يكتب وكأنه يريد اقتناص لقطة شاملة تحوي كل التفاصيل في اقل حيز ممكن من الكلمات.. بينما تضغط عين الاديب واحساسه علي زر الكاميرا لتلتقط مشهدا هو اقرب للكتابة الإبداعية عالمان يعيش فيهما شريف عبد المجيد: عالم الكتابة وعالم التصوير اربع مجموعات قصصية حازت احداها جائزة ساويرس للقصة القصيرة. وثلاثة كتب مصورة سجلت تاريخ فن الثورة الاول الجرافيتي وفاز عنها بجائزة معرض الكتاب ورغم ذلك يعتبر ما يكتبه او يصوره محاولة فقط للتعبير عما بداخله عبر خربشة علي جدران الحياة باسئلة وليست وسيلة للبحث عن اجابات اخيرا يستعد شريف عبد المجيد ليجرب مرة اخري ان يكتب شيئا مختلفا حيث يستعد لتقديم روايته الأولي والتي يراها أيضا حالة من التجريب ومشاكسة الواقع. عالمك الإبداعي يحوي قدرا من التنوع فأنت تكتب القصة وتمارس التصوير الفوتوغرافي وتعمل في الإعلام..أي تلك الأعمال تجد نفسك فيه؟ في كل تلك الأعمال اجد نفسي وامارسها كأني لا افعل شيئا سواها واعيش لها تماما في لحظة العمل نفسها ومتعتها, ولحظة البحث عن فكرة ما وحلم أري نفسي أحوله لواقع. وهناك نماذج عالمية ومصرية في ذلك الشأن وأذكر هنا مبدعا مثل خوليو كورتاثر فهو كاتب ومصور فوتوغرافي والمبدع الكبير صلاح جاهين الذي كان يرسم الكاريكاتير ويكتب الشعر والسيناريو ويشارك كممثل في بعض الأعمال الدرامية وهي نماذج فنية أقتدي بها. ألا يسبب لك هذا التنوع بعض الارتباك ربما يجعلك غير قادر علي الإخلاص لمشروع إبداعي أظن أن كل مبدع عليه أن يمتلكه؟ هذا التعدد لا يسبب لي أي مشكلة لان الأمر يتوقف علي نظرتك للفن والأدب والإبداع بشكل عام, فالأمر بالنسبة لي ليس سباقا في مجال معين وأنا أتعامل مع نفسي كهاو عندما أشعر أن هناك فكرة معينة تلح علي لأكتبها فانا اكتبها وحين أحن للتصوير فانا أقوم بذلك أما إعداد البرامج وكتابة السيناريو فهي مهنتي وعملي الذي اخترته لأنه به سمات الإبداع فالأمر بالنسبة لي هو متعة شخصية وفنية يشاركني فيها جمهور المعرض او قارئ الكتاب, وكل ما أريده هو توسيع مجالات الابداع لنفسي وكسر حالة التقوقع التي تبني بين كاتب في مجال معين وبين القارئ حتي أنني أهتم بالاضافة لذلك بالكتاب المصور وتقنيات عمله وهو مجال مختلف عن الكتب الادبية وتصوير المعارض وكتابة السيناريو أعمالك يغلب عليها الطابع الواقعي تماما البعيد عن الخيال الذي ربما يجنح له البعض هروبا أو رغبة في صنع واقع مختلف.. هل أنت متصالح مع عالمك أم تراه أكثر استحقاقا أن تكتب عنه؟ هناك مقولة ظهرت مع الثورة المصرية وكانت تكتب علي الجدران وهي أن الواقع تجاوز الخيال, وربما تستخدم كلمة عامية بديلا عن كلمة تجاوز وبها قدر كبير من السخرية, ولنا ان نتخيل أن شخصا من جيلي لم يكن يحلم بان يتغير أي رئيس لمصر بطريقة عادية ولكن في ثلاث سنوات فقط تغير رئيسان وهناك رئيس مؤقت سوف يتغير أيضا ويأتي رئيس جديد. عندما نجد مثلا في القاهرة شخصا يعيش في غرفة بحمام مشترك في إحدي العشوائيات, وآخر يعيش في نفس المدينة في كومباوند به حمامات سباحة في الصحراء وملاعب جولف وربما يعملان معا في نفس المكان بالطبع في وظائف مختلفة, ففكرة الواقع والخيال كما نعرفها تهتز, ولكن ما يشغلني هو مساحة التجريب والتجديد في كل قصة أكتبها. في مجموعة خدمات ما بعد البيع الحاصلة علي جائزة ساويرس كنت تكتب بشكل اقرب للتقليدية.. هل تري انك انتقلت لمساحة أخري في أعمالك اللاحقة؟ ما بين أول أعمالي المنشورة المجموعة القصصية مقطع جديد لأسطورة قديمة وبين آخر مجموعاتي جريمة كاملة وبينهما خدمات ما بعد البيع و فرق توقيت بالطبع هناك أختلاف من حيث الشكل والمضمون والتجارب. وأعتقد ان ذلك من طبيعة الأشياء, فقد مر علي صدور أول مجموعة أحد عشر عاما وقلت في مقدمتها إن صوت الناس يفني ولكن صوت الكاتب يبقي أبد الدهر. لقد كان لدي اليقين الرومانسي بأنني أشارك في تغيير العالم من خلال الكتابة ولكن مع الوقت اكتشفت ان الكتابة هي محاولة للتعبير وليس للأدلجة. ليست وسيلة لطرح الافكار والقضايا الكبري بل هي تعبير ذاتي فني في الأساس وبعده تأتي أهمية الأفكار وما تحاول أن تطرحه, هي محاولة لمشاكسة العالم واللعب معه وليست وسيلة للخطابة, هي محاولة للخربشة علي الجدران وإثارة الاسئلة وليست وسيلة للبحث عن إجابات. في مجموعة جريمة كاملة تتحدي نفسك في تكثيف الفكرة عبر أقل عدد من الكلمات لكتابة قصة متكاملة الاركان.. هل تري انك نجحت في هذا ولماذا اصلا هذا التحدي ؟ جريمة كاملة هي حالة خاصة جدا في مشواري الابداعي, قد أصدرتها منذ ثلاث سنوات في ذروة اهتمام النقد بالأعمال الروائية وفي ظل حديث عن موت فن القصة القصيرة. ومن هنا كانت المتعة الحقيقية ان أسبح ضد التيار السائد وخارج ما تطرحه دور النشر وقوائم البيست سيلر. فكرت في جمع كل ماكتبته من قصص قصيرة جدا في عشر سنوات وعملت علي هذه القصص بالحذف والإضافة حتي وصلت لاختيار مائة قصة من مائة وخمسين قصة وفكرت فيطرح المجموعة التي نالت تقديرا نقديا متميزا أعتز به. الجانب الأخر من إبداعك هو التصوير الذي يبدو انك تمارسه ليس فقط من قبيل الهواية بل باعتباره مشروعا اخر تراهن عليه كثيرا.. هل هذا حقيقي ؟ التصوير الفوتوغرافي أصبح بالنسبة لي طريقة للتفكير. يستوقفني مبني أو لقطة لحركة الناس في الشارع فأجد نفسي أفكر في نوع العدسة المناسبة لالتقاط هذا المشهد والجو النفسي المناسب لحالة اللقطة وما هو نوع الإضاءة. لقد أصبح لغة جديدة تعلمتها, مفرداتها محبة عناصر التكوين وجماليات الصورة, فأنا مصور شارع, التصوير هو لغة محاورتي مع الناس وأحوالهم عبر حيطانهم ويومياتهم وأماكنهم. فالتصوير في احد تعريفاته هو الرسم بالنور وهكذا فأنا أرسم بالصورة واكتب بها. لديك مشروع خاص عن فن الجرافيتي فيما يشبه التأريخ الحقيقي له عبر ثلاثة كتب متميزة.. كيف التقطت عيناك الفكرة وتعاملت معها؟ في بداية ثورة25 يناير لاحظت وجود فن الجرافيتي. وكنت قد انتهيت من الجزء الاول الذي يصور جرافيتي القاهرة والإسكندرية بعد أحداث مجلس الوزراء ونشرته بالهيئة المصرية العامة للكتاب, وكان بعنوان أرض أرض ثم فكرت في تتبع الجرافيتي في المحافظات المصرية, وكان الجزء الثاني بعنوان مكملين. وأثناء عملي وجدت رسوم الاولتراس في المحافظات المختلفة مثل اولتراس اتحادوي الاسكندرية- وييلو دراجون- الإسماعيلية بالإضافة لاولتراس الزمالك والاهلي. ومن هنا جاءت فكرة كتاب الحرية جاية لابد وقد عملت هذه الكتب قبل ان يكون هناك جائزة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب للتصوير الفوتوغرافي وكانت هذه الجائزة مصدر سعادة كبير لي لانها جائزة عن توثيق بصري لثورة يناير وهو ما يمثل شرفا كبيرا لي كمصور.