كان موعدي معك أيها القارئ من خلال مشاهدتي لمسرحية أو رائعة محمود دياب أرض لا تنبت الزهور وذلك علي مسرح الطليعة الذي استرد أنفاسه بل أقول عافيته بعد استكمال تجديده الذي استغرق أكثر من عام ونصف العام. أقول استرد عافيته لأنه يقدم حاليا عرضين في نفس الوقت.. المسرح الصغير أو القاعة يعرض بها حمام روماني وهو عرض جيد والمسرح الكبير يعرض به مسرحية أرض لاتنبت الزهور. فماذا عن هذه الأرض التي لاتنبت الزهور؟ التأليف للراحل الكبير محمود دياب, وإذا قلت الكبير فربما لأن مسرحيته التي شاهدتها لك هذا الاسبوع هي التي تقول, بل تؤكد أن المؤلف كاتب كبير. النص يتناول من خلال فترة تاريخية قديمة ملكة تدمر, وهنا هذه الفترة التاريخية وما تم فيها من حروب ليس هو المهم ولكن المهم هو العبرة التي يؤكدها لنا من ينظر بنظرة فاحصة للتاريخ ليستخرج منه ما يلائم أو أقول ما ينطبق علي أمس كما ينطبق علي اليوم, وأيضا بالتأكيد ينطبق علي الغد إذا لم نأخذ العبرة من أخطاء الماضي. فالأرض التي لا تنبت الزهور هي ليست تلك الأرض التي تشكلها الحروب, ولكن هي الأرض التي تنتهي عليها الحروب ولكن لا ينتهي العداء ولا تنتهي الرغبة في الانتقام, ذلك الذي ربما يجرف أجيالا في طريقه. الملكة تقتل من قتل والدها والجانب الآخر يحاول أيضا الانتقام ليأتي البطل الذي يرفض هذه الدموية لتكون النتيجة أن تقتل الملكة نفسها بيدها, فهذه الأرض التي هي هذه الملكة لم تعد قادرة علي أن تنجب طفلا باعتبارها إمرأة, وبالتالي فالأرض لم تعد صالحة لأن تنبت زهرة. تقريبا هذا هو ملخص ما يقوله النص, ذلك الذي أراه يصلح لكل الأوقات والأزمان وأيضا كل البشر.. فماذاعن الإخراج الذي تولاه شاب أعتبره من موهوبي هذه الفترة وهو شادي سرور؟ اعتمد المخرج الذي قام أيضا بإعداد النص للمسرح, وهنا أقول إعداد برغم أن الكاتب الأصلي محمود دياب له شهرة واسعة, كمؤلف مسرحي ولكن هنا الاعداد وهو واضح من خلال رؤيته وأيضا اختصار بعض أجزاء النص حسب رؤيته كمخرج. اعتمد شادي سرور علي ديكور رائع, وهنا كلمة رائع لا تعني أنه مثلا كمنظر أمامنا يوحي بالجمال, ولكن لأنه يعبر من خلال تفكير ذكي عن مشاهد وحالات عديدة في العرض والديكور, هنا لمحمد سعد الذي قدم لنا أيضا نحتا داخل هذا الديكور يمثل ثعابين في حالة نهم لأن تبتلع من يصادفها, ثم تتواري من خلال ستاير تقدم لنا مجرد أعمدة عملاقة, وذلك حسب المشاهد المختلفة. الموسيقي كانت في الحدود البسيطة التي لا تطغي علي تركيز المتلقي علي متابعة النص, وهو أمر أجده شديد الأهمية للمؤلف الموسيقي للمسرح, وهنا هو وليد الشهاوي.. أيضا ما كان من أهم عناصر نجاح المخرج في عرضه هو هذه الأزياء التي صممتها هبة عبدالحميد ولعل الأهم من التصميم هو أن التنفيذ هنا جيد, وبالنسبة لكل الشخصيات. حركة الممثلين كانت متوافقة مع كل لا أقول كل مشهد, ولكن كل لحظة من هذه المشاهد, وكان لدينا داخل ما نطلق عليه تحريك الممثلين.. لحظات أو دقائق للصمت الجسماني التام بمعني عدم الحركة نهائيا.. فماذا عن الأبطال؟ لدينا أكثر من اسم أو ممثل أو ممثلة قدموا أداء واعيا بالشخصية وعلي رأسهم أقول ياسر علي ماهر وناجح نعيم وطارق شرف وخالد النجدي. ولن أقول شادي سرور كبطل للعرض لأنه وضع طبيعي أن يستشعر المخرج بكل تفاصيل الشخصية التي يمثلها كما يخرجها. بالفعل طاقات تمثيلية جيدة تعيد لنا الأمل في المسرح المصري يحمل الكفاءات التي تستطيع أن تستكمل مسيرته التي يشكك فيها البعض وللأسف من لا يشاهدون المسرح أصلا. العنصر النسائي كانت لدينا إيمان امام في دور الملكة ونشوي اسماعيل ومنال زكي, وكن متميزات في أدوارهن خاصة من قامت بدور الشريرة منال زكي. إلي جانب هذا الطاقم من الممثلين والممثلات لدينا المجاميع التي قدمت الإطار الذي أراه, مكملا للعمل. تذكرت الراحل كرم مطاوع بعبقريته في الاخراج الذي كان يتدخل أيضا في الاعداد مع المؤلف.. تذكرته وتذكرت موهبته وحسه المسرحي الكبير وأنا أتابع مسرحية أرض لا تنبت الزهور للمخرج الشاب شادي سرور الذي استطاع من خلال إخراجه لهذا النص أن يقنع أعتقد كل المشاهدين بأن أرض الأحقاد وأرض الانتقام وأرض الثأر لايمكن أن تجلب إلا العقم عن نبتة ولو زهرة. ينتهي العرض لأقدم التهنئة لمحمد محمود مدير الطليعة ولشادي سرور مخرج العرض ولكل الممثلين الذين سعدت بمقابلتهم بعد انتهاء العرض. وأيضا في النهاية لتوفيق عبدالحميد رئيس هيئة المسرح الذي يجاهد لإنارة المسارح.