في مقدمة كتاب أحاديث جدتي كتب د. طه حسين عميد الأدب العربي في المقدمة يقول... في العصر الذي سبق الاحتلال الإنجليزي كانت لمصر أمال واسعة و كانت لها خطوات بعيدة موفقة إلي تحقيق الأمال ثم بينما هي ماضية في طريقها إذا بسحابة تسعي متثاقلة و قد قدمت بين يديها نذرا لم تسمع لها مصر حتي تبلغ وادي النيل فتطبق عليه أطباقا. كلمات بسيطة مختصرة تشرح لنا عصرا مصريا بأكمله. ففي هذا الزمن وكما تفيد الكثير من الكتابات والوثائق لم يكن التواجد المصري في إفريقيا ابن يوم وليلة بل كان منطقيا وليس استعماريا يعيش في عصر ويختفي في آخر. فالتاريخ يحكي عما كشفته البرديات و رحلات الفراعنة العظام إلي بلاد بنت, و مخطوطات الأناجيل و حكم الكتاب المقدس ثم هذا التلاقي المدهش بين الشمال والجنوب مع امتدادات الحضارة الاسلامية من مصر المحروسة إلي عموم أفريقيا ثم في زمن الكشوف الجغرافية. فالارتباط بإفريقيا استمر بكامل قوته حتي انتهاء زمن جمال عبد الناصر. ولهذا حكت د. سهير القلماوي ضمن أحاديث جدتي الذي كان أول كتبها عن الجيش المصري الذي تعرض لواقعة خيانة من جانب الانجليز الذين قتلوا عشرة آلاف جندي عندما أدخلهم القائد هكس في منطقة خطرة في السودان. ومن يقرأ الوثائق المصرية الخاصة بتأسيس الهلال المصري يعرف أن السبب في تأسيسه يعود إلي حملة عسكرية من المصريين والانجليز ذهبت إلي السودان عام1896 تحت مسمي مصلحة الدولة المصرية الا ان المصريين قتلوا بناء علي تخطيط مسبق بعد القضاء علي ثورة عرابي واستعمار بر مصر. ومع هذا فقد قابل المصريون ما حدث بعبقرية التخريجات المصرية- إن صح التعبير- فأجتمعوا في منزل أحمد سيوفي باشا بالعباسية لتبدأ التبرعات لجمعية ولدت بأسم الهلال الأحمر المصري وكان أول المتبرعين هو الخديو عباس حلمي الثاني. أما الوثائق المصرية الموجودة في دار الوثائق المصرية ومكتبة الاسكندرية والجمعية الجغرافية المصرية فتحكي عن رحلات للأمير عمر طوسون و الأمير يوسف كمال وغيرهم.. وهذه الرحلة للأمير محمد علي باشا ولي العهد إلي جنوب أفريقيا التي بدأت في السادس من أبريل عام1924 من ميناء بورسعيد علي متن السفينة نورمان وكتبها أحمد مختار أفندي. وتتعرض رحلة الأمير محمد علي للكثير من الانطباعات حول ميناء بور سودان الذي أكثر ما يشد الانتباه إليه وجود بنائين أحدهما يحمل العلم المصري الأحمر القديم والآخر يحمل العلم الإنجليزي وهو ما يدل علي التواجد المصري في المكان, ثم ممباسا التي علم بها الأمير ضرورة ترك بطاقته للحاكم الانجليزي قبل رحيله عن المكان لأنه ببساطة لا يمكنه تجاهل وجود هذا المستعمر الذي يفرض نفسه علي عموم إفريقيا. أما بريتوريا فرأي إنقسام أهلها بين أغلبية بيضاء وأقلية من الزنوج حفاة الأقدام و يلبسون الملابس الأوروبية و يمنع عليهم السير علي الأرصفة, أو ركوب الترام, أو دخول المقاهي والملاهي والفنادق, ولهم عربات خاصة في القطار وليس لهم أن يمروا بالشوارع بعد الساعة التاسعة مساء الا بجواز خاص. وفي جوهانسبرج يكتشف الأمير انها كانت مجرد أراض بخسة الثمن حتي أن أصحاب المراعي كانوا يستبدلون جزءا كبيرا من الأراضي نظير اثني عشر ثورا وكان ثمن الثور وقتها من خمسة إلي عشرة قروش.وبعد اكتشاف الذهب بيعت قطعة أرض للبناء في أحدي شوارعها بمبلغ أربعين ألف جنيه. أما ميناء دوريان فقد أطلق عليها هذا الاسم نسبة للسير بنجامان دي رويان الحاكم البريطاني لإقليم الكاب الذي خاض حروبا لمواجهة المقاومة الافريقية ضد الإستعمار وتوطين المستعمرين البيض.فقبلها كان الهولانديون قد اشتروها من قبائل الزنوج في القرن السابع عشر ولكنهم تركوها عندما فقدوا سفنا بها. فقام ضابط إنجليزي بمطالبة بريطانيا بضمها رغم تبعيتها لقبائل الزولو وحاكمهم شاكا الذي دخل التاريخ من باب العنف كما يزعم الغرب والذي نجح الانجليز في الاتفاق معه علي التنازل عن دوربان وبلاوف ومدينة علي نهر أمبيلو. وترتبط مدينة كيمبرلي التابعة للكاب بتاريخ اكتشاف الماس في أراضيها علي يد أوريللي الذي وصلته قطعة ماس حجمها12 قيراطا من رجل هولندي يجهل قيمتها.والغريب أن محبي المغامرة كانوا يدفعون حياتهم ثمنا للماس لأنه كثيرا ما كان يحدث انهيارات في الصخور من حولهم, كما أن العمال كانوا يمكثون أعواما يكابدون عناء العمل دون أن يعثروا علي قطعة من الماس ولم تكن الشركات تدفع لهم إلا إذا وجدوها....ملاحظات وملاحظات أعتقد انه لكي نتحرك مرة أخري في الاتجاه الصحيح يجب أن نقرأها كتاريخ وعبرة لنتعلم مما كان. فهناك تاريخ حقيقي لإفريقيا لم يكتبه الا المصريون.