هل هناك من يريد أن تتحول مصر إلي عراق جديد؟, ولمصلحة من يحدث ذلك؟, وهل هناك فائز أو خاسر في تلك الحرب القذرة؟. كل يوم نصحو علي تفجيرات قذرة في العراق وصلت إلي المساجد ودور العبادة منذ انهيار نظام صدام بعد الغزو الأمريكي للعراق الذي جلب الفتنة والشقاق والاقتتال الداخلي بين أبناء الشعب العراقي, مستغلا في ذلك اللعب علي الوتر الطائفي والعرقي بين الشيعة والسنة والأكراد والمسيحيين, لتتحول العراق إلي ساحة للحرب الأهلية.. الكل فيها خاسر بامتياز. الآن نحن في مصر أمام موجة إرهابية غادرة, رغم الظروف المختلفة لمصر عن العراق, فليس لدينا شيعة وسنة, وليس لدينا أكراد, ومع ذلك خرج من بيننا من لاعقل لهم, يريدون أن يعيدوا عقارب الساعة إلي الوراء, واهمين أنهم يستطيعون كسر إرادة الشعب المصري وهز الثقة في جيشه وشرطته. في اعتقادي أن المعركة الآن ليست معركة جيش أو شرطة فقط, لكنها معركة كل مصري لاستئصال شأفة الإرهاب من مصر, والبداية من البيت المصري الذي سمح بتخريج هذه النوعية من بين جنباته دون أن يستوقف ذلك الأب أو الأم, ومرورا بالمدرسة التي أهملت التلاميذ ومتابعتهم ومناقشتهم ليركز السادة المدرسون علي الدروس الخصوصية, وحصيلتهم اليومية والشهرية منها, تاركين بذور الإرهاب تنمو لدي البعض من التلاميذ الغارقين في الإنغلاق علي أنفسهم, والسائرين في فلك الإرهاب والتطرف علي يد شيوخ الفتنة دون مراجعة أو مناقشة لأفكارهم الظلامية. تنمو أفكار التطرف والإرهاب بمرور سنوات العمر, ودخول الجامعة, ثم الخروج منها, وبدلا من أن يخرج هؤلاء من الجامعة أكثر تفتحا وثقافة, وأكثر فهما لمتطلبات العصر, تكون النتيجة عكس ذلك, ويتحولون إلي قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة. ما يحدث في سيناء, وما حدث في المنصورة وتفجير مديرية أمن الدقهلية, نماذج لتلك الأعمال القذرة والخسيسة التي لا علاقة لها بالدين أو السياسة أو التحضر أو حتي الجاهلية. لم نسمع في الجاهلية عن شخص قام بتفجير نفسه ضد قبيلة أخري, وقد يرد البعض وهل كانت هناك متفجرات؟! وأقول كانت هناك نيران ووسائلهم البدائية الأخري, ولم نقرأ في كتب التاريخ أن شخصا أشعل النار في نفسه واحتضن خصمه, أو دخل خيام القبيلة الأخري ليحرقها في عملية قذرة ودنيئة. الحروب البدائية والجاهلية كان لها أسس وشروط, وجاء الإسلام العظيم ليدفع بهذه الأسس والمعايير إلي المزيد من التطور والرقي, ويرفض كل أساليب الغدر والخسة والنذالة في الحروب والقتال ضد الأعداء, وحرم القتال فيما بين المسلمين.. إلا أننا نجد هذه الأيام من يقوم بالقتل والتدمير عشوائيا, وبمنتهي الخسة والغدر, ضاربا عرض الحائط بكل قيم الإسلام العظيمة, ومستندا علي تخاريف وأوهام لاعلاقة لها بالدين من قريب أو بعيد. لا توصيف لهؤلاء المجرمين في سيناءوالمنصورة وأية منطقة أخري, إلا أنهم مجموعة من الإرهابيين الذين يجب التخلص منهم واستئصالهم بكل قوة, لأنهم يعيثون في الأرض فسادا, ويريدون هدم الدولة وتدميرها والتحول إلي نموذج العراق في مصر, لنخسر جميعا, بعد أن تنهار الدولة لا قدر الله ولا ينجو منها فصيل أو شخص, وإنما الكل خاسر بامتياز. علي الحكومة أن تتخذ من التدابير ما يكفي لحماية المنشآت والأفراد, واتخاذ كافة الإجراءات الوقائية لمنع تلك الجرائم قبل وقوعها, وتخصيص دوائر بكل محافظة لمحاكمة المتورطين في تلك الجرائم, وصولا إلي العقاب العادل والسريع مع إجراء التعديلات التشريعية اللازمة لتغليظ عقوبات جرائم الإرهاب إلي أقصي ما يمكن. أما الشعب, فلابد أن يكون أكثر إيجابية في كشف كل الإرهابيين بلا خوف أو تردد, لينال كل منهم ما يستحقه من عقاب, فلا بديل عن الصمود وعبور هذه المرحلة الانتقالية الحساسة حتي يتم الاستفتاء علي الدستور, وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية, وإقامة دولة القانون الديمقراطية الحديثة. أتمني أن يكون رد الشعب واضحا في النزول بكثافة والمشاركة في الاستفتاء يومي41 و51 يناير, بغض النظر عن تأييد الدستور أو معارضته, فهذه هي السياسة والديمقراطية والتحضر.. أما القتل والتفجير والتخريب وعرقنة مصر, فذلك هو الطوفان الذي يجرفنا نحو المجهول ويعيدنا سنوات وعقودا إلي الوراء, وهو ما لن يحدث إن شاء الله بفضل الله أولا, وبإرادة وقدرة المصريين بعد ذلك. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة