بالأمس أحسست بحرج شديد وأنا أجتهد لأتذكر اسم زميلي الذي أعرفه جيدا, لكني نسيته تماما وأنا أتحدث معه. ظهرت علي وجهي علامات الحرج فأدرك ما أعانيه فابتسم بإشفاق وقال: علاء. أنت نسيت اسمي ولا إيه. فازددت حرجا وقلت له: سامحني وحين خلوت لنفسي قلت: ما هذه المصيبة التي أنا فيها. إنها المرة الثانية خلال أسبوع واحد التي تعرضت فيها لهذا الموقف. يبدو أني كبرت وأصاب مخي ما يصيب الكبار من تلف. هل دخلت منطقة الزهايمر وعلي أن أنتظر الخرف؟! أحسست برعب حقيقي وأنا أتخيل نفسي وقد انمحت ذاكرتي. كيف سأعيش؟! وإلي أي مدي سأصبح عبئا علي أسرتي؟! ما كل هذا الأسي الذي أشعر به الآن حين أتخيل ما سيحدث؟! لكن هذا لم يحدث بعد. فمازلت قادرا علي التذكر. أقرأ وأكتب وأعرف ما يكفيني. وأظن أنني بالغت في خوفي. فمن يدري ربما هي حالة طارئة. ومن ذا الذي ينجو من النسيان. بل من ذا الذي لا يجتهد في النسيان ولا يقدر عليه. إنه في بعض الأحيان نعمة. فكم من الذكريات الحزينة نتمني ولو نسيناها تماما. ثم تعالي وقل لي: هل كان في إمكانك أن تستمتع مرة أخري بكتاب سبق أن قرأته ولكن فضيلة النسيان جعلتك تنساه فتعود لتقرأه مرة أخري وتعيد اكتشافه. أليست هذه نعمة من نعم النسيان؟! ثم تعالي وقل لي: كم خطأ ارتكبته في حياتك ونجحت في نسيانه لتواصل الحياة وتقبل نفسك بعدها هكذا بحلوها ومرها؟ كم من البشر نجحت في نسيان نقائصهم واستطعت أن تمنحهم الفرصة مرة أخري فأثبتوا لك أنهم بشر فيهم الخير وفيهم الشر مثلك تماما؟ لولا النسيان ما اخترع الإنسان الكتابة والتسجيل ليذكر إذا نسي. تعالي معي لنتخيل حياتنا هكذا بدون الكتابة والتسجيل التي ما أظننا اخترعناها إلا لتقاوم النسيان. بالنسيان الذي تخافه تداوي جراحا وتواصل حياتك بخيرها وشرها, بالنسيان تنعم بالسكينة. إذن النسيان نعمة من وجهة نظرك؟! لم أظنه نعمة كما لا أظنه نقمة. لكنه موجود كوجودنا يجب أن نعترف به ونتعايش معه. نتعامل معه. لا نحبه ونستعذب الحياة في فضاءاته الشاسعة. ولا نكرهه ونخافه ونرتعد خوفا منه علي عقولنا. الحياة ستستمر بين التذكر والنسيان ولا داعي للقلق. ابتسم وأنت تتذكر. وابتسم وأنت تنسي. كانت خالتي( رحمة الله عليها) تقول حين ننبهها إذا نست: يووه. هي الواحدة حتفتكر إيه وللا إيه. وكانت إذا ما أرادت النداء علي أحد منا كرت أسماءنا جميعا حتي تعثر علي الاسم المستهدف أو يفطن أحدنا قبل ذلك إلي أنه هو المقصود بالنداء فيسارع بالإجابة: نعم يا أمه. فيكتشف أنه هو بالضبط المستهدف. ولم يكن رده عليها إلا استجابة من الروح للروح. ولا دخل للعقل في المسألة. يبدو أننا نعيش لغزا جميلا علينا أن نكمله دون أن نعرف الحل. وهذا من حسن حظنا جميعا.