ونص في المادة175 علي تقسيم الدولة إلي وحدات إدارية مستقلة, ذكر منها- علي سبيل المثال- المحافظات, والمدن, والقري, تاركا للسلطة التشريعية أن تنشئ أو أن تلغي من خلال القوانين ما تشاء من وحدات أخري, وفقا للمصلحة العامة. وانفرد عن الدساتير الأخري بالنص علي ضرورة مراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية عند إنشاء أو إلغاء الوحدات المحلية أو تعديل الحدود بينها, وهو ما يمكن من خلاله تجنب مثل تلك السلبيات التي صاحبت إنشاء وإلغاء محافظتي6 أكتوبر, وحلوان. ويختلف الدستور هنا عن دستور2012 الذي ذكر المراكز والأحياء ضمن الوحدات المحلية, علي الرغم من الدعوات العديدة التي تطالب بالغاء المركز, لكونه يمثل مستوي وسيطا بين المحافظات من ناحية, والمدن والقري من ناحية أخري, ويؤدي إلي إطالة الإجراءات, والحد من استقلالية ودور المدن والقري, فضلا عما يترتب عليه من تعقيد للنظام الانتخابي المحلي, وإرهاق المواطن في اختيار ممثلين له في مستويات عديدة. ونصت المادة180 علي تشكيل المجالس المحلية بالانتخاب المباشر من المواطنين, أسوة بما كان عليه الوضع في دستور.1971 وبذلك, عالجت المشكلة التي انطوي عليها دستور2012, الذي نص علي أن يضم إلي المجلس المحلي ممثلون عن أجهزة السلطة التنفيذية في الوحدات المحلية, دون أن يكون لهم صوت معدود. وهذا وضع لم يعد موجودا في جميع دول العالم تقريبا, خاصة أن هؤلاء المعينين يتعين حضورهم قانونا لجلسات المجلس المحلي, لكونهم خاضعين لمساءلته, فضلا عن عدم وضوح المقصود بممثلي السلطة التنفيذية هل المحافظ فقط أم المحافظ ومديرو المديريات؟ ويتميز الدستور عن الدساتير السابقة بالنص علي ضمان تمثيل المرأة والشباب والمسيحيين وذوي الإعاقة. فأكد أن يخصص25% من المقاعد للشباب ما بين21 و35 سنة, و25% من المقاعد للمرأة, مع ضمان ألا تقل نسبة العمال والفلاحين عن50% من إجمالي المقاعد. كما أكد ضرورة تمثيل المسيحيين وذوي الإعاقة تمثيلا مناسبا ضمن النسب السابقة. وحدد مدة المجالس المحلية بأربع سنوات, كما أتاح فرص الترشح لمن يبلغ21 عاما. وقد ذهب الدستور إلي ما هو أفضل مما جاء في دستور2012, حيث نص علي أن يتولي المجلس المحلي للمحافظة الفصل في حالة الخلاف علي اختصاص المجالس المحلية للمستويات الأدني من المحافظة. وفي حالة الخلاف علي اختصاص المجلس المحلي للمحافظة, فإن الذي يفصل فيه علي وجه الاستعجال هو الجمعية العمومية لقسمي الفتوي والتشريع في مجلس الدولة. المادة180 نصت علي أن تختص المجالس المحلية بمتابعة تنفيذ خطة التنمية وبمراقبة أوجه النشاط المختلفة, وبممارسة أدوات الرقابة علي الأجهزة التنفيذية. وترك للقانون أن يحدد الاختصاصات الأخري للمجالس المحلية ومواردها المالية وضمانات أعضائها واستقلالها. كما نص في المادة176 علي أن تكفل الدولة دعم اللامركزية الإدارية والمالية والاقتصادية, وعلي أن يكفل القانون وسائل تمكين الوحدات الإدارية من توفير المرافق المحلية والنهوض بها, وحسن إدارتها, وعلي أن يحدد البرنامج الزمني لنقل السلطات والموازنات إلي وحدات الإدارة المحلية. وإدراكا من واضعي الدستور للتفاوت في الإمكانات بين الوحدات المحلية وبعضها البعض ولمسئولية الحكومة المركزية عن جميع مناطق الدولة, فقد نصت المادة177 علي أن تكفل الدولة ما تحتاجه الوحدات المحلية من مساعدات, وعلي ضمان التوزيع العادل للمرافق والخدمات والموارد, وتقريب مستويات التنمية, وتحقيق العدالة الاجتماعية بين هذه الوحدات. وإذا كان من حق الحكومة حل المجالس المحلية, إذا خرجت علي السياسة العامة للدولة, فقد قيد الدستور هذا الحق بالنص في المادة183 علي عدم جواز حل المجالس المحلية بإجراء إداري شامل, تاركا للقانون أن يحدد طريقة حل أي منها, وإعادة انتخابه. وانفرد دستور2014 عن الدساتير الأخري بالنص علي حق المجالس المحلية في مساءلة القيادات التنفيذية, وممارسة أدوات الرقابة عليها من اقتراحات وتوجيه أسئلة وطلبات إحاطة واستجوابات وغيرها, وسحب الثقة من رؤساء الوحدات المحلية. ومما سبق, يمكن القول: إن الدستور الجديد ينطوي علي جوانب إيجابية عديدة- مقارنة بالدساتير المصرية السابقة- تتيح فرص بناء نظام حكم محلي قوي خلال5 سنوات من تاريخ تنفيذ الدستور, كما جاء في المادة رقم242 ضمن الأحكام الختامية والانتقالية, وكانت هذه المدة10 سنوات في المادة235 من دستور.2012 وإذا كان الدستور قد استخدم مصطلح الإدارة المحلية, وليس الحكم المحلي, إلا أن مضمون المواد يشير بوضوح إلي المفهوم الحقيقي للحكم المحلي. وإذا كان الدستور قد اعتبر الإدارة المحلية فرعا من فروع السلطة التنفيذية, إلا أنه قد اعترف صراحة بحق المجالس المحلية في مساءلة القيادات التنفيذية, بما في ذلك حقها في الاستجواب وفي سحب الثقة منها, ومن ثم لم يعد هناك مجال لإنكار هذا الحق, تحت دعوي أن الإدارة المحلية جزء من السلطة التنفيذية. لمزيد من مقالات سمير محمد عبدالوهاب