تعرض المجتمع المصري لكثير من الأزمات والمحن والشدائد التي أثرت علي القيم والمبادئ التي كانت قاعدة للإنطلاق نحو تحقيق الأمن والسلام الإجتماعي والتعايش السلمي بين جميع أبناء الوطن. وغابت الرحمة والمودة والتعاون, وأصبح الشارع المصري يموج بكثير من العنف والقسوة والغلظة, ويظهر ذلك في وسائل المواصلات وغيرها من الأماكن التي تشهد وجود جموع من المواطنين. علماء الدين من جانبهم أكدوا أن هذه الظاهرة تمثل خطرا شديدا علي الوطن, لأن جميع الشرائع السماوية تحمل القيم والمبادئ الإنسانية الرفعية, وأن الشعب المصري متدين بالفطرة, وأن وجود هذه الظاهرة يدل علي أن هناك إنحرافا في التربية وعدم التزام بما حملته لنا الشريعة الإسلامية من مقاصد تمثل أسسا لبناء الحضارة الإنسانية. وأوضح العلماء أن وجود هذه الظاهرة في المجتمع يدل علي وجود تقصير في دور الجهات المسئولة عن نشر القيم والأخلاق وتصحيح المفاهيم. وأكد الدكتور محمد مختار جمعة أن جانبا كبيرا من العنف الذي شهدناه علي الساحة المصرية ونشاهده علي الساحة الدولية إنما يرجع إلي فقدان أو ضعف الحس الإنساني, واختلال منظومة القيم, مما يجعلنا في حاجة ملحة إلي تأكيد الاهتمام بمنظومة القيم الإنسانية, والتنوع الثقافي والحضاري, والانطلاق من خلال المشترك الإنساني بين البشر جميعا, فقد كرم الحق سبحانه الإنسان علي إطلاق إنسانيته دون تفرقة بين بني البشر, فالإنسان بنيان الرب من هدمه هدم بنيانه عز وجل. مشيرا إلي أن الشرائع السماوية أجمعت علي جملة كبيرة من القيم والمبادئ الإنسانية, من أهمها: حفظ النفس البشرية. من جانبه قال الشيخ محمد عبد الرازق, وكيل وزارة الأوقاف, إن الأخلاق هي الأساس الذي تبني عليه الأمم والحضارات, والرسول الكريم استطاع بالأخلاق أن ينشر كلمة التوحيد, ولابد أن نسير علي درب الرسول صلي الله عليه وسلم, لأن القرآن يأمرنا بذلك, والمجتمع يمر اليوم بحالة من الإنفلات الأخلاقي نتيجة غياب كل هذه المفاهيم, ولو طبقنا تعاليم الإسلام وما أمر به الرسول الكريم ما حدث ما نعانيه اليوم من عنف وقسوة في الشارع المصري, مشيرا إلي أن وزارة الأوقاف تعمل بكل جهد لتصحيح المفاهيم ونشر القيم من خلال القوافل الدعوية الأسبوعية التي تجوب المدن والقري, بهدف التواصل مع المواطنين وبيان سماحة الإسلام ونشر الوسطية والاعتدال ومواجهة الأفكار المتشددة, لأن غياب منظومة القيم والأخلاق أدي إلي حدوث الكثير من الجرائم في المجتمع, ولابد أن تنهض الأمة من هذه الأزمة الشديدة, ولن تستطيع الأمة الخروج من هذه الأزمات إلا بالأخلاق والقيم والمبادئ التي حملتها لنا الشريعة الإسلامية,. وأشار الدكتور عبد الفتاح إدريس, أستاذ الفقه بجامعة الأزهر, إلي أن إعادة القيم والأخلاق تكون ببيان حقيقتها للناس, وتلك مهمة الأسرة ووسائل الإعلام والدعاة, بحسبان أن علي هذه الجهات تقع مهمة تصحيح كثير من الأخطاء, ومعالجة وجوه الخلل في مسيرة الأفراد والجماعات, والدعوة إلي الله تعالي في المقام الأول أمر بالمعروف ونهي عن المنكر, وتلك هي قيم الإسلام وأخلاقه, التي تمثلها الرسول الكريم, والتزم بما أدبه ربه وطبعه عليه, فكان كما قالت عائشة رضي الله عنها قرآنا يمشي بين الناس, وقد ترسم سلف الأمة نهج وأخلاق نبيهم صلي الله عليه وسلم, فكانوا هداة للناس, وحق علي الناس أن يتأسوا بأخلاق نبيهم, وأن يتبعوا هديه, بحسبان أن الله أمرهم بذلك, فقال تعالي لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا, فإن من شأن هذا التأسي دعوة أفراد هذه الأمة إلي التخلق بأخلاقه, واتباع هديه. ويشير إلي أن المجتمع المصري الذي عاني نكبات عدة سببها له من ينتسبون إليه, زلزلت فيه ثوابت عقيدته وأخلاقه, ولذا فإنه لابد وأن يفيق من هذه النكبات, وأن يضمد جراحه, وأن يصلح ما فسد في نسق حياته, وذلك بالالتزام بشرع الله تعالي, والتمسك بالحق والعدل, والقيم الأصيلة التي دعت إليها الشرائع السماوية من الحلم والرحمة والرفق والتواضع والعفو والصفح والحكمة والجود والتكافل والتآزر والتعاضد والتعاون علي البر وكف الأذي عن الناس وتجنيبهم الشرور وعدم البداءة بالعدوان وصون اللسان عما يستقبح من القول, ونحو ذلك من آداب وقيم دعت إليها هذه الشرائع, إذ من شأن الالتزام بها أن يعيش الناس في سلام مع خالقهم وأنفسهم وغيرهم, وعلي الدعاة إلي الله تعالي وعلي وسائل الإعلام المختلفة, بغرس القيم والأخلاق السامقة في نفوس الناس, ودعوتهم إلي محاسبة أنفسهم, ومراقبة سلوكهم وتصرفاتهم, وتنمية الجوانب الخلقية السوية في نفوسهم, باعتبار أن الأحداث الماضية أحدثت زلزالا شديد الوقع في نفوسهم ومعتقدهم, وهذا يحتاج إلي معالجة دائبة, للتخلص من تداعياتها. من جانبه طالب الداعية الإسلامي الدكتور سالم عبد الجليل, كل إنسان أن يضع نصب عينيه موقفه بين يدي الله يوم للحساب ليسأل عن الدماء, كما سيسأل عن الصلاة, مشيرا إلي أن الفرصة سانحة أمام من يريد أن يعود إلي حضن هذا الوطن, بشرط أن ينبذ العنف ويعلن استعداده للمشاركة الإيجابية في بناء مصر, وأن يغلب مصلحة الوطن علي مصالحه الشخصية,ولقد تأكد للجميع أن العنف لايمكن أن يكون وسيلة لتحقيق مكاسب ولوكانت مشروعة, بل لا يترتب عليه إلا مزيد من سفك الدماء وإزهاق الأرواح, وخسارة الأنفس والأموال, فلننبذ العنف, ولنقبل علي الحوارالبناء ولنمد أيدينا بالسلام لكل أبناء الوطن, ولنتصالح مع أنفسنا ومع غيرنا, وليكن هدفنا الأسمي: العمل من أجل رفعة هذا الوطن وسلامة أبنائه.