مما لاريب فيه أن حماية الأوطان واجب كل إنسان, فلا يماري امرؤ أن الوطن بيته فيجب عليه أن يحافظ علي أمنه وسلامته, وأن يدافع عنه ما استطاع إلي ذلك سبيلا. وقد أوجب الإسلام الدفاع عن الأوطان, وشرع الجهاد في سبيل الله, دفاعا عن الدين والوطن والأرض والعرض, ومن قتل في سبيل الدفاع عن وطنه كان شهيدا في سبيل الله. ولا تقتصر حماية الأوطان والدفاع عنها علي مواجهة العدوان والدخيل فحسب, بل إن من الواجب في حماية الأوطان مناهضة كل فكر مغشوش, أو شائعة مغرضة, أو محاولة استقطاب البعض لمصلحة أصحاب الأهواء المشبوهة. كما تشمل حماية الأوطان المحافظة علي أسراره الداخلية, وعدم التعامل مع أعداء الوطن, أو من يريدون به السوء, أو ينفثون سمومهم في أجواء المجتمعات بغيا منهم وعدوانا. ومن الأوطان ما هو خاص, مثل وطن الإنسان الذي يعيش فيه, وبلده الذي نشأ علي ظهره, ودولته التي يحيا فيها. ومن الأوطان أيضا: ما هو عام مثل العروبة والإسلام, فالعالم العربي وطن كل إنسان عربي, والعالم الإسلامي وطن كل إنسان مسلم. ومن الأوطان الوطن الأعم, وهو الإنسانية جمعاء, عربا كانوا أو غير عرب, مسلمين كانوا أو غير مسلمين, وفي كل نوع من أنواع الأوطان جاءت توجيهات الإسلام واضحة جلية في حمايتها والدفاع عنها في كل وقت وحين, وفي كل حال من الأحوال, لأن الإسلام دين عالمي ودين الرحمة أرسل رسوله سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم رحمة للعالمين كما قال رب العزة سبحانه وتعالي: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين. ولنبدأ بالحديث عن الوطن الخاص, وهو الذي يعيش فيه الإنسان, وينتمي إليه, فنري أن الإسلام أوجب علي الإنسان حب وطنه, وشرع الجهاد من أجل الدفاع عن العقيدة والوطن. ودعا إلي حماية الوطن من أعدائه, وممن يريدونه بسوء, وممن يريدون إحداث القلاقل والفتن, وإثارة المخاوف والاضطراب, وأن واجب كل إنسان أن يتصدي للفتن ما ظهر منها وما بطن, والذي يحدث القلاقل أو يشجع عليها أو يدعو لها ليس بكامل الإسلام, فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده, وقال أيضا: والمؤمن من أمنه الناس علي دمائهم وأموالهم وعرضهم, وأكد رسول الله صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع هذه الحقوق وقال: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت اللهم فاشهد. ومن الخيانة العظمي أن يخون مواطن وطنه, ويتآمر ضده, من أجل منفعة مادية!! ومن فعل مثل ذلك كان بعيدا عن الدين, بعيدا عن الله, لأن المؤمن الحقيقي من أمنه الناس علي دمائهم وأموالهم وأعراضهم, فالإنسان الذي يخون وطنه ويتآمر عليه مع أعدائه, إنسان بعيد عن الإيمان, إنه يرتكب أبشع أنواع الخيانة, إنه يخون الله الذي أمر بالدفاع والجهاد من أجل الوطن, ويخون رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي أمر بحماية أمانة الوطن, ويخون أماناته وأمانات الناس, وقد قال رب العزة سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون. فواجب أبناء الوطن أن يكونوا عيونا ساهرة لحماية أمن الوطن, وأن يتضامنوا في درء أي خطر يتهددهم, وأن يتكاتفوا جميعا عن بكرة أبيهم وبلا استثناء علي ردع من تسول له نفسه أن يجترئ علي الوطن, وأن يسعي بذمتهم أدناهم, وأن يكونوا يدا علي من سواهم, بغض النظر عن عقائدهم, فيجب أن يتعاونوا جميعا مسلمين وغير مسلمين. وأما بالنسبة للوطن العام, وهو العروبة والإسلام, فذلك لأن كل عربي يجب أن يصون أمن أخيه العربي, وأن كل مسلم يجب أن يحمي أخاه المسلم في أي مكان علي ظهر المعمورة, لأن الجميع إخوة كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمي رواه البخاري, وتضامن المؤمنين يجعل منهم بناء واحدا يشد بعضه بعضا كما قال الرسول صلي الله عليه وسلم: المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا رواه البخاري.