لم يكن تكرار نشر مقالات البرلماني الهولندي التي استهدفت النيل من شخص الرسول بإحدي الصحف الهولندية أخيرا مفاجأة للكثيرين, فقد اعتادت أمتنا علي مثل هذه الفواجع حتي تبلدت المشاعر. والمواقف الرسمية المتخاذلة ساعدت علي استمرار هذه الإساءات, وأوجدت حالة من عدم الاكتراث بما يصدر عن المسلمين من ردود أفعال, وفي كل مرة يتفاعل قادة الرأي مع القضية ويضعون المشاريع والمقترحات, يطبق بعضها ويطوي أغلبها النسيان, ومع الوقت بدأت الجذوة التي اشتعلت تخبو ولم نعد نري متابعة وتجديدا لما بدأه البعض وأصبحت قضية نصرة النبي والدفاع عن الإسلام محصورة في بعض المواقع الالكترونية التي تحتاج في أغلب الأحيان إلي تحديث محتوياتها. من جانبهم, طالب علماء الدين, باتخاذ الإجراءات الكفيلة بإيقاف الإساءة إلي رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم جميعا, وطالبوا المسلمين أيضا بأن يعبروا عن رفضهم لهذه الإساءة والانتصار للرسول صلي الله عليه وسلم, باستخدام القانون الدولي لتجريم الإساءة, واتباع أخلاق النبي وتقديم أنموذج قوي للمسلم سياسيا واقتصاديا وأخلاقيا, وتبني إستراتيجية إعلامية ودعوية لمخاطبة الغرب. وأكد العلماء أن ما أقدم عليه النائب الهولندي جيرت فيلدرز هو ضمن سلسلة دعوات تتردد في بلاد الحرية كثيرة ومتكررة منها اضطهاد المسلمين والتعدي علي حرية المسلمات في ارتداء الزي الإسلامي والتطاول علي الرسول الكريم ورسمه في صور مسيئة أو مطالبة السلطات بمنع المصاحف. وقال الدكتور شوقي علام, مفتي الجمهورية, إن ما أقدم عليه النائب الهولندي جيرت فيلدرز عضو البرلمان ورئيس حزب من أجل الحرية من الإساءة إلي الإسلام هو أمر مشين ومرفوض, يعبر عن روح ضيقة وغير متسامحة, كما أنه يمثل استفزازا للمسلمين في العالم, ويعبر أيضا عن عنصرية وتطرف وتحريض ضد المسلمين, ويسهم في زيادة الهوة بين الحضارات والثقافة ويشيع روح الكراهية بين مختلف الشعوب, كما أن إصرار هذا النائب وأمثاله علي إهانة الأديان وازدرائها يضع المؤسسات الحامية للقيم الغربية علي المحك إذ كيف تسمح بمرور مثل هذه الأفعال المستهجنة دون أدني تعليق؟! أما عن سبل المواجهة فإن المؤسسة الدينية في مصر ممثلة في الأزهر الشريف, ودار الإفتاء المصرية لا تألو جهدا في محاولة التواصل مع الغرب لتوضيح الصورة الحقيقية للإسلام, وتقديمها بعيدا عن الخطاب الإعلامي المغلوط المنتشر داخل الأوساط الغربية, وأيضا محاولة مخاطبة تلك الدول والمنظمات الحقوقية الدولية بالتصدي لمثل هذه الانتهاكات العنصرية التي ترسخ الكراهية والعنف بين الشعوب. آلية للدفاع عن الإسلام وحول سبل مواجهة حالة العداء ضد الإسلام من البعض في الخارج, أوضح المفتي أن ديننا الحنيف يرفض إقامة الحواجز بين المسلمين وغيرهم, وإنما دعاهم وحثهم علي ضرورة الاقتراب من الآخر بقلوب مفتوحة وبقصد توضيح الحقائق وإزالة اللبس والفهم الخاطئ, هذا التعاون مع الآخر يأتي من خلال فتح قنوات اتصال بين الجميع لأن فقدان التواصل يعني غياب الحوار أو انعدامه, وهذا يأخذنا إلي محور آخر حث عليه الإسلام وهو إشاعة ثقافة الحوار وأدب الاختلاف, والبحث عن نقاط الاتفاق أو ما يسمي المشترك بيننا وبينهم, وتجنب الخلاف ومحاولة التغلب عليها, فالعالم أحوج ما يكون إلي منتديات تعين علي حوار حقيقي يراعي التعددية الدينية والتنوع الثقافي والتقارب لا التنافر والتنابذ والتشاحن. وأضاف: نحن في حاجة ملحة إلي أن ندفع الاهتمام بموضوع تصحيح صورة الإسلام وتعزيز العلاقات مع الغرب بين شرائح ومكونات المجتمع الغربي خاصة الشباب ونستفيد من الجاليات الإسلامية والدارسين في الغرب الذين يمكنهم أن يلعبوا دورا إيجابيا في دعم تحسين صورة الإسلام في الغرب, ويمكننا أن نوجد دورا مستقبليا في دعم هذا التوجه من قبل الجامعات في أوروبا وأمريكا, وقد قامت دار الإفتاء بحملة للتعريف بالإسلام ونبيه صلي الله عليه وآله وسلم من قبل, ولتصحيح الصورة النمطية المشوهة عن الإسلام في الغرب, وندعو الغرب كذلك إلي استقاء المعلومات عن الإسلام من أهل العلم الراسخين وهم علماء الأزهر, فالأزهر ودار الإفتاء مهمتهما التواصل مع العالم وبناء جسور التواصل والتفاهم المشترك دون أن يعني ذلك أن يعتنق غير المسلمين الإسلام; لأن الله قال في كتابه الكريم: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر, أما مهمة الأزهر ودار الإفتاء فهي الحوار والتواصل والتوضيح إن شاء الله. الجهل بحضارة الإسلام ويري الدكتور محمد سعدي, الأستاذ بجامعة الأزهر, أن الدافع الأكبر لتحريك مثل هذه الهجمات في هذه الآونة هو ما يسمي( إسلاموفوبيا) وخوفهم من أن تعود هذه الأمة إلي ريادتها الحضارية مثل التي كانت لها في الماضي, فيسيطر عليهم هاجس انتقال القوة والريادة من الغرب الذي كانت له السيطرة طويلا علي الحضارة الإسلامية, لأن الحضارات عندهم قائمة علي التصارع والصدام, وأن الحضارات في العالم لا تتجاور وتتعايش بل تتصادم. وأضاف: العلاج يتمثل في الآية القرآنية الكريمة:( وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور), فعلي الأفراد من جماعة المسلمين الصبر, والصبر يعني ضبط النفس, وقوة الاحتمال, فلا يغلب علينا الاندفاع ونقع في حماقات بل علي الأفراد ضبط النفس والصبر وكتم الغيظ, واستثمار مثل هذه الأحداث في تعريف الناس بالإسلام المفتري عليه, والالتجاء إلي القوانين سواء رفع قضايا علي الجناة, أو الإبلاغ عن الصفحات المسيئة لكي يتم إيقافها في شبكات التواصل وإلي غير ذلك من الوسائل, فهذا مما يفوت الفرصة عليهم, والاندفاع سيؤكد صحة هذه الأكاذيب, والمفسدة لا تدفع بمفسدة أكبر منها, فالصبر حينئذ من عزائم الأمور. أما دور المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي مثل وزارات أوقاف العالم الإسلامي والجامعات الدينية والمعاهد العلمية فيجب أن يكون من أهم اختصاصها الدفاع عن الإسلام ونبيه والقيام بهذا الدور والاضطلاع بتبعاته, وتمكين العلماء من القيام بواجبهم ومساعدتهم عليه مشددا علي ضرورة أن يكون للشركات والأغنياء من المسلمين دور دعم مثل هذه الجهود من اجل خدمه الإسلام ونبيه. وطالب بضرورة أن يكون للحكومات دور عن طريق الاحتجاجات الدبلوماسية, واتخاذ القرارات السياسية المناسبة لكل حالة, والعمل علي محاكمة المسيئين, موضحا أن ذلك سيكون ردعا لمن أساء وزجرا لغيره, فهذا واجبهم أمام الله وشعوبهم. وطالب بضرورة سن قانون دولي يمنع العبث في معتقدات المسلمين, ويضفي علي شعائر المسلمين القداسة والاحترام, ولاسيما أن المسلم مأمور في دينه بعدم التعرض لمعتقدات غير المسلمين بالسب والاستهزاء لقوله تعالي:ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم الأنعام/108, فمن حقه أن يعامل بالمثل وأن يلقي الاحترام وعدم الاعتداء من الآخر.