كونتكت وضامن تتعاونان لتقديم حلول دفع مبتكرة وتحسين تجربة العملاء    محمود محيي الدين يستعرض استراتيجيات التمويل المستدام في المنتدى السنوي للميثاق العالمي للأمم المتحدة    حزب المؤتمر: التحرك المصري أمام «العدل الدولية» مكسب للقضية الفلسطينية    عمرو أديب: خسارة مصر تعتبر فادحة بالنسبة للإسرائيليين    عمرو أديب عن تأخر الزمالك أمام نهضة بركان بهدفين: نتيجة ثقيلة ومعندناش حظ الأهلي    عبدالمنعم إمام: مئات الآلاف من الشباب وصغار السن بمصر يشاركون في مواقع المراهنات الرياضية    عاجل: طريقة الحصول أرقام جلوس الدبلومات الفنية 2024 عبر الموقع الرسمي    إصابة نقيب شرطة بالأمن المركزي في حادث تصادم بالدقهلية    يضم مدفن شاه لإيران.. أهمية المسجد الرفاعي بعد دخوله دائرة التطوير    محافظ مطروح: قافلة طبية مجانية إلى مستشفى مدينة الحمام المركزي    طريقة عمل المفطح السعودى بالمنزل بخطوات بسيطة    أستاذ علوم سياسية: تحرك مصر الرسمي أمام محكمة العدل يُكذب دعاوى الاحتلال    هام لمن تلقى لقاح «أسترازينيكا».. إليك هذه النصائح | عاجل    رئيس «البحوث الفلكية»: مصر بعيدة عن أي ضرر من العاصفة الشمسية    خيرات مستقبل مصر.. مشروعات عملاقة للاستصلاح الزراعي والتصنيع والإنتاج الحيواني    ثقافة جنوب سيناء تناقش نشأة لغة الإشارة وأهميتها    أول تعليق من "شعبة المصورين" على منع تصوير الجنازات في المساجد    أقل سعر أضحية في مصر من «حياة كريمة» وأعلى جودة.. اعرف التفاصيل    7 معلومات عن أول تاكسي ذكي في العاصمة الإدارية الجديدة.. مزود بكاميرات وGPS    بوتين يعين شويجو سكرتيرا لمجلس الأمن الروسي    محافظ الأقصر يفتتح محطة رفع صرف صحي القباحي الشرقي    فتح باب التقديم لهيئة تدريس جامعة طنطا لشغل مهام مديري وحدات ضمان الجودة ب 3 كليات    رئيس مدينة دمنهور: حياة كريمة مشروعات تتحقق على أرض الواقع    الصحة: إغلاق عيادة للتجميل مخالفة يعمل بها منتحل صفة طبيب بمدينة نصر    أتلتيكو مدريد يحسم فوزًا ثمينًا على سيلتا فيجو بالدوري الإسباني    بشأن تمكين.. عبدالله رشدي يعلن استعداده لمناظرة إسلام بحيري    رئيس جامعة عين شمس يستقبل السفير البريطاني لبحث تعزيز التعاون المشترك    الأعلى للصوفية: اهتمام الرئيس بمساجد آل البيت رسالة بأن مصر دولة وسطية    ملمس الضوء    أمين الفتوى: سيطرة الأم على بنتها يؤثر على الثقة والمحبة بينهما    رئيس لجنة الانضباط: "لا صحة لتقديم اللجنة لاستقالتها.. وعقدنا اليوم جلسة في مقر اتحاد الكرة لمناقشة عدد من الملفات والقضايا    نتنياهو: سنكمل المعركة التي بدأناها ضد حماس حتى النهاية    جامعة حلوان تعلن استعدادها لامتحانات نهاية العام الدراسي    رئيس جامعة طنطا يتفقد أعمال مشروع مستشفى الطوارئ الجديد    محافظ أسوان: العامل المصرى يشهد رعاية مباشرة من الرئيس السيسى    موعد عيد الاضحى 2024 وكم يوم إجازة العيد؟    