في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها الوطن حاليا, هناك أموال تقدر بالمليارات تنفق من أجل( عمرة النافلة), بل إن هناك من أدي العمرة مرتين وثلاثا . فهذه النافلة التي يتم تكرارها ينفق عليها المصريون المليارات, برغم أن الوطن في أمس الحاجة للتبرع لدعم الاقتصاد, فهل الأولي دعم الاقتصاد أم الإنفاق علي هذه النافلة؟ علماء الدين يؤكدون أن الإنفاق والتبرع من أجل الوطن للخروج من هذه الأزمة الراهنة, فريضة واجبة, وأن هذه النفقة التي ينفقها الإنسان من أجل وطنه طاعة لله وصدق في العقيدة, بل إنها أولي من النافلة, التي يؤديها الإنسان وينفق فيها أموالا كثيرة وهي ليست فريضة واجبة عليه, كالحج, فهؤلاء الذين يتبرعون في حب الوطن وبنية خالصة لله, هم من الذين يؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. ويقول الدكتور رمضان عبدالعزيز عطا الله, أستاذ ورئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر, إذا أردنا أن نعرف الأولويات فعلينا أن نعود إلي سيرة النبي, صلي الله عليه وسلم, عندما خرج مهاجرا من مكة إلي المدينة وقف يخاطب مكةالمكرمة مودعا لها وهي وطنه الذي أخرج منه, وكأنها تعقل ما يقول لها: والله إنك لأحب البلاد إلي الله وأحب البلاد إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت, والمتأمل في هذا الكلام يدرك أن النبي, صلي الله عليه وسلم, أراد أن يعلمنا أن حب الوطن من الأمور الفطرية التي جبل الإنسان عليها, وحتي يتحقق حب الإنسان لوطنه لا بد من تحقق صدق الانتماء إلي الدين أولا, ثم الوطن ثانيا, وتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف تحث الإنسان علي حب الوطن, وتحثه علي التضحية من أجله سواء كانت هذه التضحية بالنفس, أو بالمال, أو بالولد, فإذا كان الوطن يمر بأزمة اقتصادية واحتاج فيها إلي التضحية بالمال وجب علي أصحاب الأموال أن يضحوا بأموالهم من أجل وطنهم وهذه التضحية بالمال من أجل الوطن تعد فريضة واجبة, وتعد هذه النفقة التي ينفقها الإنسان من أجل وطنه أولي من الطاعة أو العبادة التي يؤديها الإنسان وينفق فيها أموالا كثيرة وهي ليست فريضة واجبة عليه, كالحج, أو العمرة للمرة الثانية أو الثالثة, ويقول الله في هذا:( فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم), ويقول تعالي أيضا:( ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة). ويقول الدكتور صابر أحمد طه, عميد كلية الدعوة بجامعة الأزهر, إن المجتمع لا يستقر ولا يتحقق الأمن في بلده إلا إذا كان يتمتع باقتصاد جيد تسد به حاجة المحتاجين وتكسي به عورات المسلمين, وإذا نظرنا إلي حال وطننا الآن, فإننا سنجد أن هناك أفرادا أكثر احتياجا وإنهم لا يجدون قوت يومهم, ولا مأوي لهم, فإذا قام الأغنياء بإيواء هؤلاء وإطعامهم فسيكون هذا الأمر عند الله أفضل بكثير من أداء العمرة, لما ثبت عن النبي, صلي الله عليه وسلم, حينما سئل أي الناس أحب إلي الله وأي الأعمال أحب إلي البر, فقال صلي الله عليه وسلم:( أحب الناس إلي الله أنفعهم للناس, وأحب الأعمال إلي الله إدخال سرور علي مسلم), وهذا يحثنا علي أن التبرع للوطن أهم وأولي من قضاء نافلة العمرة, وخاصة أن هناك من يقوم بتكرار هذه العمرة ويترك المحتاجين يعانون مرارة الجوع. من جانبه أكد الدكتور عبدالفتاح إدريس, أستاذ الفقه بجامعة الأزهر, أن مصر في أمس الحاجة إلي هذه الأموال التي تنفق علي أداء السنة وأشار إلي أن هناك أناسا قد عفا عليهم الزمن فهم لا يجدون من ينفق عليهم ولا يجدون من يلوذون به بعد الله سبحانه وتعالي, وذلك في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد من كساد في الاقتصاد وتوقف عجلة الإنتاج وخاصة في ظل الارتفاع المتنامي للأسعار والمستوي المعيشي, وأضاف أن هذا الفقر الطاحن يمتد إلي كل مواطن.