نهائي أبطال إفريقيا - ضربة مؤلمة.. الأهلي يفقد علي معلول في الدقائق الأولى    نوران جوهر تتوج ببطولة CIB العالمية للإسكواش    تنفيذ 31 قرار غلق وتشميع لمحال وحضانات ومراكز دروس خصوصية مخالفة    نيويورك تايمز: غزو إسرائيل مدينة رفح لن يساعدها فى حربها ضد حماس    صحيفة: نهج واشنطن فى فرض رسوم جمركية مرتفعة على الصين قد يأتى بنتائج عكسية    واشنطن بوست: أوكرانيا تصارع الزمن قبل برد الشتاء لإصلاح شبكة الطاقة المدمرة    محصول الخير.. تموين سوهاج: توريد 82 طن قمح للصوامع والشون    الإسكان: استكمال رصف محور كليوباترا الرابط بين برج العرب الجديدة والساحل الشمالى    22 لاعبا فى قائمة الإسماعيلى استعدادا لمواجهة بيراميدز بالدورى    تفاصيل مسابقات بطولة البحر المتوسط فى الإسماعيلية بمشاركة 13 دولة    مصرع طفل صدمته سيارة أثناء لعبه بالإسكيت فى مدينة العاشر من رمضان    فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي.. فيديو    وزيرة الثقافة وسفير كوريا الجنوبية يشهدان انطلاق الأسبوع الثقافي الكوري    أستاذ قانون عن عدم تقدم العرب بدعوى ضد إسرائيل في "العدل الدولية": تكتيك عربى    مكتب نتنياهو: إذا كان جانتس يفضل المصلحة الوطنية يجيب عن الأسئلة الثلاثة    4 أبراج أساتذة فى حل المشاكل العاطفية.. الجدى والحمل الأبرز    وزارة الحج: دخول السعودية بتأشيرة عمرة لا تمكن حاملها من أداء الحج    الأطعمة المصنعة السبب..الإفراط في الملح يقتل 10 آلاف شخص في أوروبا يوميا    صحتك بالدنيا.. لطلاب الإعدادية.. هدى أعصابك وزود تركيزك فى فترة الامتحانات بأطعمة مغذية.. وأخطاء غذائية شائعة تجنبها فى الموجة الحارة.. كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على قلبك؟.. طرق الوقاية    جامعة طنطا تعالج 6616 حالة بالقرى الأكثر احتياجا ضمن "حياة كريمة"    مطالبة برلمانية بكشف سبب نقص ألبان الأطفال    الشهابى: الشعب المصرى يقف خلف القيادة السياسية لدعم القضية الفلسطينية    أدعية مستحبة خلال مناسك الحج.. تعرف عليها    رئيسا روسيا وكازاخستان يؤكدان مواصلة تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    تراجع كبير في أسعار السيارات بالسوق المحلية.. يصل ل500 ألف جنيه    قبل مناقشته ب«النواب».. «الأطباء» ترسل اعتراضاتها على تأجير المستشفيات لرئيس المجلس    كبير الأثريين: اكتشاف آثار النهر بجوار الأهرامات حل لغز كيفية نقل أحجارها    تعديل مواعيد مترو الأنفاق.. بسبب مباراة الزمالك ونهضة بركان    مدير «القاهرة للدراسات الاقتصادية»: الدولة تسعى لزيادة تمكين القطاع الخاص    موعد عيد الأضحى ووقفة عرفات 2024 في مصر.. ومواعيد الإجازات الرسمية يونيو 2024    خسر نصف البطولات.. الترجي يخوض نهائي دوري الأبطال بدون مدرب تونسي لأول مرة    مهاجم الترجي السابق يوضح ل "مصراوي" نقاط قوة وضعف الأهلي    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    وزير الأوقاف