عن أبي سعيد الخدري(رضي الله عنه)قال:قال رسول الله(صلي الله عليه وسلم):ما من عبد يصوم في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا.(رواه البخاري ومسلم والنسائي في الصوم). إن التقرب من الله بسائر العبادات التي شرعها فيه خير العبد في دنياه وآخرته وإن كثرة العبادة والاستمرار عليها لها أجر وافر وثمرات دنيوية وآخروية بيد أن الاستمرار قد يكون فيه كثير من المجاهدة والصبر والتحمل لما قد يعتري القائم بها من أحوال قد يشق عليه فيها الاستمرار في العبادة,ومن هذه الأحوال حال الجهاد في سبيل الله, ولكن- كما يقول الدكتور احمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء واستاذ الحديث وعلومه بجامعة الازهر- يحمل هذا علي من لا يتضرر بالصوم ولا يفوت به حق ولا يختل به قتال ولا غيره من مهمات الغزو لأن من كان كذلك عافاه الله من النار وباعده عنها مسافة تقطع في سبعين سنة,وما ذلك إلا لأن العبادة والأعمال الصالحة تتفاضل بتفاضل الزمان والمكان,ألا تري الصدقة والدعاء في شهر رمضان لهما فضلهما,وأن الصيام يوم عرفة له منزلة وأن لصيام يوم عاشوراء منزلة في غفران الذنوب,فإن الصيام في سبيل الله تعالي له فضله ومكانته وللصائم منزلته لأنه محب للعبادة متعلق بها متعود عليها فلا يتركها في أي زمان أو مكان أو حال. وأشار الي ان للصوم في سبيل الله ميزتين,الأولي: الزمان والثانية:المكان,فأما ميزة الزمان فتتضح بالوقت الذي اختصه الله تعالي بأن جعل الدعاء مقبولا فيه,وأما المكان فهو موضع الجهاد الذي ورد في شأنه أن له من الفضل ما يقرب صاحبه من الجنة وما يجعله كأنه في الجنة بالفعل(واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف). وأن الصيام يدل علي مدي حب الصائم للعبادة ويدل علي مدي استمراره عليها وإخلاصه فيها ورواية الإمام مسلم لهذا الحديث بلفظ( من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا)وما سبق من معني الحديث هو أن معني في سبيل الله أي في الجهاد, لكن قال الإمام القرطبي: سبيل الله طاعة الله,فالمراد بالحديث علي هذا من صام قاصدا وجه الله أي مخلصا لله في صومه, وقال ابن دقيق العيد:العرف الأكثر في الاستعمال هو في الجهاد فإن حمل عليه كانت الفضيلة لاجتماع العبادتين. فأرشد هذا الحديث إلي فضل الصيام في سبيل الله لمن لم يتضرر بالصوم ولا يفوت به حقا من الحقوق ولا يختل به قتال ولا غيره من مهمات الغزو,كما يستنبط من الحدبث فضل اجتماع فضيلتين في وقت واحد والدلالة علي صدق الإقبال علي الله تعالي بحب,كما يؤخذ من الحديث أيضا فضل كل من عبادة الصوم والجهاد في سبيل الله تعالي,وأن الذي يتعود علي عبادة الصيام يمكنه أداؤها ولا تؤثر علي عمله ولا علي إنتاجه كما يزعم البعض ممن يحاولون التحايل وترك عبادة الصيام.