غيّب الموت الزعيم الجنوب إفريقي، نيلسون مانديلا، بعد رحلة كفاح طويلة، قاد خلالها حركة تحرير بلاده من العنصرية، ليصبح رمزًا لحركات التحرر الوطني في القارة الإفريقية، ليرقد بسلام عن عمر يناهز 95 عامًا. وفيما أعلن الرئيس جاكوب زوما، الحداد الوطني وتنكيس الأعلام في جنوب إفريقيا، سادت حالة الحداد إلى عدد من المنظمات الدولية، وفي مقدمتها مجلس الأمن الدولي، الذي وقف أعضاؤه دقيقة صمت، حزنًا على "أيقونة" النضال الوطني في إفريقيا. وقال زوما، في خطاب وجهه إلى الأمة، في وقت متأخر من مساء الخميس، إن مانديلا، الذي صارع المرض طويلاً على مدار الشهور الماضية، "يستريح الآن في سلام"، وأضاف أن "أمتنا خسرت ابنها الأكبر.. لقد فقد شعبنا والده". «نشأة المناضل من أجل العدل والمساواة» في قرية مفيزو الصغيرة بجنوب إفريقيا ولد «روليهلاهلا مانديلا» في 18 يوليو 1918، ابن هنري منديلا زعيم قبيلة ثمبو. وعمل الوالد مستشارًا لزعماء القبائل عدة سنوات قبل أن يفقد لقبه وثروته بسبب خلاف مع الوالي المحلي للمستعمرة. وشكل ذلك بداية حياة جديدة للصغير روليهلاهلا، الذي سيقلب في المستقبل مسار بلده ويؤثر بنضاله على كل التواقين للحرية في العالم. «القروي ابن الحاكم» دفع فقدان هنري منديلا لقبه بالوالد إلى الانتقال بالعائلة كلها إلى كونو، وهي قرية أصغر تقع شمال مفيزو. عاشت العائلة في أكواخ وكانت تأكل من المحاصيل المحلية من الذرة والفول واليقطين وتشرب من مياه الجداول. كان منديلا، أول فرد في عائلته يدخل المدرسة، وقد أطلق عليه أحد أساتذته اسم «نلسون» بناء على العرف السائد حينها (يفرضه النظام الدراسي البريطاني على الأغلب). وفي سن التاسعة توفي والد منديلا، نتيجة مرض في الرئة ما أدى إلى قلب حياته رأسًا على عقب، فقد ودع الصغير حياته الهادئة في قرية كونو مع عائلته وانتقل إلى العيش مع حاكم شعب ثامبو جونجينتابا داليندييبو، الذي أراد من خلال تبني نيلسون مانديلا رد الجميل لوالده بعد أن زكاه رئيسًا لقبيلة الثامبو قبل سنوات. عاش مانديلا، في الإقامة الملكية وبسرعة تأقلم مع نمط الحياة في بلدته الجديدة مكيكيزويني. وكان له نفس وضع ومسؤوليات ابني الحاكم الآخرين الابن جاستيس والابنة نومافو. في سن السادسة عشر، ختن مانديلا وأقيمت له طقوس "الدخول في مرحلة الرجولة"، وقد سجل نجاحًا في دراسته وتميزًا في الجري والملاكمة. كان زملاؤه في المدرسة ينادونه «القروي» تهكمًا، ولكن ذلك لم يمنعه من ربط صداقات مع عدد من الطلبة من بينهم «ماثونا» أول فتاة يصادقها مانديلا. وتخرج مانديلا من جامعة جنوب إفريقيا بدرجة البكاليوريوس في الحقوق عام 1942، وأصبح عضوًا في الكونجرس الإفريقي عام 1944 كناشط في البداية، ثم كمؤسس، ثم كرئيس للمؤتمر الوطني الإفريقي الممتاز للشباب، وأخيرًا، وبعد سنوات السجن، استمر رئيسًا له. «نساء حياته» تزوج «مانديلا» ثلاث مرات، كانت الأولى من ايفلين نتوكو، التي طلقها عام 1958، وأنجب منها 4 أبناء، والثانية من ويني ماديكيزيلا، وطلقها عام 1996، والثالثة من جراسا مانديلا، التي لا يزال متزوجا بها حتى وفاته. زواجه الأول كان من إيفلين نتوكو سنة 1944، وكان سنه حينها لا يتجاوز السادسة والعشرين، وأثمر زواجه منها والذي دام 12 سنة عن أربعة أطفال هم «ماديبا، ماغاثو، ماكازيوي وماكي» بعد طلاقه بسنة واحدة في 1957، تزوج من ويني ماديكيزيلا التي أنجبت له بنتين «زياني وزندزيوا»، وقد استمر زواجهما حوالي أربعة عقود حتى انفصالهما سنة 1992 على خلفية فضيحة «خيانة» اتهمت بها ويني، وإدانتها بقضايا خطف والمشاركة في اعتداء. حيث وقع الطلاق بينهما سنة 1996. وفي سنة 1998 تزوج مانديلا من ماريز جراسا ماشيل، وهو في سن الثمانين، وكانت جراسا أرملة الرئيس الموزمبيقي الراحل سامورا جراسا. «قصته مع الإيدز» خطط مانديلا لحياة هادئة بعد