تشهد الآونة الأخيرة زيادة واضحة في معدلات الإصابة بالفشل الكلوي والأورام الخبيثة في مصر وعلي مستوي العالم. وأجمع العلماء علي أن التلوث البيئي هو السبب الرئيسي وراء هذه الظاهرة وقد اكدت دراسة علمية قام بها فريق بحثي بالمركز القومي للبحوث أن الزرنيخ يأتي علي رأس الملوثات البيئية المسببة لهذه الأمراض الخطيرة. أجري الدراسة كل من الدكتورة أمل سعد أستاذ صحة البيئة والطب الوقائي بالمركز, والدكتور محمود عبد المجيد الباحث بقسم تلوث الهواء بالمركزعلي عينة عشوائية من الفئات المختلفة للمجتمع المصري, وفيها تم قياس نسب تراكم عنصر الزرنيخ عن طريق قياس نسبته في عينات من شعر الرأس, وذلك لأن زيادة هذا العنصر في جسم الإنسان بمعدلات غير آمنة لمدد طويلة تؤدي لتراكمه في شعر الرأس. وتم قياس معدل الزرنيخ في عينة من شعر المصريين غير المعرضين مهنيا للزرنيخ, فوجد أن متوسط تركيز الزرنيخ في45% من العينات كان أعلي من المستوي الآمن المسموح به عالميا. كما وجد أن نسبة عنصر الزرنيخ أعلي إحصائيا في الأطفال والشباب عنها في البالغين, في حين كان هناك اطمئنان كاذب علي البيئة المصرية من هذا الملوث, حيث وجد أن معدل وجود الزرنيخ في الهواء بالمناطق السكنية غير الصناعية بمصر يصل إلي جزء من مائة جزء من الميكروجرام في المتر المكعب, بينما كان في مياه الشرب أقل من جزء من الألف جزء من ملجم في اللتر من مياه الصنبور, أما في التربة, فكان المعدل يتراوح ما بين31 إلي91 ملجم لكل كيلو جرام من التربة. وتعد كل هذه النسب جميعها أقل من المعدلات العالمية المسموح بها بالمناطق السكنية غير الملوثة. وأثبتت الدراسة أن60% من المدخنين و67% من المعرضين للتدخين السلبي يعانون من ارتفاع في مستوي عنصر الزرنيخ عن المستوي الآمن صحيا وأن مستوي عنصر الزرنيخ يرتبط بنوعية التدخين حيث وجد أن مستواه أعلي بين مدخني المعسل عنه بين مدخني السجائر, إلا أن كليهما كان أعلي من المستوي الآمن. وغالبا ما يرجع ذلك لكثافة التعرض لنواتج التدخين في أماكن تدخين المعسل كالمقاهي والكافيتريات. هذا بالإضافة إلي ارتباطه المباشر ببعض المهن والصناعات الثقيلة مثل صناعة الحديد والصلب, المبيدات, أدوات التجميل وبعض الأدوية, التعدين والمسابك خاصة مسابك النحاس, البويات وعلاجات الأخشاب وغيرها. وأشارت الدراسة إلي أن الأسماك من أهم مصادرالتلوث بالزرنيخ, ويرجع ذلك إلي أن الأسماك تقوم بتركيز السموم الناتجة من إلقاء مخلفات الصرف الصحي والصناعي للمصانع والسفن في مياه البحار والأنهار, كما لوحظ وجود تناسب عكسي بين الاهتمام بكثرة تناول الفاكهة والخضراوات الطازجة والألبان ومنتجاته مع نسب الزرنيخ في العينة العشوائية التي تم فحصها في هذه الدراسة, مما يدل علي أهمية تناول الأطعمة الطازجة من فاكهة وخضراوات ومنتجات الألبان مع أهمية الإقلاع عن التدخين, وتجري حاليا دراسة موسعة علي عدد أكبر من الفئات المختلفة للمجتمع من خلال فريق بحثي من أعضاء قسم طب الصناعة والبيئة بشعبة بحوث البيئة بالمركز القومي للبحوث وتحليل عنصر الزرنيخ في عينات من الشعر أو البول أو الدم مع دراسة مؤشرات التنبؤ باحتمالية الإصابة مستقبلا بالمشاكل الكلوية أو بالأورام الخبيثة وعلاج حالات إرتفاع الزرنيخ أملا في تقليل نسب الإصابة بين الفئات المختلفة للمجتمع المصري.