في إعداد مصر لحرب أكتوبر, لم تكن تركز فقط علي الإعداد العسكري, وانما كانت مشغولة كذلك برصد وتتبع السياق الدولي وتطور علاقات القوي الرئيسية فيه. في هذا الشأن كان الرئيس الراحل أنور السادات يتابع بدقة تطورالعلاقات بين القوتين العظميين وقتئذ الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي, في هذا الوقت ومع بداية السبعينيات كانت ادارة الرئيس نيكسون وكيسنجر تعيد صياغة علاقات الولاياتالمتحدة مع الاتحاد السوفيتي, وصياغة بناء هيكل جديد للعلاقات ينقلها من الصراع وامكانيات المواجهة التي ميزتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية, كما عبرت عنها ازمة الصواريخ الكوبية في أوائل الستينيات, تنقلها الي الحوار والتعاون وادارة علاقاتهما بشكل إيجابي وبناء. وقد دشن مؤتمر القمة الامريكي السوفيتي الأول في موسكو في مايو يونيو1972, ما سوف يعرف بعملية الوفاق. وفي استعراض القمة للمنازعات الدولية والاقليمية التي يرتبطان بها, تعرضا لأزمة الشرق الاوسط, غير أن الجزء الخاص بهذه الأزمة في البيان المشترك جاء ضعيفا حيث عبر عن إعادة تأكيد تأييدهما لتسوية سلمية في الشرق الاوسط وفقا لقرار مجلس الأمن242 وتأييد جهود ممثل الأممالمتحدة جوانار ياربج والاستعداد للقيام بدور مهم في تحقيق تسوية حيث إن تحقيقها سوف يتيح بوجه خاص النظر في خطوات أكثر لاجراء استرخاء عسكري في الشرق الأوسط. وقد توقف الرئيس أنور السادات طويلا عند هذا البيان واطلق علي عملية الوفاق العناق كناية عن دخول علاقات القوتين مرحلة من التوافق علي حساب مشكلة الشرق الاوسط غير أن الرئيس السادات قد توقف بشكل أكثر عند العبارة التي وردت في البيان حول الاسترخاء العسكري واعتبر أنها تؤثر علي الموقف السوفيتي من تزويد مصر بما تحتاجه من سلاح وفي الاتصالات التي جرت مع الجانب السوفيتي علي مختلف المستويات في القاهرةوموسكو, نفي السوفيت أنهم يقصدون ذلك, وأن فهمهم للاسترخاء العسكري أنه يتم بعد تحقيق حل لمشكلة الشرق الاوسط وأكدوا أنه لن يؤثر علي التزاماتهم بالتأييد السياسي والعسكري لمصر في جهودها لتحرير أراضيها, وقد جاء هذا الموضوع في الزيارات التي قام بها لموسكو المشير أحمد إسماعيل ومستشار الأمن القومي حافظ اسماعيل. غير أنه مع هذه الاتصالات السوفيتية والعمل علي ضمان استمرار الدعم العسكري فتح الرئيس السادات وبايحاء من الجانب الامريكي الاتصال مع الرئيس الامريكي, عبر هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي, والسيد حافظ إسماعيل مستشار الامن القومي المصري. وقد جرت بين الاثنين جولتان من المحادثات في كل من واشنطن في فبراير1973 وباريس في مايو1973. وفي اعتقادنا أن هذه المحادثات ونتائجها كانت من أخطر التطورات في عملية الاعداد الدبلوماسي والعسكري لحرب اكتوبر, ومن أكثرها تأثيرا علي فكر أنور السادات وعلي قرار الحرب. في مذكرات السيد حافظ اسماعيل أمن مصر القومي في زمن التحديات عندما قال كيسنجر إن قدرتنا علي الاقتناع بل حتي رغبتنا أن ندعو بقوة إلي هذا الحل تتوقف علي قدر ما نستطيع أن نشير اليه من تغيرات ملموسة في المواقف المصرية أو العربية هذا هو المفتاح ويسجل حافظ اسماعيل رد فعل العبارة علي السادات فيقول رأيت الرئيس يرفع رأسه وينزلق في مقعده ويعتدل في جلسته وكأن الرسالة التي كان ينتظرها قد بلغته: إننا مدعوون لمزيد من التنازلات عن المواقف التي بلغناها ويخلص حافظ اسماعيل لم أدرك أنني ربما كنت اشهد لحظة قرر الرئيس أنه لم يعد هناك مفر من خوض الحرب فقد بلغنا نهاية الشوط في عملنا السياسي. ومما يؤكد هذا الاستخلاص أنه في اليوم التالي مباشرة في6 أبريل اجتمع مجلس الوزراء الجديد الذي شكله السادات برئاسته في واحد من أخطر اجتماعاته حيث أقر بالاجماع مع تحفظات محدودة حتمية الدخول في معركة عسكرية( راجع مذكرات حافظ اسماعيل أمن مصر القومي في زمن التحديات). ومن هنا تأتي أهمية هذا الفصل من الاتصالات قبل حرب أكتوبر, ومن ثم الحاجة إلي توثيق وتفصيل أكثر لوقائع المحادثات التي جرت بين هنري كيسنجر وحافظ اسماعيل, وهي مسئولية الدبلوماسيين والخبراء الذين عاصروا وشاركوا في هذه المحادثات. لقد قرأنا الرواية الأمريكية لهذه الفترة الحاسمة عندما سجلها هنري كيسنجر في كتابةCrises, والرواية المصرية التي سجلها السيد احمد ابو الغيط في كتابه الأخير الحرب والسلام ومع ذلك مازلنا في حاجة الي مزيد من التوثيق والروايات. المدير التنفيذي للمجلس المصري للشئون الخارجية لمزيد من مقالات د. السيد أمين شلبي