يوجه الشكر للرئيس السيسي لاهتمامه بعمارة بيوت الله    مصير تاليسكا من المشاركة ضد الهلال في نهائي كأس الملك    نموذج إجابة امتحان اللغة العربية للصف الثالث الإعدادي محافظة الجيزة    منها تعديل الزي.. إجراءات وزارة الصحة لتحسين الصورة الذهنية عن التمريض    إطلاق أول صندوق للطوارئ للمصريين بالخارج قريبًا    من بينهم أجنبى.. التحقيقات مع تشكيل عصابى بحلوان: أوهموا ضحايهم بتغير العملة بثمن أقل    شركات السياحة تنهي استعدادها لانطلاق رحلات الحج    وزير التعليم ومحافظ بورسعيد يعقدان اجتماعا مع القيادات التعليمية بالمحافظة    كوكا يقود تشكيل ألانيا أمام سامسون سبور في الدوري التركي    تاني تاني.. تغيير جلد ل غادة عبد الرازق وأحمد آدم    مطار ميونخ الألماني: إلغاء 60 رحلة بسبب احتجاجات مجموعة "الجيل الأخير"    معلومات عن متحور كورونا الجديد FLiRT .. انتشر أواخر الربيع فما أعراضه؟    هام لطلاب الثانوية العامة.. أجهزة إلكترونية ممنوع دخول لجان الامتحان بها    حبس المتهم بسرقة مبالغ مالية من داخل مسكن في الشيخ زايد    حزب الله يعلن استهداف تجمعا لجنود الاحتلال بثكنة راميم    ارتفاع حصيلة قتلى حادث إطلاق النار بوسط أفغانستان إلى 6 أشخاص    عاشور: دعم مستمر من القيادة السياسية لبنك المعرفة المصري    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حالة طوارئ
نشر في الأهرام اليومي يوم 26 - 10 - 2013

غرفة علي الممر انفتحت البوابة الإلكترونية بمجرد مشاهدتي لأعبرها في طريقي إلي المصعد, حيث اندفعت خارجة مع دفقة الزملاء المغادرين له في الدور الرابع لأتخذ طريق اليمين أطوي في مساري مع خطواتي السريعة النوافذ المطلة علي الحجرات المقسمة بمكاتب الصحفيين.
وما أن قادني الممر الطويل في نهايته للاستدارة لليسار حتي تركت بابا وآخر وسارعت لأفتح الثالث بأمل أن أجدها تهرع ناحيتي من خلف مكتبها للقائي كعادتها مهللة بترحاب صاخب لم يكن يجيد حبكته سواها.. أهلا.. أهلا.. و..يرفض مقود الباب مطاوعتي.. الغرفة مظلمة. ساكنتها انتقلت لعالم آخر.. واحشاني. واحشاني. بهيرة مختار!
تسلم الأيادي
مكث لمدة يومين مختبئا فوق سطح العمارة وأصبعه علي الزناد في وضع الاستعداد للتصويب. أشعة الشمس الحارقة أكلت فروة رأسه, وطلع القمر واستدار بدرا في كبد السماء ليسكب نوره بمساحات غير متساوية فوق غابة أطباق الدش, وسارع بالاختباء خلف خزان المياه المفتوح للهواء إثر صعود إحدي الشغالات لنشر غسيل الأسياد, ولم يخرجه من سرحة مراقبتها تنثني وتنفرد وتعصر بكلوة يديها إلا بعدما أخرجت المشبك من بين أسنانها لتثبت طرفي الملاءة بطول الحبال لتدندن: تسلم الأيادي.. لحظتها توتر أصبعه السبابة ليضغط علي الزناد!!
العودة!
دخل الحارة ووجهه مغطي بالدماء فألقي سلاما مبتورا علي شلة الجالسين, فرفعوا تجاهه وجوها مغطاة بالدماء, ليتركهم صاعدا درجات السلم الحلزوني حتي باب السطح, لتفتح له زوجته الباب بوجه مغطي بالدماء!!
ناسبنا الحكومة!
فز قوم يا روح أمك الإيد البطالة نجسة.. قدامي افرد طولك وتيمم مافيش وقت للوضوء يادوب تلحق خطبة الجمعة الميري المنزوع دسمها بأوامر وزير الأوقاف, وشوف لك مسيرة تهتف فيها يسقط يسقط وتلعن أبو الانقلاب, وبلاها المرة دي مرسي, وبلاها الشرعية, وبلاها المؤقتة كمان ما احنا خلاص ناسبنا الحكومة, وفضيلة الشيخ قال نركز من النهاردة علي السيسي والخارطة وصوابع رابعة وشهداء النهضة وبتوع الخمسين والانقلابيين واللي ما يتسمي حمدي رزق والطيب وتواضروس, وماتنساش تاخد أختك معاك عيني عليها باردة, واكفي القدرة علي فمها تطلع البت لأمها, لهلوبة يفط وهتاف وشم غازات وسخسخة من أبو لمس, وفي لمح البصر تغسل دماغها من الصبغة الحمراء لزوم كاميرات الجزيرة.. قوم يا ابني قالوا الفلوس جت.. عايزين نكمل جهاز أختك!
المعرفة
التعليم في الصغر كالنقش علي الحجر:
يا ماما أنا عاوز أعرف إيه الجلاء والاستعمار.. دول كلمتين نفسي أفهمهم مخليين عقلي محتار؟!
- افرض يا ابني ناس دخلوا علي جنينتنا بتاعة الدار.. دخلوا لنا فيها كده وقعدوا وقطفوا كل الأزهار..
ده أنا كنت حالا أطردهم وأجري وراهم بالمشوار.
- أهو ده يا ابني الاستعمار.
طب والجلاء؟
- أما الجلاء أقول لك معناه هو خروج كل الأشرار من الجنينة وصحن الدار والجوار..
طيب يا ماما أنا عاوز أعرف الفرق ما بين الألتراس و6 أبريل وأخي المعتقل والتحالف الوطني لدعم الشرعية والشراكة الوطنية؟!!
- كلهم يا روحي عيلة واحدة أمهم بتطبخ لهم هنا وأبوهم مسافر شوية في قطر وشوية في اسطنبول وشوية في لاهور بيبعت لهم الفلوس واطبخي يا عبدة كلف يا سيدي.
طيب يا ماما والفرق ما بين الإخوان وحماس والقاعدة؟!
- جيبهم واحد وحبيبهم واحد وقرضاويهم واحد ومسدسهم واحد وغدرهم واحد وعنفهم واحد وكذبهم واحد وحسابهم عند الإله الواحد..
ليه يا زياد؟!!
ليه يا زياد؟!.. ليه يا زياد الدين؟!.. ليه يا دكتور؟!.. ليه يا ابن الغالي هذا الكلام اللي مايجيبشي مصاريفه اللي جه علي لسانك بالأمس أمام ممثلي الأحزاب والحركات السياسية بشأن رفضك لقانون التظاهر جملة وتفصيلا, ومن حيث المحتوي والمضمون والتوقيت الذي تراه أيضا غير مناسب ومتي بالله يكون مناسبا وملحا وضروريا أكثر منه الآن؟!! مشيرا عن ضرورة إعلان رأيك هذا في اجتماع مجلس الوزراء المقبل, ووجوب الانتظار وموتوا يا حمير لعرض مثل هذا القانون وأي قوانين مشابهة أخري لحين إجراء الانتخابات وتشكيل البرلمان بضفتيه أو بالضفة الواحدة وذلك بحجة الحرية والكرامة الإنسانية ومكتسبات ثورة يناير.. أي يبقي الحال كما هو عليه!!!.. أي لتبقي أبواب الفوضي مفتوحة علي مصاريعها, ولتكتمل بنود الأجندة الإخوانية