' سقوط الصمت' رواية جديدة لعمار علي حسن, صدرت عن الدار المصرية اللبنانية, وتشكل متتالية روائية, حيث تفترق الفصول وتتداخل لخدمة فكرة مركزية واحدة تسيطر علي أجواء الرواية, والتي تستلهم الروح المصرية الأصيلة متعددة الطبقات, متراكبة الأزمان, متداخلة الحضارات, حتي أستقرت هذه الروح الأصيلة وكشفت عن نفسها في ثورة يناير, وما سبقها من أحداث, وما جري خلالها من تجرد وإخلاص وتفان وانصهار حضاري وروحي بين فئات الشعب المصري. وتنطوي الرواية بصفحاتها التي تجاوزت الستمائة علي حس ملحمي, يجعل من الحدث تاريخا ومن بعض الشخصيات رموزا, ومن التفاصيل الصغيرة نهرا كبيرا, يجرف في طريقه كل المعوقات, وهي من الروايات التي أرخت لزمانها, وهي وإن كانت تستفيد من التاريخ بإستحضار روحه في وعي الشخصيات, فإنها في الوقت نفسه انطلاقا من هذا الوعي تستشرف المستقبل, حيث رصدت الرواية ألاعيب جماعة سياسية هي جماعة الإخوان المسلمين, وقفزها الصريح علي طموحات الشباب, واستظلالهم بالأمريكان, حتي ينالوا غرضهم وذلك قبل أن تتنبأ بسقوطهم, وعيا بهذا المسار واستشرافا من الراوي بمصائر أبطاله وبنهاية أحداث الواقع. الروح الروائية لدي عمار علي حسن تأتي من منطقة نادرة في التراث والوعي المصربين, هي منطقة التدين الشعبي والتصوف, وعلاقة ذلك بحياة المصريين وأفعالهم, وردود أفعالهم وتوقعها آحيانا من قبل الدارس الفاهم, هذه الخلفية العلمية من عمار الباحث في علم الاجتماع السياسي انعكست علي اختيار نماذج أبطاله, وتحديد عوالمه الروائية وإغنائها ورفدها بالكثير من التفاصيل الدالة. ثورة يناير هي اللحن الكبير, الذي كسر جدار الصمت, والذي يلضم الأدوار كلها والشخصيات جميعها بتقاطعاتها ومواقفها السياسية وعلاقاتها الداخلية وبالأطراف الخارجية,, وتذهب هذه الرواية وراء الإنساني والجمالي والمخبوء في ثورة يناير المصرية من خلال سرد ووصف وحوار عبر شخصيات متنوعة خلقت المشهد المهيب, وذلك في بطولة جماعية تضم: الثوري الحالم والانتهازي, وشبابا من الشوارع الخلفية وأبناء الطبقة الوسطي, واليساريين والليبراليين والإخوان والسلفيين, والجنرالات وأنصار النظام السابق واللامبالين, والعمال والفلاحين والموظفين والإعلاميين والمثقفين, والشيوخ والصبية والرجال والنساء, والقاضي العادل وترزي القوانين, وأرواح الشهداء والمصابين, وكذلك الهلال والصليب كرمزين لوحدة وطنية, وتمثال عمر مكرم الذي يتوسط ميدان التحرير, وتمثال زورسر الذي يغادر المتحف ويتفقد الثوار. وتضم رسامي الجرافيتي وصانعي اللافتات وكاتبي الهتافات والشعارات, وأطفال الشوارع المشردين ومتحدي الإعاقة, والبلطجية والمتحرشين والمخبرين, والأميين ومجيدي النقر علي رقعة الحاسوب ليصنعوا الدهشة والأمل في العالم الافتراضي, والأجانب الذين جاءوا للمتابعة كصحفيين أو دبلوماسيين, وشبابا عربيا بهره ما حدث في لحظته الأولي وأثار شجونه وتمني أن يراه في بلاده. وفي الرواية تختلط مشاعر الحب والكره, والوفاء والغدر, والأمانة والخيانة, ويحتدم الصراع بين أبطالها, ويتحول بعضهم مع مرور الأيام من النقيض إلي النقيض. وتحوي الرواية خمسة وسبعين فصلا أو مقطعا متتابعا في رحلة زمنية تسبق انطلاق الثورة وتتجاوز ما يجري حاليا إلي توقع ما سيحدث في المستقبل, وقد حرص كاتبها علي أن يضع من يقرأها, في أي زمان وأي مكان, في صورة ما جري كاملا, كأنه شارك في هذا الحدث الكبير أو عايشه عن كثب, بل وطالع بعض الجوانب الخفية التي يمكن أن يصل الفن إلي أعماقها البعيدة, وبما يستحيل علي التحليل السياسي أو الرصد الإخباري أن يبلغه وساعده علي هذا أنه كتب عن واقع كان في قلبه, ويعرف تفاصيله جيدا, حيث أعاد هضم كل هذا متجاوزا النمطي والسائد والتسجيلي والمباشر. وتفضح الرواية, في الوقت نفسه, حدود الصراع القيمي والنفسي بين التيار الديني المتزمت والمتطرف الذي صعد علي أكتاف الثورة, وبين قوي التحديث والتغيير والاستنارة, لتتنبأ بانتصار الفريق الثاني في نهاية المطاف بعد آمال وآلام يرسم النص ملامحها في هدوء وروية.