مصرع طالب بالصف الخامس الابتدائي غرقا في مياه ترعة اسنا جنوب الأقصر    المشدد 10 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه لمتهمين بالاتجار في المخدرات بالقليوبية    المشدد 5 سنوات ل 10 متهمين باستعراض القوة بالمعصرة    المفتي يحذر الحجاج: «لا تنشغلوا بالتصوير والبث المباشر»    «سايبين الباب مفتوح».. إحالة جميع العاملين بمركز شباب طوسون بالإسكندرية للتحقيق (صور)    موعد مباراة منتخب السويس وكهرباء الإسماعيلية والقناة الناقلة    نقيب الأشراف: مساجد آل البيت تشهد طفرة غير مسبوقة    من فعل ثقافي إلى جولة ملاكمة!    برلماني: قانون تحويل المراكز الشبابية إلى تنمية شبابية يحتاج لإعادة النظر    كوثر محمود لأطقم التمريض في اليوم العالمي: مهما شكرناكم لا نوفى أبدا حقكم    ضبط دقيق مدعم وكراتين سجائر قبل بيعها بالسوق السوداء في المنيا    محافظ القليوبية ورئيس جامعة بنها يشهدان تسلم دليل تنفيذ الهوية البصرية للمحافظة    رئيس تحرير الجمهورية: بناء الأئمة والواعظات علميًا وخلقيًا ومظهرًا وأداءً من بناء الدول    شكري: توافق دولي حول عدم توسيع رقعة الأعمال العسكرية في رفح الفلسطينية    صفقات الأهلي الجديدة.. حقيقة المفاوضات لضم أحمد حجازي (تفاصيل)    «ضد المشروع».. ليفاندوفسكي يثير أزمة داخل برشلونة    «الشيوخ» يعلن خلو مقعد النائب الراحل عبدالخالق عياد    «بشنس يكنس الغيط كنس».. قصة شهر التقلبات الجوية وارتفاع الحرارة في مصر    الاحتلال يحاصر النازحين بمراكز الإيواء التابعة للأونروا فى مخيم جباليا    جوتيريش يُعبر عن حزنه إزاء الخسائر فى الأرواح بسبب فيضانات أفغانستان    الرئيس السيسى يوجه بتعويض أصحاب المنازل المحيطة بمساجد آل البيت والصحابة    أطول عطلة رسمية.. عدد أيام إجازة عيد الاضحى 2024 ووقفة عرفات للموظفين في مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



750 مليون نسمة تجاوزوا سن الستين علي مستوي العالم
المسنون لماذا طالت أعمارهم؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 06 - 09 - 2013

الشيخوخة عملية فسيولوجية بطيئة, تزحف إلي جسم الإنسان عندما يعبر حاجز الأربعين من العمر. فمعظم أعضاء الجسم تبلغ ذروتها الوظيفية بين سن العشرين والخامسة والثلاثين وتظل ثابتة علي حالها حتي مشارف الأربعين سن الزواج والطلاق والإنجاب والأولاد والمشاكل وقمة سلم الإنتاج والترقي والعمل ويصبح صاحب قرار وبعد هذا العمر وبدرجات متفاوتة تزحف الشيخوخة ببطء
وهذه المظاهر تختلف من إنسان لآخر تبعا للجينات الموروثة, وأسلوب الحياة, والاقبال علي الرياضة, ونبذ التدخين, وجودة الطعام, وحياة الرفاه وعلي مر السنين تتدهور هذه الوظائف بدرجات حتي سن الستين( سن المعاش). وهذه السن تعتبر محطة مهمة للغاية لمن أحتل وظيفة مرموقة, مرتب مجز, وجاه ومال, وفجأة.. يجد نفسه خارج الاهتمام, لا يعلم ماذا يفعل, وأين؟ ويبدأ الإنسان يستعيد الذكريات وقد جرفه الزمن, وسرقته الأيام. ولا يظن أن الزمن سوف يرسو به إلي شاطئ الصمت, ودائما ما يتجاهل, الانسان قول أطباء علم النفس بأنه ينبغي علي الأنسان أن يعد نفسه ابتداء من سن ال55 لرحلة العمل التي سوف تتوقف عند الستين بالبحث عن هواية أو عمل خفيف يمتص الهوة السحيقة التي يقع فيها الإنسان عند محطة الإحالة إلي المعاش عندما يحال وهو في صحة جيدة وحيوية ونشاط بالغين.
