إن نجاح الجماعات الإسلامية في البرلمان بهذه الكثرة يلقي عليهم مسئولية كبيرة جدا.. وكما نظموا أنفسهم بكل حماس ودقة للوصول إلي أكبر قوة للسلطة في الدولة, فقد أصبح عليهم اليوم مسئولية كبيرة في جميع أقوالهم وأعمالهم وأفكارهم!! وهذه بعض المخاوف والهواجس التي تقلق الناس من التيار الديني في مصر نرجو أن يتقبلوها برحابة صدر وفكر مفتوح: 1 تطبيق الشوري في الحكم وفي البرلمان وفي كل الوزارات والمؤسسات بالدولة.. إن الشوري هي الديمقراطية بلغة العصر وهي ركن رئيسي من الإسلام.. ومن لا يلتزم به فقد خرج عن الملة وعن أمر الله.. وإذا كانت بعض الدول التي تدعي الحكم بالإسلام قد تلاعبت في ركن الشوري وحولته إلي نظام هزيل ومجرد صورة وألعوبة في يد الحاكم.. فإن وصول الإسلاميين اليوم إلي السلطة يجب أن يكون نقطة تحول نحو الديمقراطية الحقيقية والاستماع إلي رأي الآخر.. وعدم تجاهل الآخرين!! 2 قد كثر الحديث اليوم عن تغلغل الفكر البدوي والغزو من الخارج في الجماعات الإسلامية في مصر والدول الإسلامية ومحاولتهم لشرائهم بالبترودولار, والتأثير عليهم ومساعدتهم في الوصول إلي السلطة! ولا نريد أن نفتح الجراح في هذه القضية لأنها حساسة ومصدر قلق للجميع.. ولكننا نذكرهم بالكلمة الخطيرة التي كتبها فضيلة العالم الكبير الشيخ محمد الغزالي, إذ يقول: كأن الدين الذي يعرضه علينا هؤلاء البدو دين آخر غير دين الإسلام الذي نعرفه ونعتز به فنحذر إخواننا الإسلاميين في السير وراء الأفكار المتطرفة والمنحرفة والالتزام بالإسلام العقلاني المستنير.. كما جاء في القرآن الكريم والسنة الصحيحة. 3 من أخطر ما يخشي علي الجماعات الإسلامية هو التطرف في الدين, والخلط بين الدين الصحيح والتقاليد الموروثة والمستوردة.. وقد نهانا القرآن والرسول عن التطرف.. فالقرآن يقول:( لا تغلوا في دينكم), والرسول يقول: إياكم والغلو في الدين, فإن الغلو أهلك من كانوا قبلكم..., وقد رأينا في الماضي الكثير من الغلو الذي يسيء إلي الإسلام والمسلمين.. إلي حد القتل وكيف اغتيل فضيلة الشيخ الذهبي لخلافه مع بعض الإسلاميين.ومحاولة اغتيال الكاتب الكبير نجيب محفوظ, واغتيال منتج فيلم الرسالة مصطفي العقاد. 4 هناك الكثير من التصريحات المتطرفة البعيدة عن الإسلام والتي ظهرت في أثناء الانتخابات والدعاية الانتخابية.. من ذلك قول بعضهم إن السياح يجب إلزامهم جميعا بملابس واسعة علي النظام البدوي ولم يبق إلا أن يطلب من المرأة الأوروبية أن تلبس النقاب والحجاب عندما تحضر لزيارة بلادنا!!.. ولو بدا الإسلاميون بمحاربة السياحة, فسوف تحدث ثورة جديدة في مصر. 5 من الأفكار الخاطئة التي ظهرت في أثناء الدعاية الانتخابية, محاربة الفن ومحاربة التماثيل في ميادين مصر جميعا, وقد فرق القرآن بين الصنم الذي يعبد ويسجد الناس له وبين التمثال الذي يقام لتكريم إنسان مجاهد خدم وطنه أو حتي للتمثال الذي يصنع لمجرد الفن والجمال, فيقول الله تعالي:( يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات).فالتماثيل الفنية كانت تصنع في بيوت الأنبياء, والخلط بين التمثال الفني والصنم الذي يعبد نوع من الفكر الخاطئ والضيق. 6 وأهل الذمة وأهل الكتاب لهم في دولة الإسلام مكانة خاصة.. والله تعالي يقول:( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن), فلا نتدخل في طقوسهم وشئون حياتهم.. ومن حقهم في الشريعة الإسلامية أن يمارسوا أي شيء يسمح به دينهم وعقيدتهم.. ومن يتصدي لأي منهم أو يحاول منعه من أي تصرف, فإنه يعاقب بحكم الشريعة. 7 مكانة المرأة عند بعض الإسلاميين تأتي في الدرجة الثانية بعد الرجل في الحقوق والواجبات, خاصة عند الفكر البدوي المستورد, فهم يعتبرونها كلها عورة ولا تظهر في المجتمع ولو للرزق والعمل أوالمشاركة مع الرجل في خدمة الوطن وفي التعليم والوظائف العامة والقضاء وفي البرلمان والوزارة. وقد رأينا في الانتخابات من يخفي وجه المرأة في الدعاية الانتخابية ويضع مكان وجهها أي رمز أو وردة!!.. مع أن نساء الصحابة كن يشتركن في المعارك وفي الرأي والصلح.. فرفيدة كانت تقوم بالإسعاف والجراحة في أثناء معارك الرسول, وأم حرام بنت ملحان قامت بالغزوة في البحر في الأسطول الإسلامي واستشهدت في فتح قبرص. هذه بعض المآخذ علي الجماعات الإسلامية.. وإذا كانت حرة وغير مسئولة قبل انتخابات البرلمان الأخيرة, فقد أصبحت اليوم مسئولة وملتزمة بعد دخولها البرلمان, فإذا فشلوا ومزقوا الأمة وتهاونوا في الإصلاح.. فليسوا أقوي من الذين أسقطهم ميدان التحرير.. أما إذا التزموا بالدين الصحيح المستنير, ونجحوا في رأب الصدع وإصلاح الاقتصاد وتوفير الأمن والرخاء.. فسوف يكون ذلك أعظم انتصار للإسلام وأعظم تقدير من العالم كله له.