قد لا تجد أبدا حياة تشبه حياة نيلسون مانديلا, فالرجل استحق بجدارة صفة الزعيم العالمي وأن يكون رمزا عالميا للحرية والمساواة والعدالة بعد حياة حافلة عاني خلالها الكثير إلا أنه صمد في مواجهة النظام العنصري بجنوب إفريقيا حتي تحقق حلمه في انهيار هذا النظام. ومؤخرا رحل مانديلا و ودعه العالم كله بمختلف أطيافه ممتنا ومشيدا بالدور الذي لعبه مانديلا وما قدمه ليس فقط لبلاده ولكن للعالم أجمع. وفي هذا الكتاب الذي بين أيدينا يقدم لويس هيلفاند جانبا من سيرة نيلسون مانديلا في قصة مصورة تصلح للنشء وللكبار معا بما يمثله مانديلا من قيم إنسانية ناضل من أجلها طوال حياته مثل قيم الصمود والقوة والتضحية والحرية, وحرية الفرد كأساس لحرية الوطن والتسامح مع الأعداء وقت الانتصار, وتيبدأ هيلفاند القصة من زنزانة سجن بيلمور, في فبراير1985, بعد أن مرت20 عاما علي الحكم علي مانديلا بالسجن مدي الحياة, طارحا السؤال للقارئ: هل كنت ستملك الشجاعة لتدافع عمن لا صوت لهم, وتكون صوته؟ وهل كنت ستملك القوة لفعل ما تؤمن بأنه الصواب.. أيا كانت العواقب؟ هل ستضحي بكل شيء.. حتي لو علمت أنك لست وحدك من سيعاني؟.. وأجاب مانديلا علي الأسئلة الصعبة مؤكدا عدم تنازله عن حريته أومبادئه. وينطلق الكتاب بعدها ليبدأ الرحلة من البداية منذ لحظات ميلاد مانديلا, ففي قرية مفيزو الصغيرة بجنوب أفريقيا ولد روليهلاهلا ذ ويعني الاسم ا مثير المتاعبب- ابن هنري مانديلا زعيم قبيلة ثمبو, وعمل الوالد مستشارا لزعماء القبائل عدة سنوات قبل أن يفقد لقبه وثروته بسبب خلاف مع الوالي المحلي للمستعمرة, وشكل ذلك بداية حياة جديدة للصغير روليهلاهلا الذي سيقلب في المستقبل مسار بلده ويؤثر بنضاله علي كل التواقين للحرية في العالم, ونجح مانديلا بعد معاناة في أن يصبح محاميا تحت التدريب, ثم فتح مكتب محاماة للدفاع عن حقوق الأفارقة, ثم انضم إلي المؤتمر الوطني الأفريقي الذي كان ينتهج سياسة اللاعنف. حتي جاء عام1948 الذي أعلن فيه قانون التفرقة العنصرية بين البيض والسود, فلم يسمح لغير البيض في السكن في أحياء واحدة معهم, أو ركوب الحافلات أو دخول المطاعم التي يرتادونها, كما كانت حرية التنقل من مكان لآخر مقيدة, فقام العمال السود بإضراب, لكنه قوبل بعنف, استمر طيلة خمسين عاما بعدها,واستطاع مانديلا بعد رفض من جانب المؤتمر الوطني الأفريقي إقناعهم بأن الوحشية لن تحل بسياسة اللاعنف, إلا أنهم كانوا قد استنفدوا كل الحلول السلمية, فخطط مانديلا لأول عمل تخريبي عام1961 وأصبح رئيسا للجناح العسكري للمجلس الأفريقي القومي في1962, واعتقل وحكم عليه لمدة5 سنوات بتهمة السفر غير القانوني, والتدبير للإضراب. وفي عام1964 حكم عليه مرة أخري بتهمة التخطيط لعمل مسلح والخيانة العظمي فحكم عليه بالسجن مدي الحياة,وخلال سنوات سجنه الثماني والعشرين, أصبح النداء بتحرير مانديلا من السجن رمزا لرفض سياسة التمييز العنصري في جميع أنحاء العالم, حتي أنه استطاع التأثير في سجانيه الذين قاموا بإضراب لتحسين أوضاعهم, وفي عام1990 خرج مانديلا ليضع مع دي كليرك اتفاقية لوقف القتال المسلح, ليضعا خلال شهور دستورا جديدا للبلاد, لم يطلب فيه السيطرة علي البلاد, لكن أن تكون ديمقراطية حقيقية تمثل فيها جميع الأطراف, وأصبح أول رئيس للبلاد في أول انتخابات تصوت فيها الأغلبية السوداء. خطط مانديلا لحياة هادئة بعد انسحابه من الحياة العامة سنة2004 وقال إنه يريد إمضاء المزيد من الوقت مع عائلته,لكن وفاة ابنه ماكغاثو بمرض الإيدز دفعت به إلي الحياة العامة من جديد وشارك فيما بعد في حملات بلاده لمقاومة مرض الإيدز. جاءت رسوم الكتاب بريشة: سانكا بانرجي- ترجمة: ندي أحمد قاسم- صدر عن هنداوي للتعليم والثقافة