وباحت الإحصاءات التي قامت بها منظمة الصحة العالمية أن عدد المسنين في العالم كان307 ملايين نسمة سنة1970, فقفز إلي580 مليون نسمة سنة2000 وتجاوز عددهم760 مليون نسمة حتي منتصف2013! شأن هذه الزيادة أن ترمي ثقيل المشكلات علي الأطباء والبيولوجيين وعلماء النفس والاجتماع والطب النفسي, ودفعت هذه الكتلة من المسنين إلي إنشاء تخصص اسمه الشيخوخة تحت عباءة الطب النفسي, لأن الكثيرين من المسنين امتد بهم العمر إلي ما بعد الستين والسبعين والثمانين بل والتسعين محتفظين بكامل قواهم وتظل أعضاؤهم تؤدي وظائفها علي مستوي القدرة, وقد يضاهي البعض من هم في نصف أعمارهم والبعض تعجز وظائفهم عن أداء أبسط المهام وهو ما يؤهلهم للألتحاق بدور رعاية المسنين لا سيما إذا فقد أي منهما شريك الحياة.
هي رحلة.. مهما طال الزمن هي رحلة قصيرة علي الأرض, وهو ما دفع الأطباء والمتخصصين إلي رصد حركة المسنين في75 دولة نامية, وأهم ما باحت به أن55% من السيدات المسنات يعشن أرامل, وقد رحل قبلها رفيق الرحلة, وترك لها الأبناء والأحفاء والخيارات هنا قد تفرض علي الأرملة أن تغادر مكانها الذي اعتادت عليه إلي دور المسنين, وقد تبقي بين الأبناء لتربية الأحفاد. وقد تكون محرومة من نعمة الإنجاب فتجد ضالتها في الانخراط بالعمل الخيري والتطوعي.. وقد تبدأ حياتها من جديد لزواج الونس. وأعمدة الصحف تعلن عن شريك الحياة وشروطه. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن يدور حول أسباب تحرك متوسطات الأعمار؟ وما هي نوع الخدمة الطبية للمسنين؟ وهل زيادة متوسطات الأعمار أنجب خدمة إستثمارية اسمها دور المسنين؟.
لفت نظر أطباء العلوم الأكاديمية وأطباء علم الشيخوخة والمسنين أن أعداد من بلغ سن المعاش في ازدياد.. بعد أن غادروا مناصبهم وهم في أوج نشاطهم وهو ما أدي إلي خروج أصوات تطالب بتحريك سن المعاش إلي ما بعد الستين وأقدمت بعض الهيئات مثل القضاة والصحافة والنيابة إلي رفع سن الإحالة إلي التقاعد من الستين إلي سن الثامنة والستين.