لتفتيت الدولة وتقسيمها وإرهابها وتعطيلها وإفلاسها وتشفيرها وتعتيمها وتكبيلها وتفجيرها وحرق محول سدها العالي, وترصد مطارها وقنالها, وشل مواصلاتها وتوقيف قطاراتها وترويع جامعاتها وغلق مسارحها وتسريح سياحها وإطفاء أنوارها إلي ما بعد الانتخابات وانعقاد البرلمان الذي ولابد أن يكون تبعا لما يجري علي الساحة من مواءمات غالبية أعضائه كلاكيت للمرة الثانية من تتار الإخوان الذين ينفذون توصيات مؤتمرهم العالمي الذي عقد أخيرا في لاهور بباكستان بإنشاء ما يسمي بالجيش الحر المصري علي غرار الجيش الحر السوري وإثارة الفتن الطائفية, وإشغال القوي السياسية والأحزاب بمهاترات المصالحة والخصام ومبادرات شباب الانشقاق, وتفجير هنا ومسيرة هناك, وكنيسة بالكلاشينكوف يوم فرحها وهو ما وقع أخيرا من حادثة كنيسة العذراء بالوراق ومدرعة تنسف بضباطها وجنودها علي الحدود, بينما الإخوان مشغولون بالشارع والانتخابات التي ستجري بعد ثلاثة أشهر فقط, ولم يزل سكر وشاي وزيت الإخوان شغال, وتقسيم دوائر المدن والقري والمحافظات شغال, والدفع شغال, والوارد شغال, والطابورالخامس شغال, ومظاهرات الجامعات علي قدم وساق, وطالب الأزهر عديم التربية النائم علي ظهره واضعا الساق علي الساق وحذاؤه في وجوه الجنود البواسل الذين يموتون في سبيل حمايته هو والأندال أمثاله..و..
ليه يا زياد؟!.. والله والله لو كان الأستاذ بهاء لم يزل علي قيد الحياة لذهبت إليه أشكوك له وهو الذي كان يشكو لنا من قراراتك التي كنت تأخذها من دماغك في بداية مسيرتك, لكنه أبدا كان فخورا بك لأنك نشأت عنه مستقلا تصنع مستقبلك كما يتراءي لك, وتختار بعينك شريكة عمرك, وتقرر حفل زفافك في أضيق نطاق ثار والدك علي ضيقه فقد كان يأمل لزواج ابنه الوحيد حفلا ضخما يدعو له جميع الأصدقاء والمعارف وأهل الفن والصحافة والسياسة.. و..لقد تمنيت عند قبولك شغل منصبك بعد تردد وتمنع وتأجيل وإحجام وقبول معصور عليه الليمون لو أن أحدا غير البرادعي من شجعك, وهنأت والدك في سري وتمنيت لو أنه عاش ليراك في المنصب العالي.. وما أن سارت الوزارة قدما أو قل تعثرت أقداما ليقدم البرادعي استقالته المفخخة حتي تنهدنا ارتياحا وقلنا راح وراحت أيامه, لكنه عاد علي الفيس بوك يغرد بكلام مهلضم مبهم عن أمر مدغم من قبيل: حملة فاشية ممنهجة من مصادر سيادية وإعلام مستقل ضد الإصرار علي إعلاء قيمة الحياة الإنسانية وحتمية التوافق الوطني والعنف لا يولد إلا العنف!! ولم نفهم الرسالة المتعثرة قولا وكتابة, وها هي الأنباء المستفزة تأتي حاملة رياح عودته من جديد وانضمامه لجبهة المعارضة, قال يعني كان قبل كده جبهة موائمة أو سلام!!!
