في الستينيات والسبعينيات.. كانت أفرع الياسمين تعلق بحوائط شرفاتنا.. وكان الندي يتساقط نظيفا علي أوراقها ناصعة البياض.. أما الشوارع فكانت هادئة خالية إلا من المارة الذين يمشون فيها الهوينا.. فكانت الحياة سهلة وبسيطة لاتملأها إلا الضحكات الرائقة.. ولم نعرف الغضب أو العنف أومايسمونه شد عصبي أو إسترس.. ومن هذه الحياة الحالمة عرفنا الحب.. حب كل الناس.. وقرأنا الشعر.. سمعناه وكتبناه, ورددناه أغنيات لكبار الشعراء.. فمن من جيلنا لم يقرأ شعر نزار القباني وخبأه مراهقا بين الوسادات؟.. وكانت المدارس تخصص له حصصا في المدارس- التي لم تكن ألمانية أو أمريكية- فتعلمنا من أبياته المبادئ والأخلاق والقيم.. فكيف لنا أن نعود لهذه الحياة الرومانسية التي يغلب فيها الحب بدلا عن العصبية والعنف؟ د.دعاء ممدوح بدوي شعبان المدرسة بكلية رياض الأطفال جامعة الفيوم تؤكد: أنه من أجل عودة هذا الوجه الجميل لأبناء مصر المعاصرين وعودة الشعر يتردد في وجدان أبنائها في المستقبل, قررت معظم روضات الأطفال تعليم الشعر لأطفالها الصغار وقبل سن دخول المدارسة لما يتميز به من إيقاع يؤثر في وجدانهم ويجذبهم للميل نحو الاستمتاع بالحياة بكل ما تحمله من معان ومثل وأخلاقيات, فالشعرهو أفضل وسيلة لغرس القيم لدي الأطفال بطريقة سهلة ومحببة إلي قلوبهم, كما أنه يثري خبراتهم ويعمقها في الحياة. ويعرف العلماء شعر الأطفال- فصيح أو عاميا- بأنه كلام موزون ذو حس موسيقي, يتضمن أفكارا ومشاعر وخيالا, ومعني ويتسم بعناصر أربعة هي: الطلاقة والمرونة والأصالة واستمرارية الأثر, ولأن الشعر قادر علي تحريك كل مظاهر النشاط الكامنة في روح الإنسان, فهو يحتل منزلة متميزة بين الفنون الأدبية المختلفة, ولأنه يجعل الطفل أكثر وعيا بوجوده فإن له مكانة خاصة في أدب الأطفال, حيث يساعد علي بناء أفكارهم ومشاعرهم وأحاسيسهم. ومن الشعراء الذين اهتموا بكتابة الشعر للأطفال وتناولوا فيه العديد من القيم والسلوكيات والأخلاقيات الشاعران محمد الهراوي, وأحمد سويلم. ومحمد الهراوي يعد أحد الرواد الذين تركوا علامات بارزة في الكتابة للأطفال, حيث كتب بإبداع ملحوظ العديد من المنظومات والقصائد الشعرية التي اهتم بها الأطفال, وقد راعي فيها سهولة العبارة ووضوح المعني والأوزان الموسيقية الرقيقة, وقد اهتم الهراوي بأحوال الطفل المصري فظل يتابعه منذ اللحظات الأولي لاستيقاظه حتي نومه, وقد جسد كل مايفكر فيه في سنين عمره المختلفة, محاولا بث الطموح والخيال ومزج العمل والأخلاق بالقيم والعادات السليمة في أبيات شعره, أما أحمد سويلم فقد اهتم في قصائده ودواوينه ببناء شخصية الطفل العربي وتثقيفه وتهذيبه وتعديل سلوكه وبناء نسق من القيم الإيجابية بداخله وتنمية مهاراته العقلية والتفكيرية, وقد كان رائعا في ربط هذه القيم بواقع الحياة المعاصرة, وقد كان أحمد سويلم قادرا علي معالجة الأحداث التي يهتم بها الأطفال من خلال الحيوانات المحببة إلي قلوبهم, كما اهتم بطرح الموضوعات التي يهتمون بها عبر شخصيات حية من الأطفال أنفسهم, فعبروا أصدق تعبيرعن أمنياتهم ومشاعرهم وأحلامهم وتطلعاتهم المستقبلية وعلاقتهم بالكون والأشياء من حولهم منها: بستان الحكايات.. وأنا وأصدقائي, أما عن أهم أعمال أحمد سويلم فهي ديوان الطفل العربي قصائد للأطفال والتي تضم44 قصيدة شعرية لطفل الروضة. وتضيف د.دعاء أن قراءة الشعر وكتابته وترديده أناشيدا في الحصة الدراسية أو في إذاعة طابور المدرسة الصباحي من أجمل الطرق التربوية التي ينبغي تعليمها للأطفال, علي أن يكون ذلك بضوابط معينة وهي: أن يكون الشعر المقدم للأطفال مناسبا وملائما لأعمارهم من حيث المضمون والمزاج والحالة النفسية, وأن يكون مناسبا لمستواهم الإدراكي, وأن يكون حاملا لقيم المجتمع الذي يعيشون فيه ولايحمل أفكارا بعيدا عنه, علي أن يحقق الهدف من تعلمه في أن يكون وسيلة لغرس القيم الإيجابية في وجدانهم بطريقة محببة إلي قلوبهم, خاصة وقد أكد العلماء أن غرس وتنمية القيم في نفوس الأطفال من أهم القضايا التي يجب أن تحظي بالاهتمام, وأخيرا.. ولترسيخ الأشعار في وجدان الأطفال, علي معلمة الروضة دور مهم في شرح وإيضاح القيم المتضمنة لأبيات الشعر ومناقشتها مع جميع الأطفال, علي أن يتم تدريس الشعر بطريقة شاملة ومتنوعة وتضم القصيدة الشعرية, والقصة الشعرية, والمسرحية الشعرية.