أكثر من هذا ان الذين تجاوزوا من العمر السبعين والثمانين والتسعين من الرجال والسيدات هي من الأمور العادية يتحركون في المجتمع بنشاط سواء في الأندية الرياضية أو في المجتمعات المخملية... بل ويعملون بنشاط في الطب أو الهندسة أو المحاماة. والصحافة والإعلام والمجتمع المدني ويتمتعون بفكر متقد ونشاط يحسدون عليه, بعد أن كان المسن أو الكهل يتواري خجلا من الشعر الأبيض الذي غطي رأسه وينتظر طائر الموت يحلق فوقه.. ويردد المسن جملته المشهورة بأن العمر قد ولي ولم يعد أمامه سوي القليل من الأيام ويتساءل قائلا هل نأخذ زماننا وزمن غيرنا أو يقول إني أعيش في الوقت الضائع. الأن تغير المشهد تماما في مجتمع المسنين, وهذا التغير في واقع الأمر يخضع لعدة إعتبارات ومحاور منها التقدم العلمي في الطب. وظهور علم الشيخوخة والدعوة إلي تعاطي المكملات الغذائية من الفيتامينات متعددة المعادن الاحتياجية والضرورية لجسم المسن وتطور علم أبحاث الخلية الذي أحرز خطوات مبهرة وازدياد مراكز الرعاية الفائقة في التقنيات والرعاية المركزة وهي مراكز في حقيقة الأمر انقذت الآلاف من موت محقق بفضل العناية الإلهية والأجهزة الإليكترونية التي ترصد كل أنشطة الجسم الحيوية لأن الدعوة إلي رفع الوعي الصحي والأهتمام بممارسة رياضة المشي رياضة العمر الجميل, ونبذ ظاهرة التدخين وأضراره, والدعوة إلي الأطباق الغذائية الصحية الخالية من الدهون, وحرص البعض علي إجراء الكشف الطبي الدوري الذي يضبط إيقاع الجسد وحيث تبوح أرقام التحاليل صورة الدم الكاملة بأي تجاوزات أو الخروج عن الأرقام التي أوصي بها الأطباء وأصبحت التحليل الطبية تحول كل أجهز الجسم إلي أرقام لها معدلات يرصدها الطبيب من أول نظرة وتحول دون وقوع مفاجآت.
زيادة متوسطات العمر خلقت:
انتشار سياحة العواجيز التي تستهدف المناطق الساحلية والغابات والصحاري بعيدا عن ضوضاء المدن وتلوث هوائها.. وإنتشرت في العالم سياحة المراكز الصحية الدوليةSPA في أوربا كلها وهي مراكز تستقبل المسنين ويخضعون طوال اليوم لبرامج من الغذاء والحركة والتدليك والنوم والترفية بحيث يخرج المسن من هذه المراكز وهو في أوج نشاطه, وأعلي حالات الحيوية, وقد اختفت التجاعيد, وزالت أصداء الحركة البطيئة المريضة, وباتت الشواطئ تستقبل مرضي الروماتيزم للدفن في الرمال الساخنة, ذات الطبيعة الخاصة علي سواحل قري ومنتجعات البحر الأحمر في سفاجا, بحيث يدخل المريض محمولا فوق الكراسي المتحركة ويخرج بعد أسبوع مترجلا متخليا عن الكرسي المتحرك وهو نوع من الاستشفاء مرتبط بالمكان.
وجاءت عوامل أخري مساعدة دخلت قاموس المسنين مثل الدعامات القلبية وتفتح الطريق في الشرايين أمام حركة ضخ الدم إلي القلب, وتعالج قصور الشرايين وضيقها, بحيث لا تحرم القلب من احتياجاته مع كل نبضة, وفتحت أجهزة تنظيم ضربات القلب حياة أخري لمن كان يعاني من زيادة أو نقصان في ضربات القلب وخضع القلب لهذه التكنولوجيا وعاد إلي خبراته التقليدية المنتظمة الطبيعية70 نبضة في الدقيقة بعد أن كانت140 نبضة في المرضي بالنبض السريع. أو40 نبضة في المرضي بالنبض البطيء وظهرت أجهزة الهولت مونيتور وهو جهاز يتم تركيبة في جسم المريض يراقب حركة القلب طوال24 ساعة لمعرفة أسباب الأضطراب علي مدي اليوم كاملا..
