إن من نافلة القول أن يقال: إن هؤلاء الصغار هم رياحين تمشي علي الأرض, وقد سبقني إلي وصفهم بذلك رسول الرحمة صلوات الله وسلامه عليه. حيث دخل عليه أبو أيوب الأنصاري والحسن والحسين يلعبان بين يديه, فقال: يا رسول الله أتحبهما ؟, قال: وكيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا أشمهما, وقد روي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أحاديث كثيرة توجب الرحمة بهؤلاء الرياحين, وتأمر باللعب معهم, والنزول إلي مستواهم في التفكير ليأنسوا بمن يخالطهم, ويعتبر ذلك من قبيل الرحمة, من هذه الأحاديث: ما رواه أبو هريرة قال: قبل رسول الله صلي الله عليه وسلم الحسن بن علي, وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا, فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحدا منهم, فنظر إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم, ثم قال: من لا يرحم لا يرحم, وروي عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يدلع لسانه للحسين, فيري الصبي حمرة لسانه فيهش إليه, فقال له عيينة بن حصن بن بدر: ألا أري تصنع هذا بهذا؟, والله يكون لي الابن قد خرج وجهه وما قبلته قط, فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: من لا يرحم لا يرحم, ومعني يدلع لسانه: أي يخرجه, وروي عن عائشة قالت: جاء أعرابي إلي النبي صلي الله عليه وسلم, فقال: تقبلون صبيانكم ؟, فما نقبلهم, فقال النبي صلي الله عليه وسلم: أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة, وروي عن أسامة بن زيد قال: كان النبي صلي الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني علي فخذه, ويقعد الحسن علي فخذه الأخري, ثم يضمنا ثم يقول: اللهم إني أرحمهما فارحمهما, والرحمة بهذه الرياحين ليست في مجرد تقبيلهم وحملهم, وإنما الرحمة بهم تتمثل في الدخول إلي عالمهم, ومشاركتهم لهوهم ولعبهم, والرفق بهم, وإيناسهم بالحديث, ونحو ذلك, فقد روي عن أنس رضي الله عنه قال: ز كان رسول الله صلي الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا, وكان لي أخ صغير يقال له أبو عمير, فكان إذا جاء رسول الله صلي الله عليه وسلم فرآه قال: يا أبا عمير ما فعل النغير, فكان يلعب به, والنغير: طائر صغير ذو منقار أحمر كان يلعب به أبو عمير, وقد سبق أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يخرج لسانه للحسين رضي الله عنه علي سبيل المداعبة والملاعبة, وروي عن أبي سفيان القتبي قال: دخلت علي معاوية وهو مستلق علي ظهره, وعلي صدره صبي أو صبية تناغيه, فقلت: أمط هذا عنك يا أمير المؤمنين, قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: من كان له صبي فليتصاب له, ومعني هذا أن من كان له ولد صغير ذكر أو أنثي فليتصاب له بلطف ولين في القول والفعل, ويدخل علي قلبه السرور والفرح, وقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يمكن الحسن والحسين من اعتلاء ظهره وركوبه حتي وهو في حال صلاته, ويرفق بهما عند الرفع من السجود حتي لا يؤذيهما, إذ روي عن أبي هريرة قال: كنا نصلي مع رسول الله صلي الله عليه وسلم العشاء الآخرة, فإذا سجد وثب الحسن والحسين علي ظهره, فإذا رفع رأسه أخذهما من خلفه أخذا رفيقا, ويضعهما عن ظهره, فإذا عاد عادا حتي قضي صلاته أقعدهما علي فخذيه, فقمت إليه فقلت: يا رسول الله أردهما ؟, فبرقت برقة, فقال لهما: الحقا بأمكما, فمكث ضوؤها حتي دخلا علي أمهما, وروي عن جابر قال: دخلت علي النبي صلي الله عليه وسلم وهو يمشي علي أربع, وعلي ظهره الحسن والحسين رضي الله عنهما, وهو يقول: نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما, بهذه النماذج من الرحمة بالصغار ينبغي أن نقتدي, وأن نتبع نهج المصطفي صلي الله عليه وسلم في الدخول إلي عالمهم, لتنشأ بيننا وبينهم جسور من الحب والألفة والمودة, وصدق رسول الرحمة صلي الله عليه وسلم إذ يقول: ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا.