يمثل ميلاد السيد المسيح عمق معني المحبة الحقيقية التي تترجم علاقة الله المحب للإنسان قمة خلائقه حتي أنه في جلاله وعظمته وضع للإنسان قيمة تعلو علي سائر المخلوقات, فعندما خلق الله العالم خلقه بعد أن أعد له كل شئ وسلطه علي أعماله وكترجمة لمحبة الله ولد المسيح واقعا حيا وتعبيرا عمليا لهذه المحبة, فالميلاد هو تجسد الحب والبذل والعطاء حتي النهاية. وفي ترجمة عملية لميلاد المسيح كعطاء حب للعالم نراه في المواقف التالية. نسمع مثلا شائعا يقول لن تجد من يحبك ان لم تقبل نفسك. وبمعني آخر لن تعيش في سلام مع الآخر مالم يكن لك سلام مع نفسك, وبالتالي فلن نعيش سلاما مع نفوسنا مالم يكن لنا سلام مع الله, والسلام مع إله نا لن نعيشه وبداخلنا كراهية وحقد وأفكار شريرة وتصرفات مسيئة للآخر فالكراهية والغضب والشرور المختلفة لاتتفق مع علاقة الانسان بالله. لقد ولد المسيح ليقدم للانسان سلاما حقيقيا لايتحقق سلامنا مع من حولنا مالم يملأ السلام أفكارنا وقلوبنا ولا وسيلة لذلك إلا بالسلام مع الله وهذا ما أعلنته ملائكة الله يوم ميلاد المسيح قائلة المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وبالناس المسرة. هذا النشيد هو ملخص الهدف والغاية من ميلاد المسيح. يعيش العالم كله في أزمات اقتصادية ومخاوف من الاضطرابات والثورات ونحن نعيش هذه الحالة علي المستوي المحلي والمستوي الاقليمي وعلي المستوي العالمي. لقد ولد السيد المسيح في ظروف إنسانية قاسية, فالإنسان لم يجد سلاما في المال ولم تحقق القوة والجاه سلاما بين الناس إذ تحول المال الي نقمة والقوة الي معارك والجاه الي اطماع وحروب حتي بين الجار وجاره وبين الأخ وأخيه, لم يجد الانسان سلامه في المال فأدمن وافتقد السلام وانتهي بالانتحار وترك ماله وراءه اذ لم يجد سلاما حقيقيا مع نفسه وبالتالي لم يلق سلاما مع غيره. والميلاد يذكرنا بروح العطاء فقد جاء المسيح ليعطي سلاما ويفتح الطريق للبذل والفداء بالنفس من أجل غير المستحقين قبل المستحقين, فجاء ميلاده فجرا جديدا فصل بين ظلام وظلم, وعطاء وسلام, حتي قسم التاريخ بين ما قبل ميلاده وما بعد ميلاده. لاعجب ان نري اليوم نوعا من البشر يحب ويعطي ويبذل ويضحي لاطمعا في مال ولا سعيا لمركز أو جاه ولكن ولكونهم تعلموا من مولود بيت لحم أنه قدم نفسه مثالا لهم في التعليم والعمل فهو الذي قال أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم, وان جاع عدوك فاطعمه وان عطش فاسقه, ولاتجازوا عن شر بشر, بل وعلمنا إضافة الغرباء وعلاج المرضي والجرحي ورعاية الأرامل والأيتام والاهتمام بالأطفال وكان نتيجة لتعاليم السيد المسيح ان اقيمت المستشفيات وفتحت الملاجئ والمدارس وانتشرت أعمال الإغاثة إلي خارج الحدود الإقليمية بل والي بلدان معادية والسبب ليس لشهرة أو مكاسب مادية ولكن لأنهم تعلموا من المعلم الصالح الذي بذل حياته من أجل الإنسان لا عن اضطرار بل بحب واختيار. المزيد من مقالات د. القس صفوت البياضى