سيادة النائب والوزير.. نائب رئيس الوزراء ووزير التعاون الدولي بالذات.. سيبك بقي من أمر التظاهر وأحقيته وقانونه والاستئذان به وعليه وتبعياته لمن هو أدري به.. و..كلمني عن بكرة.. عن أحوالنا.. ليس في مجال صناعة السينما وإنما حول اقتصادياتنا وأذكر هنا عندما نصحني والدك الراحل مع بداية مشواري الصحفي بالكتابة في الاقتصاد, فلما رأي دهشتي مستنكرة نصيحته قال لي: نعم فالاقتصاد هو المستقبل.. مشكلتنا في الاقتصاد.. مصر محتاجة إلي البناء, والبناء لا يكون إلا علي أساس علمي, والاقتصاد هو علم البناء, إنه هو علم المستقبل كلمنا يا دكتور الاقتصاد في مسألة الاستثمارات المشتركة.. في أمر دعوة لمؤتمر اقتصادي عالمي بالقاهرة يجمع كفاءات الاقتصاد المحلية والعالمية ونجوم التوك شو مثل الدكتور النجار والدكتور القاضي والدكتور شحاتة الذي قال أحدهم للإعلامي أحمد موسي بقناة التحرير أن في استطاعته جلب60 مليار وزيادة لمصر في سنة.. ولتكن دعوتك الملهمة القادمة لاكتتاب عام لمشروع القناة القومي شريان الحياة الجديد الذي سيمد مصر ب100 مليار دولار أي ما يوازي دخل قناة السويس أكثر من عشرين مرة والذي سيجمع ما بين المصلحة المحلية والإقليمية والدولية, ولا ينقصه الخيال السياسي والاقتصادي والثقافي كي تستطيع مصر إنقاذ نفسها وتعود إلي دور قيادة الإقليم وحمايته.. كلمنا يا دكتور زياد عن أيتها حاجة تحمل مظلة أمان لا سماح ولا تهاون فيها باسم الديمقراطية لمظاهرات الإخوان!
قرآنا لا يجاوز الحناجر!
أسعد الله يوما ليسعدنا به يوم أن ترك المفكر الأديب ثروت الخرباوي موقعه المتميز في التنظيم القيادي للإخوان, ليلقي الضوء علي ما كنا سنظل في متاهة الجهل به عنهم بينما هم قاب قوسين أو أدني من نوافذنا وأبوابنا, وهذا الأسبوع لم أستطع إلا أن أستعيد ما رواه الخرباوي من حادثة تعد علامة علي الطريق من تاريخ الصحابة, عندما اعتصم جمع كبير يزيد علي20 ألف من التابعين في منطقة خارج الكوفة اسمها' حروراء', لم يكونوا من طلاب الدنيا, بل كانوا جميعا من حفظة القرآن الباحثين عن إقامة شرع الله, يبحثون عن الجنة ويتصورون أن منهجهم هو الطريق إليها, وكانت علامات السجود بادية علي وجوههم من قيام الليل, حتي أن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال عنهم:' لهم جباة قرحة لطول السجود, وقد تورمت أقدامهم من كثرة القيام, حدثاء الأسنان أي أن معظمهم من الشباب سفهاء الأحلام أي أنهم يسعون لتحقيق أشياء مستحيلة, ومع ذلك كان لهم منهج منحرف في فهم الدين وتعسف في فهم الآيات, وقد قادهم منهجهم هذا إلي اتهام الصحابي الكبير حاكم الأمة بالكفر والخروج عن الدين, ثم تحول اعتصامهم في حروراء إلي قطع للطريق وسفك للدماء فقتلوا عبدالله بن الخباب بن الأرت أحد أفضل أبناء الصحابة وذبحوا امرأته وبقروا بطنها ومثلوا بحملها, وذلك لمجرد أن الحاكم قد أثني أمامهم علي قائد الجند, فأرسل يدعوهم لفض الاعتصام وتسليم القتلة دون جدوي, فأصدر أوامره بتجهيز جيش ليقوم بمهمة ذلك الفض القسري, لكن الجيش عندما وصل حروراء وجد المعتصمون يسجدون لله طالبين نصره, ودموعهم تنساب خشوعا وتبتلا, فأحجم الجيش عن القتال أول الأمر, ولكن الصحابي الحاكم كان قد أخبرهم من قبل عن منهاج هؤلاء وصفاتهم, إذ كان الرسول صلي الله عليه وسلم قد أخبره بها في قوله: يخرج من أمتي قوم يسيئون الأعمال, يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم, يقتلون أهل الإسلام, فإذا خرجوا فاقتلوهم, ثم إذا خرجوا فاقتلوهم, ثم إذا خرجوا فاقتلوهم.. ورضي الله عن علي بن أبي طالب الصحابي الحاكم أمير المؤمنين القائد العسكري وسيد الجند ابن عم رسول الله وزوج ابنته الذي حارب اعتصام حروراء من المسلمين الذين خاصموا الأمة فدحرهم في موقعة' النهروان' موقنا بأن الإرهاب لا يواجه بالسلم وإنما يواجه بالاستثناء.. والضرورات تبيح المحظورات, وقد أفتي الشرع بأن درء المفاسد مقدم علي جلب المصالح, وقد كان في اعتصامي رابعة والنهضة وإرهاب كرداسة ودلجا وسيناء....الخ.. مفسدة لا تحاكيها مفسدة..
