غرفة عمليات تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين تواصل انعقادها لمتابعة تصويت المصريين في اليوم الثاني بالدوائر الملغاة    وزير العمل يستقبل مدير مكتب منظمة العمل الدولية بالقاهرة لبحث تفعيل التعاون في الملفات المشتركة    انتخابات مجلس النواب 2025..إقبال لافت في الساعات الأولى لانتخابات مجلس النواب بسوهاج    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الخميس 4 ديسمبر    أسعار البيض اليوم الخميس 4 ديسمبر2025    وزير الرى يكلف بإعداد مقترحات للإسراع من إجراءات صرف تعويضات نزع الملكية    التنمية المحلية: إحالة 59 مخالفة بالمحافظات للنيابات المختصة والشئون القانونية    بوتين يعلن معارضته لبعض نقاط الخطة الأمريكية للحرب في أوكرانيا    وزير الدولة للإنتاج الحربي يشهد مراسم توقيع عقد للتعاون المشترك في مجال التصنيع العسكري    الاحتلال يعتقل 4 صيادين أثناء عملهم في بحر غزة    محافظ الدقهلية ينعى الحاجة سبيلة صاحبة التبرع بثروتها لصندوق تحيا مصر    اليوم.. انطلاق الجولة الثانية من دور المجموعات ببطولة كأس العرب    في أول ظهور له.. رئيس سموحة الجديد يكشف خطته لإعادة هيكلة النادي وحل أزمات الديون والكرة    حبس شبكة تستغل الأطفال في التسول بالقاهرة    أجواء أوروبية.. تفاصيل درجات الحرارة وأكثر المناطق برودة على مدار اليوم    وفاة سعيد عبد الواحد مرشح مجلس النواب عن دائرة إمبابة    فيديو.. متحدث الوزراء: عملية تطوير القاهرة التاريخية شاملة ونراعي فيها المعايير العالمية    هل وجود الكلب داخل المنزل يمنع دخول الملائكة؟.. دار الإفتاء تجيب    الصحة: مباحثات مصرية–عراقية لتعزيز التعاون في مبادرة «الألف يوم الذهبية» وتطوير الرعاية الأولية    تعرف على الحالة المرورية بشوارع وميادين القاهرة والجيزة.. الخميس    لغز اختفاء أسرة من 5 أفراد فى ظروف غامضة بأسيوط    استعراض تجربة مصر للحد من التلوث البحرى ومخلفات البلاستيك والأراضى الرطبة بcop24    المنيا.. حين تعود عاصمة الثقافة إلى مسرحها الأول    الصين تساعد فلسطين ب 100 مليون دولار لتخفيف الأزمة الإنسانية في غزة    الاتحاد الكونغولي يخطر بيراميدز بموعد انضمام فيستون ماييلي لمنتخب بلاده    تعليم البحيرة تصدر تعليمات مشددة للتعامل مع الحالات المرضية المشتبه بها داخل المدارس    محافظ كفر الشيخ يوجّه برفع مستوى أمان طريق إسحاقة - السرو    "مشهد لا يُنسى" بورسعيد تُشيّع بطلها الصغير يوسف محمد فى لحظات الدموع والدعاء والوداع .. إنهيار والدته وحزن أصحابه وذويهم.. والده يؤكد على الحضور: "بالله عليكو ما تسيبوا حق إبني".. فيديو و صور    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 4 ديسمبر 2025    عبد الحميد معالي يهدد بفسخ تعاقده مع الزمالك    بعد إلغائه لغياب تقنية الVAR.. البدري ومصطفي في مواجهة حاسمة الليلة بنهائي كأس ليبيا على ستاد القاهرة    لو عندى نزلة برد أعمل إيه؟.. الصحة توضح خطوات التعامل والوقاية    الأحفاد جمعتنا، إعلامية شهيرة تفاجئ حسن شحاتة داخل المستشفى (صور)    «ما تسيبوش حقه».. نداء والد السباح يوسف محمد خلال تلقى العزاء (فيديو وصور)    اللهم إني أسألك عيش السعداء| دعاء الفجر    دولة التلاوة.. المتحدة والأوقاف    دراما بوكس| بوسترات «سنجل ماذر فاذر».. وتغيير اسم مسلسل نيللي كريم الجديد    الصحة: خدمات شاملة لدعم وتمكين ذوي الهمم لحصولهم على حقوقهم    أحمد حمدي يكتب: هيبة المعلم    وزير الخارجية الفنزويلي: استقبلنا رحلات جوية حملت مواطنين مرحلين من الولايات المتحدة والمكسيك    د. خالد سعيد يكتب: إسرائيل بين العقيدة العسكرية الدموية وتوصيات الجنرال «الباكي»    نائب وزير المالية: تمويل 100 ألف مشروع جديد للانضمام للمنظومة الضريبية| فيديو    حلمي عبد الباقي يكشف إصابة ناصر صقر بمرض السرطان    جمال شعبان يُحذر: ارتفاع ضغط الدم السبب الرئيسي للفشل الكلوي في مصر!| فيديو    محمد رجاء: لم يعد الورد يعني بالضرورة الحب.. ولا الأبيض يدل على الحياة الجميلة    موعد صلاة الفجر.....مواقيت الصلاه اليوم الخميس4 ديسمبر 2025 فى المنيا    كأس إيطاليا – إنتر ونابولي وأتالانتا إلى ربع النهائي    حريق بجوار شريط السكة الحديد بالغربية.. والحماية المدنية تُسيطر على ألسنة اللهب    وليد صلاح الدين: لم يصلنا عروض رسمية للاعبي الأهلي.. وهذا سبب اعتراضي على بسيوني    مشاجرة بين طالبات وزميلتهم تتحول إلى اعتداء بالضرب عليها ووالدتها    أحدهما دخن الشيشة في المحاضرة.. فصل طالبين بالمعهد الفني الصناعي بالإسكندرية    ماكرون يستعد لإعلان تعديلات جديدة على العقيدة النووية الفرنسية    علاج ألم المعدة بالأعشاب والخلطات الطبيعية، راحة سريعة بطرق آمنة    هل يجوز لذوي الإعاقة الجمع بين أكثر من معاش؟ القانون يجيب    الحكومة: تخصيص 2.8 مليار جنيه لتأمين احتياجات الدواء    احذر.. عدم الالتزام بتشغيل نسبة ال5% من قانون ذوي الإعاقة يعرضك للحبس والغرامة    آثار القاهرة تنظم ندوة علمية حول النسيج في مصر القديمة واتجاهات دراسته وصيانته    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رئيس جمهورية يليق بمصر
نشر في الأهرام اليومي يوم 31 - 12 - 2013

ذهبت يوم21 ديسمبر الماضي إلي رئاسة الجمهورية, استجابة لدعوة كريمة من الرئيس عدلي منصور لحضور حفل توزيع جوائز الدولة في العلوم
والفنون والآداب التي حصلت عليها نخبة من المثقفين المصريين في هذا العام, فضلا عن منح وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي لاسم الشاعر أحمد فؤاد نجم, رحمه الله.
وكان أهم ما في الحفل- في تقديري- الدلالات التي ينطوي عليها, وأولي هذه الدلالات أن مصر التي تعاني من الأزمات الاقتصادية وإرهاب العصابات المسلحة وغير المسلحة للإخوان المسلمين تتذكر مبدعيها ومثقفيها, فتحتفي بهم بوصفهم جوهر القوة الناعمة التي هي سر قوتها الحضارية, ومصدر إشعاعها الثقافي الذي لايزال يبسط ضوءه الممتد من قبل ومن بعد حصول نجيب محفوظ علي جائزة نوبل العالمية سنة.1988 إن الثقافة هي أصل الريادة المصرية وسر من أسرار حضورها المتجدد الذي يتعامد- عبر تاريخها المتواصل- علي عبقرية مكانها بتنوعه الخلاق. ومن يمن الطالع أن يأتي هذا اللقاء, بعد انتهاء كتابة دستور جديد وإعلانه, دستور يعرف للثقافة حقها, وللعلم دوره, وللتعليم الحديث حتميته, وللمثقفين دورهم الأصيل في نهضة الأمة وتقدمها من ناحية, والدفاع عن هويتها الثقافية وحمايتها من كل محاولات الانحراف بها من ناحية أخري.