أعود مرة أخري إلي العوامل التي ساعدت علي رفع متوسطات الأعمار من الأربعينيات والخمسينيات إلي السبعينيات والثمانينيات, وهي جاءت نتيجة التركيبات الاصطناعية الوسائد الطبية, والمراتب الهوائية والأحذية الطبية أو الأكثر من هذه الأجهزة الإليكترونية لمساعدة المقعدين, وفاقدي الساق أو القدم أو الذراعين, وحتي الكفيف أصبح يبصر باستخدام التكنولوجيا.
وبالعودة إلي الوراء فإن متوسطات الأعمار منذ أربعة عقود كانت64 عاما للرجال..68 عاما للمرأة.. وقفزت المتوسطات خلال عشر سنوات بالنسبة للجنسين وبات متوسط الأعمار72 عاما للرجال,77 عاما للمرأة. وبات مألوفا أن تجد ثلاثة وأربعة أجيال الأب والابن والحفيد ونجل الحفيد! لأنه تم تعديل كل أساليب الحياة لتناسب سن الكهولة, إنها الحياة ظاهرة تؤكد التغيير الكبير في متوسطات الأعمار ولم تعد الناس تتندر بالأعمار السابقة للأجداد.. لأن المعمرين الآن كسروا حاجز العمر وحققوا التسعين بسهولة..
وفي متابعة سريعة لعظماء مصر وأعمار وفاتهم لم يتجاوز أحد السبعين من العمر رغم حياة الرفاة التي كانوا يعيشونها في الأربعينيات والخمسينيات من الألفية الأولي من الثانية ورغم جودة الحياة.
وبحسب ما جاء في مقدمة ابن خلدون بأنها الحياة التي تسمو من الضروريات إلي الرفاة أي من الضروريات إلي الكماليات.. وتبدو الأمور واضحة.. فعند بناء مستشفي مهما كان عدد الأسرة بها فأن إنشاء غرفة للرعاية المركزة بات أمرا ضروريا لأنها العمود الفقري لأي مستشفي لإستقبال حالات حرجة في القلب أو المخ كما تعالج حالات مريض الغيبوبة والذي يعاني من خلل ما قد يكون في المخ هذا العضو الذي يحتل الإدارة العليا لوظائق الجسم وهذا الخلل يهدد الحياة ولا منقذ لهذه الحالات سوي حجرات الرعاية الفائقة وهو مكان يمثل أهم وأقصي ما يستطيع الطب أن يقدمه لإنقاذ حياة المريض الذي يحمل داخل جسده مشاكل وتحتوي هذه الحجرات من قمة التكنولوجيا الطبية تشخيصا وعلاجا حيث تظل علي المريض أجهزة مراقبة وظائف المخ والقلب والتنفس دقيقة بدقيقة وكافة وظائف الجسم الحيوية وأخري صناعية تقوم بضخ الدم والأكسجين والسوائل الهامة اللازمة لحياة المريض في محاولات مستميتة لإستعادة وظائف الجسم, ويتمتع العنصر البشري في حجرة الرعاية المركزة بفريق طبي مدرب علي ملاحقة التغيرات السريعة في اللحظات الحرجة ومدرب علي متابعة أكثر من مشكلة في وقت واحد ويشبه الأطباء فريق حجرة الرعاية الفائقة بربان سفينة يبحر وسط أمواج عاتية والبعض يميل إلي تسميته بالمايسترو الذي يقود الفرقة الموسيقية بآلاتها المتعددة في تناغم وإنسجام وإيقاع ساحر ينال الإستحسان..
