الأسرة هي عماد التربية المستمرة الدائمة, وصاحبة الدور الكبير في بناء الصرح الإنساني الذي يحقق تقدم الأمة ورفاهيتها ونهضتها. وبعدما شاهدناه من مشاركة بعض الشباب في أعمال العنف والتخريب, ورفض الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة, وهذا خطأ وطيش وجهل, وبعدما رأيناه أيضا من استهزاء بعضهم بمحاسن الرحمة والرفق والسماحة, والاستهانة بمكارم الأخلاق, إلي جانب الخوف علي فريق آخر, تناديه محاولات الإثارة والإغراء والشر والإباحية والانحراف, وذلك خطر كبير فإننا نطالب الأسرة المسلمة بأن تقوم بواجبها في التربية الهادية الرشيدة السمحة, وأن تهتم في تربيتها بالأسس السامية المستمدة من كتاب الله, وسنة رسوله, ومنهج السلف الصالح, وفضائل التربية السديدة, التي تؤثر الاعتدال واليسر والعدل والإحسان, وتحث علي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, عملا بقوله تعالي: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله. إن تقصير الأسرة وإهمالها في التربية الدينية يضيع جهودها وجهود دور التعليم, وسائر الجهود الأخري, أما نجاحها في إعداد أبنائها إعدادا قويا, يعتصم بالدين والخلق, فإنه يفيد الشعب كله, ويسهم إسهاما كبيرا في نجاح جميع مهامها, وحصولها علي ماتطمح إليه من المجد والسعادة, والعيش في رغد وهناءة. والواقع أنه لم يعد مقبولا أن تتمسك الأسرة بالفهم الخاطئ الذي يري أن تربية البنين والبنات خلقيا هي مهمة المدرسة والمدرسين, وأن عملية بث المحاسن والفضائل هي رسالة المعلمين والموجهين والأئمة والوعاظ وغيرهم, فليس من شأنها تعهد الأولاد بالتأديب والمراقبة والمتابعة وغيرها, لأنها مشغولة بمتطلبات الحياة, واحتياجات المعيشة, وتكاليف التعليم والدروس الخصوصية وغيرها, ولا يتسع وقتها لدروس التربية الخلقية, والعناية بتبيين الحلال والحرام, ومسائل العبادات والمعاملات, والتحذير من الموبقات, والوقوع في أوحال المحرمات, وإقامة السدود في وجه الأهواء الجامحة, ومحاربة الجرائم الفاضحة, فأمر ذلك ثقيل, ومسئوليته صعبة. والحق أنها لابد أن تتحمل قسطا كبيرا في التربية الخلقية, وتعرف أن العون الصادق للأطفال في السنوات الأولي, يغرس الأسس السليمة النافعة, ويمنح الكثير من عناصر الخلق النبيل, ومعالم السلوك الطيب, ومن خير ماتفعله الأسرة أن تأمر الأبناء بالصلاة والوضوء لها, ليسكنوا إليها, ويألفوها إذا كانوا بني سبع سنين, وأن نضربهم عليها إذا كانوا بني عشر, وتقوم بالتفريق بين البنين والبنات في المضاجع, وتستمر في تقديم النصائح, والإرشاد الدائم للفضائل وسبل العمل الصالح, وعليها أن تدرك أن تعليم القرآن والحث علي حفظه له أطيب الأثر وإبراز الآداب الإسلامية ومكارم الأخلاق, والحقوق والواجبات, وصور السماحة والمواطنة والعدالة والإحسان وغيره, يدعم التربية الخلقية, ويمنح الأبناء زادا طيبا, وثمرا مباركا.. إن نشر الخلق الفاضل والنزاهة المحمودة والتقوي الجليلة بين أفراد الأسرة, مسلك أساسي نفيس, يربي الضمير, ويصون الحقوق, ويحفظ النفوس, ويكون البواعث التي تحفز علي الخير, والضوابط التي تردع عن الشر. وجماع الأمر أن علي الأسرة المسلمة العناية بالتربية الدينية التي تحارب العنف والقسوة والعنت, وإدراك أنها لا تستطيع الاستغناء عن التربية الخلقية, وسراجها المنير, وصراطها المستقيم, في أي وقت, فهي ركن رشيد للإصلاح, وسند متين في إزالة الخلل وكل شك وحيرة, إنها من أهم الواجبات, وحسبها أنها تجعل حياة الأبناء حافلة بالهدي والصلاح, مزدانة بفضائل التقوي والاستقامة, مشرقة بالعفة والطهر والنبل والإخلاص. وحين نناشد الأسرة أن تعني بالتربية الدينية فإننا نساعدها علي الوصول الي كل أوجه الخير, وكل مايوفر لها معاني القوة, وسوف تعلم أن الدين السمح طبيب حاذق حصين, وسلاح قوي في معركة الحياة, وأن أبناءها سيكونون معه في أنس دائم بربهم, ونور ساطع يغمر قلوبهم, وفلاح وبهجة بسكينة النفوس, وطمأنينة القلوب, ببغض العنف والتشدد والغلو والانحراف, وإيثار الوسطية والاعتدال والسماحة, بفضل التربية الدينية السمحة الهادية التي عاش في ظلالها كل أفراد الأسرة, ينعمون برعايتها المخلصة, وحمايتها القوية, ويشكرون الخالق الذي هداهم إلي دين الحق والرشد, وزكاهم بالعلم العمل ومدحهم بقوله سبحانه: وكذلك جعلناكم أمة وسطا إننا نرجو أن يتضافر الجميع مع الأسرة في التربية, ولا تقف وحدها, لتظفر التربية بأزكي الدروس وأرقاها, في سعيها للوصول إلي الكمال المنشود والغاية الرفيعة. الأستاذ بجامعة الفيوم لمزيد من مقالات د. حامد محمد شعبان