عرفت وزير الثقافة د.شاكر عبد الحميد قبل أن ألتقيه مثقفا كبيرا وأكاديميا رصينا تشهد له بذلك مؤلفاته العديدة وكتاباته القيمة التي أهلته لنيل جائزة شومان للعلماء الشبان العرب1990 م وجائزة الدولة للتفوق2003 م, لهذا كان انزعاجي حين بلغني انضمامه لحكومة تفتقر إلي إجماع وطني, وكان أن سعيت لمحاورته لمعرفة دوافع قبوله المنصب واستطلاع رؤيته للواقع الثقافي. وما يعتزم القيام به. برغم حدة بعض الأسئلة إلا أن الوزير أجاب عنها بسعة صدر, وإن غلف إجاباته بردود دبلوماسية, فيما لم يكابر حين سألناه عن أمور لا يلم بجوانبها وأقر بأنه لا يملك معلومات كافية عنها, وكشف الستر عن اقتراح بإنشاء إدارة للأزمات في الوزارة, ونية لإسناد الوظائف القيادية الشاغرة للشباب. الحوار تشعب واستمر قرابة ساعتين تحدث خلالهما د.شاكر بصراحة عن ظروف وأسباب قبوله الوزارة, وأولويات خططه للمرحلة الراهنة, وماتم خلال لقائه مع قيادات القطاعات, وتوجيهه بتعيين من أمضي3 سنوات, وما يعده للشباب والصعيد, ومعرض الكتاب, وموضوعات أخري تقرأونها في السطور التالية.. كان سؤالنا الأول: لماذا قبلت الوزارة في حكومة ليست محل إجماع وطني ولا قبول من الثورة؟ أسمح لي أن اختلف معك حول نقطة الإجماع الوطني, فمصر تحيا ثورة تمخض عنها وجهات نظر متباينة في أشياء كثيرة, وهذا شيء طبيعي لأننا لانزال في سنة أولي ديموقراطية, ومن الطبيعي أن نختلف, فالاختلاف من سمات مرحلة التحول الديموقراطي, وعلينا أن نقبل بذلك, ولا بأس أن يعلن كل منا قبوله أو رفضه لهذا القرار أو ذاك شرط أن يقدم مبرراته وأسبابه, يعني لا يرفض لمجرد الرفض ولكنه يشرح سبب اعتراضه ويقدم البدائل, ومن يعترض علي قبولي وغيري الوزارة, عليه أن يسأل نفسه: ما البديل وهل نترك البلد تدار بلا حكومة؟! أن الوزارة عبء ومسئولية لابد لها من يتحملها, لابد من أن يكون هناك من يدير شئون البلد ويرعي مصالحها, لقد قبلت المنصب إنطلاقا من إحساسي كمثقف أن هناك واجبا علي تأديته للوطن, فالهروب من المسئولية خوفا من الانتقادات لن يكون في صالح البلاد, وبالتالي ليس في صالحي بإعتباري مواطنا أولا ومنتسبا للحركة الثقافية ثانيا, وأنا بطبيعتي لست إنسانا هروبيا, وأؤمن أن خير حل للمشكلات يتمثل في التصدي لها ومواجهتها برؤية علمية. لو حدث واختلف المثقفون مع الحكومة, فأي جانب سوف يتخذ د.شاكر: جانب المثقفين أم جانب الحكومة؟ لماذا دائما نفترض الأسوأ؟.. لماذا لا نكون متفائلين, وننظر للأمور بعين ايجابية؟.. أن المثقفين يعبرون عن ضمير الأمة وأنا أعتز دائما بكوني واحدا من الناشطين في الحركة الثقافية ولطالما اعتبرت الثقافة سبيلا للتنمية الشاملة, والمنصب الوزاري لن يفصلني أبدا عن الثقافة والمثقفين, ومن غير المجدي أن نتحدث عن خلاف مع حكومة لم يمر علي تشكيلها سوي بضع أيام, وبالتالي لم تبدأ بعد في وضع رؤيتها موضع التطبيق. لاشك أن هناك اختلافا بين توجهات الثقافة في مرحلة ما قبل25 يناير وبعدها, فهل لديكم استراتيجية للعمل الثقافي للمرحلة المقبلة؟ نستهدف في المرحلة المقبلة المواطن البسيط لزيادة وعيه الثقافي والاجتماعي والسياسي, ونسعي لاستقطاب الشباب للتفاعل مع نشاطات قطاعات الوزارة المختلفة, فتوجه الوزارة هو للمواطن بشكل عام وليس فقط للمثقف, والثقافة ليست فقط الأدب والفن التشكيلي والمسرح والسينما... إلي آخره, وإنما هي قبل كل شيء إنعكاس هذه الفنون في سلوكنا ووعينا, وهي ليست مسئولية وزارة الثقافة وحدها ولكنها مسئولية تتشارك فيها معها وزارات أخري, ولابد من التعاون بين كافة هذه الجهات وهذا ما نعتزم فعله, إما الحديث عن استراتيجية فهو سابق لأوانه حيث لم أمض في الوزارة سوي عدة أيام, لكن نقدر نقول إن هناك أفكارا, أفكر فيها وأدرسها بعمق من كل جوانبها قبل طرحها, بخاصة أن هناك أولويات لابد منها قبل تنفيذها. مثل ماذا؟ علينا أولا السعي لتغيير لغة خطاب التنابذ السائدة حاليا في المجتمع, فكما تري مجتمعنا واقف حاليا في مرحلة من الاستقطاب, أو بعبارة أخري مرحلة القسمة الثنائية الضدية, فهناك من ناحية علمانيين وليبراليين, يقابلهم تيار إسلامي, وتيار ثالث يمثل الأقلية القبطية, وكل تيار يحاول استقطاب الشعب إلي جانبه, ولو وصل الأمر إلي حد التشابك اللفظي والفعلي, وكل تيار يري نفسه علي صواب ويمتلك الحقيقة المطلقة وغيره علي خطأ, ويعمل علي استبعاد الآخر وإقصائه, لهذا أضع في مقدمة أولوياتي إشاعة روح الحوار بين هذه التيارات والبحث عن نقاط إلتقاء وأرضية مشتركة بينهم, وإقناعهم بأهمية تقبل الآخر لأن مصلحة الوطن في التقاء أبنائه جميعا علي هدف واحد هو المصلحة العامة, ولتحقيقه نعد لتنظيم ندوات وحوارات ولقاءات تضم شتي التيارات كي يتعرف ممثل كل تيار علي الآخر, ويدرك أنه في النهاية بشر مثله يحمل أفكارا تخطيء وتصيب. هل سيتم ذلك عبر مؤتمر المثقفين الذي كان مقررا قبل الثورة, وحال قيامها دون تنفيذه؟ كل الأمور واردة ولا استطيع في الوقت الحالي تحديد الطرائق, ومؤتمر بهذا الحجم يحتاج إلي وضع خطط توضح تصوراته وآلياته, وتنسيق بين قطاعات الوزارة ومؤسسات المجتمع المدني جميعها, فالأمر أكبر من أن يتولاه الوزير بمفرده. وما الأولويات الأخري؟ الشباب والصعيد, فقد آن الأوان لأن نهتم بهما أكثر, لابد من وجود دراسات جادة ومتعمقة لاتجاهات القراءة عند الشباب, لنعرف كيف يفكر ونوجهه الوجهة الصحيحة, كما لابد أن تحظي إبداعات الوجوه الشابة بدراسات نقدية تقدمها للقاريء المصري والعربي, فمصر ولادة وهناك كثير من الشباب المبدع الواعد في حاجة لمن يكتشفه ويقدمه, وفي نيتي التوسع في المشروعات الثقافية الموجهة للشباب, اما الصعيد فقد آمنت دائما أن الثقافة خير سبل النهوض به, فالثقافة بوابة التنمية. ذكرتم في إجابة سابقة ضرورة التواصل بين الجهات ذات العلاقة بالشأن الثقافي أعطنا مثالا؟ بدأنا تواصلا مع وزارة التربية والتعليم لعمل اتفاقيات معها نزود بموجبها مكتبات المدارس بإصدارات قطاعات الوزارة المناسبة لكل مرحلة دراسية, ولدينا تفكير في خطط لنشر الوعي بالإبداع وغرسه في نفوس الطلاب, كما نفكر في تنظيم مسابقات لاكتشاف المواهب المبدعة في المدارس يقوم بتحكيمها نقاد ومثقفون من داخل الوزارة وخارجها. وقد اقترحت علي وزير التربية والتعليم الأستاذ جمال العربي إدخال مادة الإبداع في المقررات الدراسية في السنوات المقبلة. بإعتباركم متخصصا في علم النفس الإبداع ما تحليلكم للحركة الثقافية وتوجهاتها بعد ثورة25 يناير؟ لا يمكن تقويم الحركة الثقافية والإبداعية بعد ثورة25 يناير في الوقت الحالي, فالأمر يحتاج إلي مرور سنوات علي قيامها كي نقومها تقويما علميا صحيحا, ولو قومنا تأثيرها حاليا فسيكون عملنا ناقصا ومبتورا, لأنه سيتناول التأثير المباشر ويتجاهل التأثيرات غير المباشرة التي تحتاج وقتا لتتضح, فيما هي التأثيرات الأكثر أهمية. وماذا تم بخصوص ملء المناصب القيادية الشاغرة بالوزارة؟ عقدت اجتماعا مع قيادات الوزارة ورؤساء القطاعات, طالبت خلاله بحصر الوظائف القيادية الشاغرة بكل قطاع من أجل ضخ دماء جديدة وقيادات شبابية قادرة علي النهوض بالحركة الثقافية وايجاد جيل جديد وصف ثان من هذه القيادات حتي يظل البديل القيادي موجودا, يملأ الفراغ بجدارة إذا حل دوره في قيادة القطاع, والبدء في اتخاذ الاجراءات اللازمة لتعيين الشباب الذين مضي علي عقودهم3 سنوات كما تم تكليف القيادات بتقديم عرض لأهم المشكلات التي تواجه كل قطاع والمقترحات لحلها, ووضع خطة لتطوير إداراتهم خلال3 شهور وأخري خلال6 شهور, وعرض للفعاليات والنشاطات التي أعدها كل قطاع من أجل الاحتفال بالذكري الأولي لثورة25 يناير, وناقشنا معا كيفية زيادة الموارد الذاتية المتاحة للوزارة عبر تعظيم الاستفادة من الأصول المملوكة لها والعوائد التي تأتي من إصداراتها المطبوعة ومسارحها, كما تم اقتراح إنشاء إدارة للأزمات. ما قصدك بإنشاء إدارة للأزمات؟ وما مهامها؟ القصد منها أن تلتقي جميع قطاعات الوزارة في إدارة تجمعها لتتعاون معا في مواجهة أي أزمة, ولا تكون جزرا منفصلة عن بعضها, ولنأخذ مثلا التعامل مع مشكلة الفتنة الطائفية, يمكن لقطاعات الوزارة الإسهام في مواجهتها عبر تنسيق نشاطاتها لتكمل بعضها بعضا, فهناك كيان واحد يجمعها هي وزارة الثقافة, ولابد أن يكون تحرك كل قطاع في أية أزمة مكملا لتحرك القطاعات الأخري, فالعمل يكون جماعيا. قبل توليكم الوزارة مباشرة توليتم الأمانة العامة للمجلس الأعلي للثقافة, وبلا شك فقد أطلعتم علي ايجابياته وسلبياته, فما في جعبتكم من تطوير للمجلس؟ هناك رؤي مطروحة لاتزال تحت الدراسة فنحن لا نريد أن نطرح نظاما ثم نعدله أو نستبدله بآخر, ومن الرؤي المطروحة أن يتحول المجلس ولجانه إلي ما يشبه برلمان للمثقفين تكون عضويته بالانتخاب. في الشهر الجاري يقام معرض القاهرة الدولي للكتاب بعدما تعذرت إقامة دورته الماضية لظروف الثورة, فماذا أعدت الوزارة وأجهزتها للمعرض, وهل هناك ضوابط أمنية أو دينية للكتب المعروضة؟ في الوقت الحالي يتم تجهيز المكان والدكتور أحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب يشرف بنفسه علي الاستعدادات وبإمكانك سؤاله عنها وعن عدد دور النشر المشاركة وغير ذلك من المعلومات التي تتوفر لديه أكثر مني لأنه المسئول الأول عن المعرض وأثق أنه سيقدم معرضا متميزا, أما أنا فيمكنني فيما يخص المعرض- التحدث في العموميات دون الدخول في تفصيلات لأن الاستعدادات له بدأت قبل تسلمي المنصب ولم يتسع الوقت لألم بكل شيء, ولكني استطيع القول إن كافة الجهود بالوزارة تتضافر لإخراج المعرض في دورته الجديدة بشكل متميز يليق بمصر بعد ثورة25 يناير, وحسبما أعلم فقد وضع الأخوة في هيئة الكتاب برنامجا شاملا للمعرض وفعالياته سواء من حيث المعارض أو النشاطات الثقافية المصاحبة مثل: الندوات والمناقشات والمقاهي الثقافية والعروض السينمائية وملتقي الشعراء وما يقدم بمعرفة هيئة قصور الثقافة. إما بخصوص وجود ضوابط أمنية أو دينية, فإذا كان القصد بمعني رقابة علي الكتب, فالإجابة هي لا توجد باستثناء الضمير- رقابة من أية نوع. احتفلنا قبل أيام بمئوية مولد أمير الرواية نجيب محفوظ, وفي ذروة احتفالنا بالذكري خرج علينا من يتهم نجيب محفوظ بالدعوة إلي الإنحراف السلوكي, بم تعلق؟ تعليقي تعبر عنه أكثر من احتفالية وندوة نظمتها قطاعات الوزارة, وأكثر من كتاب عن محفوظ أصدرته بهذه المناسبة ومنها كتاب لك, فالراحل رمز وقيمة نفخر به وعلامة بارزة في تاريخ الأدب العربي, وإذا كان لبريطانيا أن تزهو بشكسبير, وفرنسا بهوجو, وألمانيا بجوتة, فمن حق العرب وليس المصريون فقط الفخر بنجيب محفوظ, وعلي من ينتقد إبداعه بفهم غير سليم للعملية الإبداعية, أن يدرك أن المبدع حين يتناول في أعماله أشخاصا منحرفين أو فاسدين أو خارجين علي القانون, فأنه يفعل ذلك من باب دفع الآخرين لكراهة سلوكهم المعيب, وليس لأنه يؤيد أفعالهم. كانت لكم تجربة ثرة في مجال النشر من خلال رئاستكم لأكثر من سلسلة ثقافية وأدبية, فما هي من وجهة نظركم سلبيات وايجابيات ماهو موجود حاليا من سلاسل, وتعدد جهات النشر بقطاعات الوزارة؟ صراحة لا يمكنني الحكم علي ما هو موجود حاليا من سلاسل, لأني سافرت مدة ليست بالقصيرة والسلاسل تغيرت, ورؤساء السلاسل أيضا تغيروا وحتي عناوين بعضها تغيرت. إما بالنسبة لتعدد جهات نشر الكتب, فهذا راجع للتخصص بمعني أن النشر في هيئة قصور الثقافة مثلا يركز علي أدب الأقاليم نظرا لوجود فروعها في كل مكان, فيما تختص هيئة الكتاب بالنشر المركزي العام بمعناه الواسع, ويتركز جهد المركز القومي للترجمة في نشر المترجمات. عملتم لسنوات في البحرين, أطلعتم خلالها علي الحراك الثقافي في دول الخليج, فما امكانية طرح مشروع ثقافي عربي موحد؟ جذور الثقافة العربية واحدة في كل أقطار العروبة, لأنها تستند إلي تراث واحد ولغة واحدة, واللغة كما تعرف سياج الهوية, لهذا أعتقد أن المشروع الثقافي العربي قائم وموجود, لكونه نابعا عن الهوية ممثلة في اللغة المشتركة, أما إن كان ما قصدت مزيد من التعاون الثقافي, فاعتقد أن مؤسسات المجتمع المدني الثقافية تقوم بجهد في هذا المجال. ماذا تريد أن تقول للمثقفين في ختام اللقاء؟ أقول إني واحد منكم باب مكتبي مفتوح لكل الأيديولوجيات, وعقلي منفتح علي ما تريدون طرحه من رؤي وأفكار مفيدة, وانتظر مساعدتكم في تحقيق ما نأمل فيه للثقافة المصرية, فجميعنا نهفو إلي هدف واحد هو خير مصر, فلنتعاون معا لتحقيقه, فيد واحدة لا تصفق.