لقد كان عبدالناصر يعي ذلك ويدركه, ولذلك حرص علي استمرار عيد العلم الذي ظلت مصر تراه يوما مضيئا من الأيام التي تخصصها لتكريم المبرزين في مجال العلوم والآداب والفنون. واستمر هذا العيد طوال سنوات الزمن الناصري, ولم ينقطع إلا بوفاته ومجيء السادات برغبة الانقلاب علي توجهات العهد الناصري. ورغم موافقة مبارك علي مضاعفة المكافأة المالية لجوائز الدولة في العلوم والفنون والآداب, مرات, وإضافة جوائز جديدة, فإن تقليد عيد العلم انقطع, وتطاولت سنوات إهمال توزيع جوائز الدولة, وكانت الحجة في كل مرة هي انشغال الرئيس بما كان يؤكد للأسف استخفافه بالثقافة والمثقفين. والحق أن هذا الاستخفاف كان ينطوي علي عدم فهم أهمية الثقافة وأدوارها الحيوية, سواء في تنمية وعي الفرد أو وعي الأمة علي السواء. وكان ذلك طبيعيا في سنوات تجاهلت فيها الدولة مواصلة تطوير التعليم الذي كان- ولايزال- قضية أمن وطني, كما كان يقول حسين كامل بهاء الدين. وكلنا يعلم ما الذي ترتب علي الاستهانة بتطوير منظومة تثقيف الأمة, والتقاعس عن مواجهة براثن الإظلام وجراثيم التخلف وبراثن التعصب التي أخذت تصيب وعي الأمة, وتنقلها من ثقافة التسامح والحوار وقبول الآخر إلي ثقافة التعصب والقمع ورفض الاختلاف والآخر علي السواء. وكان استيلاء الإخوان المسلمين علي الحكم هو النتيجة الطبيعية للأوضاع الكارثية للثقافة المصرية, وهي الأوضاع التي أغرتهم بالمضي في عملية تغيير الهوية الثقافية للأمة التي كان علي أبنائها مقاومة هذا التغيير ومواجهة التحدي الأخطر, وما كان لها أن تنجح في ذلك إلا بدعم من قيادة شابة لجيش لا يزال مخلصا للقيم الوطنية التي أورثه إياها عبد الناصر ممثلا لميراث الاستنارة المصرية ووعي الدولة المدنية الحديثة.
وكان من الطبيعي- بعد أن استعادت مصر هويتها المدنية- أن تعرف أهمية ميراثها الثقافي العظيم, وأن تدرك مغزي العودة إلي تكريم أبنائها المبرزين في مجالات العلوم والآداب والفنون, فيقوم الرئيس عدلي منصور بتكريم آخر من حصل علي جوائز الدولة منهم, في حضور باقي من لم ينل تكريمه بعد, مع وعد بتكريم كل من فاته التكريم. ولم يكتف الرئيس عدلي منصور بإدانة التوقف عن تكريم رموز الثقافة المصرية لما يقرب من عشرين عاما, فقد أعاد للثقافة وللمثقفين الاعتبار عندما أكد أنهم كانوا وقودا لثورتين شعبيتين أدوا فيهما دورهم علي الوجه الأكمل جنبا إلي جنب أبناء هذا الشعب العظيم بكل أطيافه.