حرج الكتابة
يشعر من يكتب في صفحات الثقافة والفن هذه الأيام بنوع من الحرج عندما يجد نفسه يكتب عن قضايا وشئون لا علاقة لها بما يحدث من حوله من مآس ومجازر, وكأن الكتابة عن لوحة عبقرية أو عن عرض مسرحي باهر, أو رواية تثير الوجدان, أو قطعة موسيقية خلابة إنما هو ضرب من الترف الثقافي في زمن القتل الجماعي والهجرة القسرية والتفرقة المذهبية والخوف والإرهاب.. يشعر الكاتب بعدم جدوي الكتابة والقراءة وعموم الأبجدية, وأن دراما الواقع أشد هولا ومأساوية من دراما الأدب.. و..رغم حرج الكاتب والشاعر اللبناني الكبير اعبده وزانب إزاء أدبيات سطوره في زمن تسقط فيه مدن بأحيائها, وتباد قري بأهلها ومعالمها فإنني أظل دوما وبلا حرج تسكنني سطوره الأدبية الرائعة في زاويته الأسبوعية بجريدة الحياة اللندنية لتزداد متعتي هذا الأسبوع بعمله الأدبي الكبير' غرفة أبي' التي تأخذ مسار السيرة الذاتية في قالب جديد يمزج بين حياة الابن والأب الذي رحل في شرخ شبابه ليغدو الابن أكبر من أبيه بعد أن عبرت به الأيام:' الآن أصبحت أكبر منك يا أبي.. لقد انتصرت علي الموت وانتقمت لك منه.. الآن أعيش حياتي وحياتك معا.. أكتب لنفسي كأنني أنا ابن وأب.. أحدث نفسي كما لو كنت أمام مرآة. أكلم نفسي بصوت خافت. أنا المتكلم وأنا المخاطب. أنا من يتكلم وأنا من يسمع. لا أحد أمامي.. كراسي فارغة. ستارة لا أعرف كيف ستغلق ومن سيغلقها'.. مازلت أذكر ذلك الراديو وكيف كنت تجلس قربه محركا مؤشره متنقلا من إذاعة لأخري مقتطفا الأخبار.. علبة سحرية بأزرارها الكبيرة وقماشتها السميكة وخشبها البني المصقول والشاشة المستطيلة التي كتبت عليها أرقام بخطوط صغيرة.. الراديو ماركة تليفونكن.. وكذلك التليفزيون كان علبتنا السحرية التي نحلم بها في الليل كما في النهار, ولو أمكننا أن ننام قربه لما توانينا, فقد كان حارس أمانينا البريئة وأمانينا الصغيرةب.. اكنت أكتفي بأن أقيم بهذه الغرفة لأشعر بالطمأنينة فظل الأب لا يغادر غرفته مهما شعرت بالعزلة.. الابن لا يمكنه أن يستولي علي غرفة أبيه, قد يرث كل ما يملك أبوه وما لا يملك, لكنه يظل في هذا العالم في حاجة إلي غرفة أبيه.. الغرفة الآمنة والماضي الحي..
