بعد نجاح ثورة23 يوليو1952 وبعد توقيع اتفاقية الجلاء في19 أكتوبر1954 كانت قناة السويس تشغل اهتمام حكومة الثورة حيث قامت ادارة التعبئة بالقوات المسلحة بعمل دراسة وافية عن قناة السويس, ونشاطها وايراداتها وظروف التشغيل والعاملين بها عن الاداريين والفنيين ولم تكن مصر تحصل إلا علي مليون جنيه فقط من أرباح القناة التي تبلغ35 مليون جنيه مصري( أي مائة مليون دولار عام1955) وكان موعد نهاية الامتياز هو عام1968 ثم تعود القناة لمصر. يقول( انتوني ناتنج) في مذكراته( ناصر) أنه في أثناء مفاوضات السد العالي وازاء المماطلة في الرد علي اقتراحات مصر بشأن شروط البنك الدولي أفضي عبدالناصر إلي سفير مصر في أمريكا بأنه في حالة تراجع واشنطن عن تعهداتها في عرض تمويل السد فسيحصل علي العملة الاجنبية عن طريق تأميم شركة قناة السويس. وبالفعل قام بإعداد الترتيبات اللازمة لتنفيذ هذا القرار وفي خطابه بذكري الثورة في عيدها الرابع في26 يوليو1956 وخروج الملك فاروق تكلم في موضوعات متعددة وبصفة خاصة عملية تمويل السدالعالي مرددا اسم( ديليسبس) وهو كلمة السر في العملية حتي يتأكد محمود يونس ضابط المخابرات المسئول في منطقة القناة الذي وكلت له مهمة الاستيلاء علي مقر شركة قناة السويس وفي نهاية الخطبة أعلن( تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية) مع تعويض المؤسسين والمساهمين عما يملكونه من أسهم.. وهنا تسجل الاستاذة الدكتورة لطيفة سالم في مؤلفها( أزمة السويس) أن هذا القرار من أهم القرارات في تاريخ مصر المعاصر. أما( انتوني ايدن) رئيس وزراء انجلترا فقد وصف هذا القرار الذي نزل عليه كالصاعقة بقوله( لقد وضع المصري ابهامه في قصبتنا الهوائية) كما صرح بأن ناصر لن يفلت من العقاب وراح يفكر في حليف يقف إلي جواره فوجد التعاون الوثيق من فرنسا حيث كان رئيس الوزراء الفرنسي( جي موليه) يرغب في الانتقام من جمال عبدالناصر حيث إن قرار التأميم يقضي علي ما تبقي من النفوذ الفرنسي في مصر متمثلا في شركة قناة السويس بالاضافة إلي ما تقدمه مصر للثورة الجزائرية من سلاح وتدريب وتشجيع معنوي. وقد فكر( ايدن) في جذب الولاياتالمتحدة للاشتراك في هذا العمل ولكن الرئيس الامريكي لم يكن راضيا سواء عن التأميم أو عن تهديدات( ايدن) فقام بايفاد مساعد وزير الخارجية الامريكية( مورفي) إلي لندن تلبية لطلب( ايدن) لإنقاذ مايمكن إنقاذه من ناحية وبعيدا عن الالتزام بالخط البريطاني من ناحية أخري. باستعراض أثر قرار التأميم علي دول العالم نجد أن الدول العربية أظهرت التأييد الواضح لمصر, وكانت هتافاتهم تردد( قناة السويس هي قناة العرب للعرب) أما بالنسبة للاتحاد السوفيتي والصين فقد ايدتا قرار التأميم وأن عبدالناصر تصرف في اطار الحقوق المصرية, ولم يخرق القانون الدولي, أما في الهند فقد رأي الزعيم( نهرو) ان قرار عبدالناصر هو قرار انفعالي ومتعجل ويخشي من نتائجه المستقبلية, وكان رأي الزعيم( تيتو) هو نفس ما صرح به( نهرو) وطلب من عبدالناصر الاعتدال في قراراته, ولما كانت باكستان ترتبط بحلفين مع بريطانيا هما حلف جنوب آسيا وحلف بغداد فقد كان موقفهما مؤيدا لوجهة النظر البريطانية. كان عبدالناصر منذ بداية الازمة يرغب في التوصل إلي حل سلمي بشرط عدم المساس بسيادة مصر وكان هناك سببان وراء ذلك.. الأول هو القيود التي فرضتها بريطانيا علي أرصدة مصر من الاسترليني مما يؤدي إلي أزمة مالية لدي مصر والسبب الثاني هو ضغوط من الدول العربية والاتحاد السوفيتي والهند ويوجوسلافيا تؤيد التوصل إلي تسوية يتفق عليها وبينما كان عبدالناصر يجري اتصالات عديدة بمعاونة أصدقائه من دول العالم ومنها اللجوء إلي مجلس الامن كانت انجلترا تحاول اطالة المدة في اجراء هذه الاتصالات لانها كانت تدبر في الخفاء مع فرنسا واسرائيل خطة للعدوان الثلاثي علي مصر. د.رفعت يونان - عضو الجمعية المصرية واتحاد المؤرخين العرب