أما إدارة غرفة الرعاية المركزة فتتعامل مع التمريض والهندسة الطبية والإشاعة والتحاليل والجراحة والباطنة والقلب والمخ والأعصاب والأوعية الدموية ويدرك الأطباء أن الثواني في حياة المريض تفرق كثيرا بين الحياة والموت لأن المشاكل معقدة ومتداخلة- كما يقول د. محمود الشربيني أستاذ طب الحالات الحرجة. وهي مشاكل تهدد حياة المريض وتتطلب مهارة فائقة وأداء يدرب علي التعامل مع الحالة ككل. ومتابعة دقيقة للغازات ومكونات الدم وأجهزة ضربات القلب عند توقفه والقلب الصناعي وبالونات الأورطي وإزالة الخلل الوظيفي والعضوي وأدوية الخفض السريع للضغط وأدوية وحقن إزالة وتذويب الجلطة في الساعات الأولي من حدوثها. كل هذه الانجازات في التقدم الطبي.. مما لا شك فيه ساعد المسن أن يقاوم الأمراض ودخل الكومبيوتر حياته وتعامل معه وهي منظومة عريضة من الخدمات لم تكن متاحة منذ ثلاثة عقود مضت وأصبح المسن يملك أدوات التوجيه من بعد مثل الريموت لفتح الأبواب والستائر والتكييف والتليفزيون وفي سترته المحمول بكل وظائفه إنه قمة في التكنولوجيا وجاءت الشرائح المعدنية والمسامير لترمم كسور المسنين ويعودوا إلي نشاطهم بعد أن كانت الكسور للمسنين هي نهاية عمره أو بداية النهاية والعد التنازلي لعمره لأن ملازمة الفراش زمنا طويلا كانت تخلق مشاكل صحية مثل قرح الفراش واضطراب الدورة الدموية والوهن. وأصبح المسن يتناول الأدوية التي تصيبه من هشاشة العظام وهنا يقول د. عبد المنعم عاشور أستاذ ورئيس قسم أمراض الشيخوخة بطب عين شمس- صحيح أن التقدم التكنولوجي حقق العديد من المنافع ولكن كانت له أيضا الأثار الضارة مثل زيادة حدوث أمراض خفض الدم وتصلب الشرايين والسكر والأكتئاب وإضطرابات الجهاز العصبي. كما ساعد النمو الحضري السريع إلي تلوث البيئة ويكفي أن نطرح الإحصائية المرورية التي تقول إن شوارع القاهرة تستوعب مليوني سيارة تحقق10 ملايين رحلة يوميا وتحرق6 ملايين طن سولار وغاز وبنزين في سماء القاهرة وهوائها وانما مما أدي إلي زيادة أمراض الرئة, وطرأت أعراض غريبة علي المسنين بإفتراض أنهم ضعيف المناعة.. ففي حين كانت الأوبئة تحصد البشر منذ خمسة عقود.. مثل الكوليرا والتيفوئيد والبارتيفوئيد والملاريا والطاعون والتيتانوس وشلل الأطفال وفيروس التهاب الكبد أ,ب. كل هذه الأوبئة خضعت لسيطرة العلم بابتكار الأمصال واللقاحات والطعوم ويحصل عليها الطفل في الشهور الأولي من ولادته.. وباتت الأمراض المزمنة هي التي تهاجم المسنين مثل إرتفاع ضغط الدم وغيره.
وإذا اعتبر العلماء أن عمر الإنسان يمر بثلاث مراحل مختلفة تبدأ الأولي من الطفولة وحتي البلوغ والمراهقة. فإن المرحلة الثانية تبدأ من الشباب وحتي الرجولة(18-40 سنة) أما المرحلة الثالثة فهي من الرجولة وحتي المسن والشيخوخة ويحاول طب الشيخوخة أن يقرأ ما سوف تؤول إليه الحالة الصحية للمسنين وأساليب حياتهم عندما تمتد دورة الحياة إلي ما بعد السبعين والثمانين وربما يغادر الحياة بسبب شيخوخته بيولوجية أي بلا أمراض.. فلا ننسي أن الأجهزة التعويضية والإليكترونية سمحت للمسنين أن يسمع ويري ويتحرك علي كراسي كهربائية وأجهزة ذكية تحرك الذراع والساق والقدم.. وعرضت شركات الأدوية عقاقير مثيرة للجدل وهي أجيال من الأدوية تعالج العضو المختل وحده مثل الصدر والقلب والبروستاتا والضعف الجنسي للجنسين, والمعامل مشغولة الآن بإنتاج لقاحات وأمصال تقي من السرطان وأخري تستنفر الجسم لإنتاج أنسولين لعلاج مرضي السكر.