ولم يكن من قبيل المصادفة أن يدعو الرئيس المثقفين إلي أن يكونوا أكثر غزارة وتقدما في إنتاجهم, وأن يخاطبوا العقول, ويمتعوا العيون, ويغذوا الأرواح, ويبثوا روح الحق والعدل والوسطية والاعتدال, وقيم المنطق والجمال. والحق أن هذه الكلمات الأخيرة التي نقلتها من خطاب الرئيس تكشف عن الدلالة الثانية للحدث, وهي التوجه التنويري لصاحب الخطاب الذي أصبح رمزا لتوجه الدولة, ليس في الوعي بأهمية الفكر والعلم فحسب, وإنما الوعي بأهمية الإبداع الفني كذلك. هكذا لم يكتف خطاب الرئيس بالإشارة إلي طه حسين والعقاد ونجيب محفوظ من كبار الأدباء, وإنما أردف ذلك بالإشارة إلي النحات مختار والسجيني وآدم حنين الذي كان يجلس بيننا. والإشارة إلي أعلام فن النحت من رئيس الجمهورية, تعني بداهة الإشارة إلي أعلام فن الرسم والعمارة في مدي العين التي تستمتع بروائع الإبداع الفني, وتري في ذلك ما يجمع بين مخاطبة العقول وغذاء الأرواح, وذلك كله فكر مستنير لرئيس يعرف معني الثقافة وقدرها بالقدر الذي يعرف إنجازات كبار أعلامها فكرا وإبداعا, وأين هذا ممن كانوا يرون النحت كفرا, وإبداع نجيب محفوظ هرطقة, ولم يكن في أدمغتهم سوي ما كتبه أمثال سيد قطب عن جاهلية القرن العشرين.
أما الدلالة الثالثة والأخيرة من خطاب الرئيس عدلي منصور فهي أنه وجه بتشكيل لجنة من خمس وزارات تتعاون معا في شأن التثقيف المجتمعي, وهي وزارات التعليم والثقافة والإعلام والشباب والأوقاف. ولقد حقق الرئيس بذلك حلما من أحلامي, فقد دعوت في مقالاتي بهذه الجريدة مرارا وتكرارا, منذ سنوات, إلي أن كارثة الثقافة العامة والخاصة في مصر, لن تحل إلا بوجود خطة استراتيجية تتبناها الدولة, ويهتم بها الرئيس شخصيا, لإشاعة ثقافة الاستنارة بما تعنيه من قيم الحق والعدل والخير والجمال, فضلا عن التسامح والنزعة الإنسانية المؤسسة علي قيم مواطنة مفتوحة علي التنوع الخلاق, وتقوم مجموعة الوزارات المعنية بتثقيف المجتمع- التعليم والإعلام والثقافة والأوقاف والشباب- بالتنسيق فيما بينها في بث قيم ثقافية جديدة, متعاونة في ذلك مع منظمات المجتمع المدني بأدواتها الثقافية. ويكون ذلك كله هو المنظومة الثقافية التي تستند إلي أطر مرجعية نابعة من مبادئ الحرية والعدل والكرامة الإنسانية والعزة الوطنية هادفة إلي تحقيق ثقافة استنارة حقيقية, تكون لازمة من لوازم الدولة المدنية الحديثة. وبقدر ما تقوم هذه المنظومة الثقافية الجديدة بتغذية الوعي بالقيم والمبادئ التي لابد له منهما لتحقيق هدفين: أولهما مواجهة فيروسات ثقافة التخلف والإظلام التي ظلت القوي المعادية للتقدم تحقن بها عقول شعب تزيد نسبة الجهل والأمية والفقر المدقع فيه علي أربعين في المائة من سكانه. وثانيهما أن تتيح هذه القيم والمبادئ الثقافية الجديدة للوعي الجمعي أن يعيش عصره, وأن ينحاز إلي الجديد الصاعد في المجتمع الذي يسعي إلي أن يكون دولة مدنية حديثة بكل معني الكلمة.
لقد كانت سعادتي غامرة عندما استمعت إلي الرئيس عدلي منصور يتحدث عن ضرورة هذه اللجنة, التي أرجو أن أسمع عن تأثيرها قريبا علي أرض الواقع. ورغم أني من الذين لا يتوقعون خيرا كثيرا من حكومة الببلاوي. لكن إعلان رئيس الجمهورية عن مثل هذه اللجنة هو خطوة أولي بالغة الأهمية لها ما يترتب عليها, ابتداء من معرفة أن وزارة الثقافة وحدها ليست المسئولة عن الثقافة العامة للمجتمع أو تثقيفه, وأنها تتشارك في هذه المسئولية مع وزارات أخري غيرها ومع مؤسسات المجتمع المدني في آن, وانتهاء بتغيير المنظومة التثقيفية للشعب المصري, وبخاصة طبقاته الفقيرة والأمية في آن.
لمزيد من مقالات جابر عصفور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.