شهدت العاصمة الفرنسية باريس في الرابع من أكتوبر الجاري(2013) حدثا مهما حظي باهتمام الجميع عربيا وإقليميا ودوليا وهو حلول موعد الاستحقاق الانتخابي لاختيار مدير عام منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم( اليونسكو), ذلك الاستحقاق الذي يتجدد كل أربع سنوات ولم ينجح فيه منذ نشأة المنظمة عام1946 وحتي اليوم شخصية عربية لتولي هذا المنصب, رغم الدور الفاعل والداعم بل والمؤسس لبعض الدول العربية لهذه المنظمة( مصر, لبنان, السعودية,البحرين, وغيرها), وهو ما يثير بدوره التساؤل حول أسباب هذا الفشل؟ هل يرجع إلي افتقاد المرشحين للمعايير والشروط المطلوب توافرها فيمن يتقدم لشغل هذا المنصب؟ أم يرجع إلي عدم فهم طبيعة العملية برمتها من جانب هؤلاء المرشحين؟ وفي خضم الاجابة عن هذه التساؤلات يجدر بنا تسجيل ثلاث ملاحظات مهمة: أولا- ولدت فكرة تأسيس اليونسكو في خضم الحرب العالمية الثانية, ومنذ العام1942 بادرت مجموعة من حكومات البلدان الأوروبية التي كانت تواجه ألمانيا النازية وحلفاءها إلي عقد اجتماع لها في انجلترا ضمن إطار مؤتمر وزراء الحلفاء للتربية, كان السؤال المطروح لتلك الدول آن ذاك, كيف لها أن تعيد بناء النظام التعليمي بعد انتهاء الحرب, وسرعان ما تتطور المشروع واتخذ بعدا عالميا مما دفع حكومات جديدة, ومنها الولاياتالمتحدةالأمريكية, إلي المشاركة فيه, وبناء عليه وفي العام1945 فور انتهاء الحرب العالمية الثانية, اقترح وزراء الحلفاء للتربية عقد مؤتمر في لندن للأمم المتحدة يسعي لإنشاء منظمة تعني بالتربية والثقافة, فانطلقت اليونسكو في العام1946 بعضوية37 دولة لتصل اليوم إلي194 دولة عضو بعد عضوية فلسطين في31 أكتوبر2011, هذا بالاضافة إلي مجموعة من الدول والمنظمات الدولية والإقليمية التي تتمتع بصفة عضو مراقب. وتضم المنظمة هيئتين رئيسيتين, هما: المؤتمر العام ويتألف من ممثلي الدول الأعضاء في المنظمة. اما الهيئة الثانية فهو المجلس التنفيذي المؤلف من58 عضوا, ويعد بمثابة مجلس إدارة للمنظمة, حيث يتولي تحضير أعمال المؤتمر العام وتنفيذ قراراته, ويجتمع مرتين كل عام. ثانيا- تعاقب علي إدارة المنظمة عشرة مدراء عامين, ولم يرأسها عربي رغم المحاولات الثلاث التي بدأت منذ عام1999 مع الراحل السعودي غازي القصيبي, والثانية مع المصري فاروق حسني, والثالثة التي جرت مؤخرا مع اللبناني جوزيف مايلا وانتهت بفوز بوكوفا بولاية ثانية حتي العام.2017 وهو ما يمكن تفسير هذا الاخفاق في عامين: الأول, أن قول البعض بعدم توافر المعايير المطلوبة في المرشحين كون أن المرشح ليس بالشخصية البارزة علي المستوي الدولي ولها مصداقيتها وانجازاتها علي المستوي المؤسساتي في المجال الثقافي, أو أن يكون ممن عملوا في اليونسكو حيث فهموا المنظمة وأثبتوا كفاءة وجدارة من خلال انجازاتهم. إلا أن هذا القول يفتقد الدقة, فإذا كان من المهم فيمن يتولي هذا المنصب أن يكون شخصية لها انجازاتها في المجال الثقافي إلا أنه من غير المهم أن تتوافر فيه شرط العمل في المنظمة ولعل تولي الياباني كواتشيرو ماتسورا هذا المنصب يؤكد صحة هذا الرأي. بل يتوقف الأمر علي مدي قوة المرشح وثقله الدولي وانجازاته مع دعم دولته له وتوظيف إمكاناتها وعلاقاتها من أجل ضمان فوزه بهذا المنصب, أي أن المرشح يعتمد علي قوته وقوة دولته ودعمها له. أما العامل الثاني, فيتعلق بتوقيت الترشيح, فيجب أن يكون هناك استعداد كامل ومسبق من جانب المرشح ودولته لخوض هذه المعركة, فمن غير المناسب أن يعلن المرشح أو دولته نيته في الترشح قبيل الاستحقاق بأشهر معدودة كما حدث مؤخرا مع المرشح اللبناني جوزيف مايلا. ثالثا في ضوء ما سبق, يصبح التساؤل كيف يمكن للعرب أن يفوزوا بهذا المنصب كما فازوا من قبل بمنصب أكثر أهمية وهو منصب الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة الذي فاز به الدكتور بطرس غالي؟ وتأتي الإجابة واضحة في ضرورة البحث عن آلية مناسبة لخوض هذه المعركة تختلف عما يجري الآن. علي أن تنطلق هذه الآلية من اختيار المرشح المناسب في التوقيت المناسب, بحيث لا يترك الأمر إلي رغبة فرد في الوصول إلي هذا المنصب وقناعة دولته فقط ثم العمل علي اقناع الدول الأخري بالتصويت له, بل يكون من الأفضل أن تتولي الجامعة العربية هذه المسئولية من خلال البحث من الآن واستعدادا للاستحقاق المزمع اجراؤه عام2017, عن مرشحين يتوافر فيهم الشروط والصفات والمؤهلات, ثم التوافق حول مرشح واحد فقط تفاديا لما جري سابقا, ففي المحاولات الثلاث لم يدخل السباق مرشح عربي واحد فقط, بل في كل مرة يتقدم أكثر من مرشح, ففي عام1999 دخل المصري إسماعيل سراج الدين منافسا للسعودي غازي القصيبي, وفي2009 دخل الجزائري محمد بجاوي علي منافسا للمصري فاروق حسني, وفي2013 دخل اللبناني جوزيف مايلا منافسا للجيبوتي رشاد فارح, وذلك علي خلاف ما يجري في الدول الاوروبية حينما تتفق علي مرشح واحد وتدفع به إلي ساحات الانتخابات, ولعل الموقف الفرنسي الأخير من جوزيف مايلا الحامل للجنسية الفرنسية يدلل علي صحة هذا الرأي, فقد رفضت فرنسا دعمه كما صرح هو بذلك بقوله:لست مدعوما من فرنسا... وقالت لي من البداية إنها لا يمكن أن تدعمني لأن هناك ترشيحا أوروبيا وحيدا لبوكوفا وهي لا تستطيع أن تخرج عن هذا الإجماع. خلاصة القول إن الفوز بهذا المنصب يتطلب إدراك المعنيين بالأمر بمقتضياته وضوابطه وليس مجرد السعي أو بذل الجهد فحسب للوصول إليه, ومن أولي هذه المقتضيات والضوابط أنه إلا إذا كان صحيحا أن منصب المدير العام هو منصب ثقافي تربوي علمي, إلا إن الوصول إليه هو قرار ذو طابع سياسي بما يستوجب معه وضع السياسات والاستراتيجيات المناسبة للفوز به وإلا ظل موقفنا يدور في حلقة مفرغة من الجهد الكبير والمضني ثم نصل إلي فشل آخر. لمزيد من مقالات عماد المهدى