ودخل طب التكنولوجيا الحيوية والعلاج بالخلايا الجذعية وزراعة الأعضاء وإنتاج أعضاء من خلايا جذع الإنسان, كل هذه المحاولات جددت الأمل للمسن أن يتطلع إلي سنوات إضافية خالية من الأمراض, ومما يزيد من فرص الأمل للمسنين تلك البرامج في التليفزيون الأمريكي والتي يعرض فيها أعياد الميلاد لمن تجاوزوا المائة وتظهر صورة المسن أو المسنة وهي تبتسم ويذكر المذيع تاريخ ميلادها وعدد الأبناء والأحفاد وأبناء الأحفاد وكان في الماضي يتواري المسنون خلف جدران إقامتهم بالمنزل عاجزين عن الحركة مقعدين يرتجفون من المستقبل ولا يجدون من يشد أزرهم. وكانت المقاهي تستقبل عددا منهم والبعض الآخر يلوذ بدور العبادة يتعبد ويستغفر ربه بينما يفكر البعض الثالث يفكر في مشروع يمتص وقت الفراغ.. وكل حسب ظروفه وقدراته وإمكانياته وصحته وتشجيع أسرته.. وكانت بيوت إيواء المسنين شحيحة ونادرة لأن المسن أحيانا يغادر الحياة قبل أن يلتحق بهذه الدور..
لقد تغير الوضع تسعين درجة وبات هناك طلب عام علي بيوت المسنين, ودخلت دور الرعاية في هذا الميدان لأن المسنين زادت أعدادهم.. وأصبحوا مع تقدم العمر أفضل صحة من المنفي الاختياري الذي فرضه علي نفسه طواعية.. ورفعت دور المسنين الأجر اليومي للمسن واشترطت للقبول أن يتولي خدمة أموره بنفسه والتمتع بصحة جيدة. وهي كانت مشكلة لبعض المسنين أو المسنات الذين هجرهم الأبناء إلي دول المهجر. أو البعض منهم شغلته الظروف والعمل والزواج والأبناء, وصار قاصرا عن رعاية والده أو والدته, وأمام زيادة الأقبال علي هذه الدور, قبلت الدور المسنين والمقعدين والمصابين بالأمراض المزمنة, وأضطرت دورن المسنين إلي الأستعانة بالأطباء في كل التخصصات لأي نداء عاجل في الليل أو النهار وكذلك فرق التمريض. دور المسنين أصبح عددها في مصر520 دارا للمسنين, البعض منها خمسة نجوم والأخر ثلاثة نجوم وهي دور تخضع لنوع الخدمة والترفيه والعلاج والرعاية ومن ناحية أخري لم يعد يلفت نظرك أن تري كهلا يقود سيارة أو يتردد علي النادي ليمارس رياضته المفضلة في التنس او السباحة أو السونا أو المشي.. بل والبعض منهم يأتي إلي النادي وقد إستقبله الكرسي المتحرك ليقله من باب النادي إلي الصالون الإجتماعي في جلسة دردشة في شئون الدنيا مع أصداقائه ورفاق المهنة وكذلك المسنات وقد لجأت إلي رعاية الأحفاد بعد خروج والديهما إلي العمل والبعض منهن ينحرط في العمل الاجتماعي في الجمعيات الخيرية لشغل الوقت.