وإذا ما كان الوزان قد عاش في غرفة أبيه, وكتب إحسان عبدالقدوس يوما الا أعيش في جلباب أبيب فإن الكاتب العملاق يوسف إدريس قد استبدل غرفة أبيه بغرفة جدته التي كان يصعد إليها فوق سلم خشبي يسنده خلسة إلي الحائط.. ذلك الأب الذي اعتبره إدريس كأن لم يكن ليكتب عنه في سيرة حياته التي أسماها' ملكة' ليقول: لم يكن لي أب, أو بالأحري لم يكن لي والدان بالمرة. ولم يكن لي عائلة, ولم يكن لي صديق, ورقة مقطوعة من شجرة تذروها الرياح, ورقة جافة جفاف جسدي الضامر المصفر, أرتدي( بذلة) هذا صحيح ولكنها أقبح بذلة ارتداها طفل أو حتي شحاذ. فقد كان أبي يأخذني إلي محل( صيدناوي) بالقاهرة ليشتري لي بذلة العام, وأقيس البذل, واستحسن واحدة, فتسأل أمي عن الثمن وحين تعرف أنه جنيه ونصف, تصرخ وسط المحل الفخم وتجرني من ذراعي, وأبي يلاحقها ويداري خجله من الناس, وأمي الجميلة العنيفة بل المتوحشة آنذاك تخبرني بغلظة شبابها الفائر الرهيب أنها بذلة باهظة الثمن وأنني سأفسدها من أول يوم, ونخرج من صيدناوي ومن زقاق إلي زقاق نتحرك حتي نصل إلي بائع تظل أمي تساومه حتي تأخذ منه بذلة لي, ثمنها خمسون قرشا أو أقل. كان أبي يأخذ ماهية كبيرة من عمله, وكنا نحيا تقريبا مجانا, فكل شيء كانت تقدمه( الوسية) التي يرأسها أبي, حتي غاز الكيروسين كانت لنا صفيحة منه, ولكن أمي كانت لا تؤمن بشيء في الوجود, لا بالرجال ولا النساء ولا الأطفال ولا الأمومة ولا البنوة, كان كل ما يهمها في الحياة أن يشتري أبي أرضا ويكتبها باسمها, وكان ثمن الفدان الجيد100 جنيه, وكان أبي يشتري باسمها فدانين أو ثلاثة أو ستة أحيانا كل عام, ولهذا كانوا يعطون جدتي إيجار بيتنا الكبير في القرية الذي استأجرته وزارة المعارف كمدرسة إلزامية, وكان الاتفاق أن تكفلني عائلة جدتي مقابل إيجار البيت, أما مصروفي الخاص فكان10 قروش في الشهر بمعدل3 مليمات في اليوم, حتي أنني ظللت أعواما أحلم بأن أشتري طعمية وآكلها وأنا أشم رائحتها تكوي مناخيري في الشارع المؤدي إلي المدرسة, ولم آكل طعمية طوال مدرستي الابتدائية إلا مرة واحدة حين عزمني خالي في مطعم الفول بالبندر يوم قبض ماهيته.. وكانت مذاكرتي تعسة, فقد كان مكتبي كرسي عشاء أو بالضبط قاعدة الطبلية الكبيرة جدا التي نأكل عليها, أكبر طبلية رأيتها في حياتي فقد كان يلتف حولها أكثر من30 كتفا و60 ذراعا وكنت بالكاد أجد مكانا ليدي القصيرة النحيفة بين الأيدي التي حولها الجوع إلي أطراف متوحشة, وبعد العشاء كانوا يزيلون الطبلية ويوقدون لي مصباحا ذا زجاجة نمرة خمسة, وأجلس علي الأرض وأشب برقبتي لتصل إلي حافة القاعدة, وعلي هذه اللمبة وقاعدة الطبلية كنت أطلع الأول, وكنت من أوائل الابتدائية القديمة علي القطر, إذ لم يكن هناك حلول أخري!!..
في انتظار الرنين
عندما أجد الكتابة تصر علي الحياة وسط أنقاض المشهد.. عندما تبحث الكتابة عن النور في غمرة الظلام الكبير.. عندما يتملكني الحنين أهرع لأدير رقم التليفون القديم لأنصت لصوته القديم.. لم يزل يحمل دفئا مشعا بالمرح الغابر: أنا يوسف إدريس.. آسف للغاية فلا يوجد أحد بالمنزل.. من فضلك اترك اسمك ورقم تليفونك وسوف نتصل بك بمجرد العودة.. ومنذ عام1991 وأنا قاعدة جنب التليفون في انتظار الرنين!!
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.