إنه الفن الثوري.. فن الشوارع وأمكنته دوما علي جدران الأبنية التي ينشر عليها بسلاح الاسبراي وفرشاة الطلاء والألوان الطباشيرية والأقلام الفسفورية.. ولكن ربما ينعت الجرافيتي البعض بصفات قد تكون فيهم وقد لا تكون.. المهم أن الجرافيتي يثور ويفور ويعبر عن الغليان السياسي والأوضاع المحتدمة وعدم الثأر للشهداء غالبا في حالة ثورتنا.. ولكن ولأننا نريد أن نقدم صورة واقعية لتقييم الجرافيتي بما له وما عليه فالحقيقة تقول إنه بالرغم من أننا شعب اشتهر بسخريته العبقرية التهكمية وأن الرجال يعتبرون استخدام الألفاظ الفجة في معظم الأحيان مرجلة وجرأة إلا أن نفس هؤلاء الرجال يكرهون أن تري زوجاتهم وأطفالهم أو يسمعوا الشتائم والبذاءات أو استخدام الشاشات والجدران كوسيلة لنشرها. ذلك من وجهة النظر الاجتماعية التي جعلت الكثيرين يعترضون علي باسم يوسف وجماهيره.. وإن كأن الفن والحرية لهما تقييم آخر تماما لا علاقة له سوي بالفكرة المتمثلة في الحرية, فنري الأمر قد تطور بقوة منذ بدأ انتشار فن الجرافيتي في مصر منذ بدء ثورة يناير فنري التطور متلاحقا بنبض وقوة الثورة ليعلو مع جرافيتي شارع محمد محمود وعلي أسوار الجامعة الأمريكية وجدران بعض العمارات وأسوار المدارس وآيات القرآن المعبرة والرسوم شبه الفرعونية الجنائزية وغيرها من رسوم مثل قناع الحرية لفنان اشتهر باسم الجنزير إلي الجرافيتي علي الحاجز الخرساني لتتحول جدران وسط البلد معرضا فنيا ثوريا. وفي طريق الجرافيتي للأسف وجدنا ألف عائق وعائق ومقاومة لنشره بمحوه, مرة من قبل السلطة وربما مرات أخري ومرات من أصحاب التيارات الفكرية المناوئة.. والعوائق ليست فقط بطلاء أو بوية تمحو الرسم ولكن بالقبض علي كثير من رسامي الجرافيتي, والتهمة الجاهزة دائما هي توزيع منشورات ولصق لوحات علي الأملاك العامة.. ولكن العجيب أن تلك التهمة موجودة في القانون الانجليزي إن لم تستأذن في الرسم علي جدار لا يخصك أو منشأة عامة!! ومن فروع الجرافيتي تلك الاسطنبات التي تحمل وجوه مينا دانيال والشيخ عماد وغيرهما ممن فقدوا أرواحهم أو فقئت عيونهم كأيقونات ثورية يتم نشرها علي الجدران وأرضيات الميادين.. بل إن الأمر تعدي الملصقات والرسوم ليتحول إلي بيارق وأعلام بعد توثيق وتصوير رسوم الجرافيتي وطبعها عليها لتصير شعارات بالأيدي السلمية والمقاومة بالكلمة والرسم ذلك أن تحقيق أهداف الثورة المستمرة لن يأتي بالتفجير والاغتيال وإلا ما كانوا من الأصل قد استخدموا الخط والحرف وقاوموا بالجرافيتي!! ولأن شريف شوقي من ابرز فناني الجرافيتي الذين اشتهروا برسومهم القوية وأفكارهم الجريئة فقد قال لي: الجرافيتي هو الصوت الذي يقاوم الضغط علي المجتمع للدرجة التي تجعله رسالة بطريقة غير مرغوب فيها أو بدون إذن صاحب المكان. وقد بدأت في ميدان التحرير بجرافيتي كلنا مصريين في مارس2011 بعد شعوري بأن الفرقة قد دبت وحين ذاك أدركت أن الكلام لن يجدي بما يحتويه من جدل يصل إلي حد السفسطة, أما الجرافيتي فهو تلك الفكرة أو الجملة الواقعية التي لا تحتمل النقاش أو المجادلة وتصل في لحظات إلي الوجدان, ولهذا أدركت القوة الثورية والسياسية وقيمته الكامنة في خلق الحراك وبدأت ارسم في الشوارع الصامتة والمجروحة, وكأن لي نظرة مختلفة ربما في أن اكتفي بتقديم فكرة يكون بها النور والأمل في نفس الوقت, وكان لي عظيم الشرف بعمل أول جرافيتي متحرك في العالم مع الرائع جمال فودة.