انسحابه من الحياة العامة سنة 2004، وقال للصحافة إنه يريد إمضاء المزيد من الوقت مع عائلته. لكن وفاة ابنه ماكجاثو بمرض الإيدز دفعت به إلى الحياة العامة من جديد، عندما أعلن عن وفاة ابنه والمرض الذي أصيب به في وقت كان الإيدز ضمن الممنوعات الاجتماعية ولم يتردد «الماديبا» (كما يطلق عليه لتبجيله) في حث مواطنيه بجنوب إفريقيا على ضرورة الحديث عن هذا المرض، ورفع الحرج والخوف منه "والتعامل معه كمرض عادي". «صراعه الطويل مع المرض» ورغم تشخيص إصابته بسرطان البروستاتا عام 2001، فإنه اشترك في مفاوضات السلام في الكونغو الديمقراطية، وبوروندي، وباقي الدول الإفريقية والعالم. وفي عام 2004، عندما كان عمره 85 عامًا تقاعد مانديلا من الحياة العامة، ليقضي حياته مع أسرته وأصدقائه، ويحظى بالسكينة. وقال بروحه المرحة، محذرًا من يرغب في دعوته لحملات مستقبلية: "لا تتصل بي، أنا سأفعل". وبعد التقاعد الرسمي لمانديلا، ظهر للحياة العامة مرات قليلة، وفي نوفمبر عام 2010 أصدر مكتبه صورًا للقائه مع لاعبين في المنتخبات الأمريكي والجنوب إفريقي لكرة القدم. وفي نهاية يناير من عام 2011 نقل إلى مستشفى جوهانسبرج من أجل إجراء فحوصات خاصة، مما أعاد إلى ذهن رئاسة الجمهورية في جنوب إفريقية القلق من إصاباته السابقة بأزمات في التنفس. ثم نقل إلى المستشفى مرة أخرى في فبراير 2012، ووصف هذا المكتب الرئاسي بأنه "شكوى مستمرة في البطن". «للزعيم مانديلا عدة أسماء.. ماذا تعني؟» في الوقت الذي تعالت فيه الصلوات لأن يتجاوز الزعيم نيسلون مانديلا أزمته الصحية، قبل أن يغيبه الموت، لاحظ الكثيرون أن الابتهالات تشير إلى عدة أسماء ولكن الأمر يتعلق بمريض واحد هو نيسلون مانديلا. ففي الحقيقة فإن للزعيم عدة أسماء عرف بها، أشهرها هي «ماديبا»، وذلك بعد أن أطلق عليه اسم «روليهلاهلا» عند ولادته، وقبل أن تطلق أول مدرسة له اسم «نلسون». فإذا تقررت مناداته بجميع أسمائه، فسيكون اسمه «روليهلاهلا، نسلون، ماديبا، تاتا، كهولو، داليبهونجا».. فكيف أطلقت عليه تلك الأسماء وماذا تعني؟ «ماديبا»: هذا هو الاسم القبلي، في إشارة إلى القبيلة التي ينتمي إليها مانديلا وهو في جنوب إفريقيا، أهم من اللقب؛ لأنه يشير إلى عراقة وانتماء الشخص. «ماديبا» هو اسم حاكم إقليم ترانسكي في القرن الثامن عشر. وجرت العادة أن يتم اعتبار من يستخدم الاسم القبلي في جنوب إفريقيا علامة على رفعة الأخلاق. «روليهلاهلا»: هو الاسم الذي أطلق على مانديلا عند ولادته من قبل والده. ويعني باللهجة المحلية "قاطع الأغصان من الشجرة"، ويعني أيضًا على سبيل الدارجة "مثير المشاكل". «نلسون»: هو الاسم الذي أطلق عليه في يومه الأول في المدرسة من قبل مدرسته السيدة مدينجاني. وكان إطلاق أسماء إنجليزية على الأطفال الأفارقة عادة يتبعها الأفريكانز لتسهيل مناداة السود على المستعمرين البريطانيين. وليس معروفًا السبب الذي دفع السيدة مدينجاني إلى اختيار هذا الاسم. «تاتا»: هو اسم قبلي أيضًا يعني "الأب"، وهو من أكثر الأسماء المحببة لدى الجنوب أفريقيين. والكثيرون ينادونه بهذا الاسم بصرف النظر عن أعمارهم. «كهولو»: ينادي الكثيرون أيضًا مانديلا باسم "كهولو" والذي يعني "العظيم" و"الكبير"، وهو تصغير لاسم قبلي هو "أوباوومكهولو" الذي يعني "الجد". «داليبهونجا»: هذا هو الاسم الذي أطلق على مانديلا عندما بلغ سن 16 عامًا. وجرت العادة أن يقام طقس احتفالي عندما يبلغ الطفل هذا العمر في قبيلة مانديلا في علامة على النضج. ويعني الاسم "مؤسس المجلس" أو "قائد الحوار"، وكثيرًا ما يستخدم الاسم عند تحية مانديلا حيث تسمع الحشود وهي تهتف "آه داليبهونجا". كما عرف مانديلا بأسماء أخرى من ضمنها "الطفل الكبير" و"الجد" و"الأب الكبير"، فيما تناديه زوجته جراسا ماشيل، عقيلة الزعيم الآخر الراحل سامورا ماشيل، باسم "بابا".