الرؤساء يحلمون بالزعامة, ولكن الزعماء لا تعنيهم الرئاسة في شيء, هذا ما أكده الزعيم نيلسون مانديلا الذي رحل عنا منذ أيام, فقد ترك رئاسة جنوب أفريقيا باختياره بعد فترة رئاسة واحدة من عام1994 وحتي1999, ولكنه ظل زعيما حقيقيا لبلاده بل وللعالم, كرجل عاش من أجل مبادئ الحب والتسامح والخير والسلام والحرية والكرامة والديمقراطية. ولنا أن نفتخر أن مصر كانت ملهمة زعماء العالم في القرن العشرين بأبنائها العظماء, فالزعيم الهندي غاندي أستلهم من الزعيم سعد زغلول ومن ثورة19 في مصر روح الكفاح ضد الاستعمار الإنجليزي الذي كان يحتل الهند أيضا. وكذلك نيلسون مانديلا استلهم مقاومة الاستبداد من الزعيم جمال عبد الناصر الذي اعتبره مانديلا الهرم الرابع في مصر, وأنه مثل نهر النيل في مكانته وعظمته, وفي كلمته عند تكريمه بجامعة القاهرة عام1995, ذكر مانديلا أنه كان يرفع رأسه وهو في أطراف القارة الجنوبية كي يراه عبد الناصر, حيث كان ناصر قائدا للنضال الوطني في افريقيا كلها. وتمثلت المعجزة الأخلاقية التي حققها مانديلا في نقل بلاده إلي عصر الحرية والمساواة بطريقة ديمقراطية سلمية, بينما كانت جنوب افريقيا مرشحة وبقوة للدخول في نفق مظلم من الحرب الأهلية, وبحور من الدم والعنف والخراب. وتجسدت بطولة الزعيم مانديلا في تحويله مجتمع يقوم علي التفرقة العنصرية واسوأ درجات العبودية وإزهاق الكرامة الإنسانية, إلي مجتمع حر يسود فيه الاحترام بين الجميع ويتمتع فيه الأسود والأبيض معا بحقوق وواجبات متساوية. ويظل الأسلوب الأمثل لتكريم مانديلا أن نسير علي دربه ونكمل رسالته, وأن يبقي في حياتنا كزعيم في زمن عز فيه الزعماء. فإذا انتهت حياة مانديلا فمازالت القيم التي عاش من أجلها تتطلب أن ندافع عنها, فعالمنا الذي نعيش فيه الآن يموج بالصراعات والحروب التي لا تحتاج إلي مانديلا فقط, بل إلي ألف مانديلا, وليتنا جميعا نقتدي بنيسلون مانديلا كي ينتشر ويستقر السلام في العالم. لمزيد من مقالات د. عبدالغفار رشدى