وكانت الأسرة في الماضي تري أن التحاق الوالد أو الوالدة المسنة بهذه الدور هي سبة في جبين الأسرة.. أو عيب شديد أن يتخلي الأبناء عنهما. ولكن ظروف الحياة والوحدة والصمت الذي يصيب المسن بعد أن يخرج الأبناء للعمل والأحفاد للمدرسة. ويجلس الجد في صمت وأمامه جهاز التليفزيون يتابع البرامج الصباحية وحتي عودة الأسرة برغم أن النظر أصبح ضعيفا فأقلع عن القراءة والسمع أصبح ثقيلا فأبتعد عن الحديث في التليفون وبات البحث عن جليس للمسن أمرا صعبا من الجنسين وللجنسين.. وتصبح دور الرعاية هي المكان الأمثل لأنه يري الرعاية والونس والذكريات ويظل مشغولا طوال اليوم بالأحاديث مع الغير في نفس المرحلة والعمر. ويلجأون كلهم للخلود للنوم في وقت واحد تقريبا.
بعض دور الرعاية. تشكو من إنشغال أفراد الأسرة وإهمال زيارة المسن أو المسنة.. وإنهم لا يترددون علي الدار إلا كل شهر مرة لسداد الأجرة الشهرية والبعض منهم لا يأتي إلا بعد أن يفارق المسن الحياة.
ولكن لا ننسي أن الوجه الإيجابي لهذه الدور أن المسنين والمسنات في هذه الدور بحكم الظروف تعاملوا معا وبات كل مسن يحكي قصة حياته ورحلة العمل والزواج والحب والإنجاب.. وأصبح الكل يعلمون كل شيء عن بعضهم البعض.. وبات الفرد يمضي مع الذكريات وما بقي منهم وما يتذكره.. ويحمد ربه أنه ما زال حيا ويشكر ربه لأنه أفضل من زملاء غيره. لا شك حسب قول إحدي المربيات أن الحزن يكشف البعض لأن رحلة الحياة إنتهت به في هذه الدار.. والحزن يتعاظم مع قنوط الأبناء.. وإنعدام الزيارة إلا في المناسبات وعندما يأتي الأبناء يقدم الأعذار لوالده أو والدته المسنة.. ودائما الآباء يغفرون للأبناء.. ويلتمسون الأعذار لهم.. بل ويفسرون ذلك بأن الحياة صعبة وغالية وأن الأبناء معذورون في إدارة شئون منازلهم.. وفي كل زيارة من الأبناء إلي الأباء المسنين في الدور أو الأمهات يتعلل بصعوبة إصطحاب الأحفاد لرؤية جدهم أو جدتهم وهي في المنفي.. والأمر الغريب أن الجدة أو الجد في منفاه يلتمس العذر ويقبله علي مضض والعديد من نزلاء الدور تدهمهم الكآبة ويموتون كمدا والبعض يتلتهمه مرض الالزهيمر اللعين.. ويصبح مصدر قلق لإدارة الدار, التي لا تملك حياله شيئا فالعلم لم يقدم شيئا ولم يحرز تقدما لعلاج أو وقف توحش الزهايمر الذي يسيطر علي كل تصرفات الشخص بالسلب اللعين.
وعندما باحت الدراسات بأن55% من المسنات أرامل فأن هذه النسب تنبو طبيعية لأن الرجل عادة يتزوج من امرأة تصغره سنا وفي نظرة تأمل إلي أعمدة الوفيات في الصحف نجد دائما الزوجة تنعي زوجها وتبكي علي فراقه والقليل والنادر أن ينعي الزوج زوجته لأن الرجل لا يزال يتحمل أعباء الأسرة ويتحمل تبعات قراره وفي نفس الوقت الرجل يري أن طموحه أن ينجح وأن العمل والوظيفة هي كل حياته وتأتي بعد ذلك أسرته وهو ما يشكل أعباء من جرائها تدهمه الأمراض المزمنة ويسبق زوجته في الرحيل.. أما إذا جاء العكس فأن الزوج غالبا ما يبحث عن زوجه تؤنس وحدته بدلا من دخول دور المسنين. والذي جعل الرجال يتجرأون علي الزواج مرة أخري في آخر العمر هو المنشطات الجنسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.