ارتبط شهر رمضان الكريم كل عام بسيل من المسلسلات الجديدة، التى لا يستطيع كائنا من كان أن يتابع نسبة 10% منها، حتى لو تسمر أمام التليفزيون لمدة 24 ساعة يوميا، وبعيدا عن عدد الأعمال الدرامية المبالغ فيه ، فقد استشرت فى مسلسلات هذا العام عددا من الظواهر الغريبة، التى بدأت فى أعمال أخرى منذ سنوات، لكنها فاقت كل الحدود هذا العام. فربما تكون المرة الأولى –على حد علمى- التى يكتب فيها صناع مسلسل تليفزيونى فى "تتره" أنه فقط لمن تزيد أعمارهم على 18 عاما، سواء فى رمضان أو غير رمضان ، فالمتعارف عليه أن المسلسل التليفزيونى موجه لكل الأسرة ، التى تشاهد التليفزيون فى أثناء الإفطار أو خلال الزيارات الأسرية الرمضانية، ولا يمكن أن نمنع الأطفال من المشاهدة، فالمسلسل ليس فيلما يتم عرضه في السينما ويذهب إليه من يريد رؤيته فقط، بل يقتحم المنازل والتجمعات العائلية، وليس من المنطقى أن يكون موجها لمن هم فوق السن. وبنظرة سريعة على الحلقات الأولى من مسلسلات رمضان هذا العام يمكن أن نكتشف أن من كتبوا على عملهم أنه لمن هم فوق سن ال18 كانوا أكثر صدقا من آخرين غابت هذه العبارة عن مسلسلاتهم ، رغم ما بها من مشاهد فاضحة، وألفاظ وشتائم خارجة، ناهيك عن الإيحاءات الجنسية المتدنية الخادشة للحياء. سفرة مسلسلات رمضان هذا العام عامرة بالموضوعات الخارجة عن المألوف، فهناك الخيانة، والاتهام بالإنجاب من غير الزوج، والقواد، والداعرة، والعجوز الذى تخصص فى الزواج من القاصرات، والأخت التى تخطف زوج اختها منها، والزوجة المتبجحة بخيانتها لزوجها، والعلاقات غير المشروعة بين الصديقة وزوج صديقتها، التى تكتشف الأمر وتتصرف بكل هدوء كأنها مسألة عادية روتينية. هذه الظواهر التى حملتها مسلسلات رمضان هذا العام لايمكن أن نفصلها عن الواقع السياسى والتخبط الذى سيطر على مصر خلال العام الماضى، الذى شهد إعداد وكتابة هذه الأعمال، فمن ناحية حاول صناع معظم المسلسلات البعد بأعمالهم عن الدخول فى المعترك السياسى بشكل مباشر، فى ظل مخاوف من تدخل نظام الإخوان عبر الرقابة فى أعمالهم، فآثروا الهروب إلى موضوعات اجتماعية، كما فعلت الدراما السورية لسنوات طويلة، ختى لا تصطدم مع النظام. ولتعويض غياب السياسة ومشاكسة النظام فى هذا المجال بمسلسلات هذا العام جنح صناع هذه الأعمال إلى مشاكسة الإخوان ورقابتهم التى كانت متوقعة بالموضوعات الجريئة والمشاهد الساخنة والألفاظ الخارجة، لكن يبدو أن العيار قد أفلت منهم، وزاد الأمر عن الحدود المقبولة مجتمعيا، خصوصا فى هذا الشهر الكريم. ومن سوء حظ هذه الأعمال جاء 30 يونيو بالمفاجأة وأنهى حكم الإخوان وأسقط نظامهم، ورفعت الرقابة يدها عن جميع الأعمال والبرامج حتى تهرب من اتهامات جاهزة بمحاربتها للإبداع، وحُرمت هذه الأعمال من دعاية مجانية واسعة كان من المنتظر أن يكون مجلس الشورى مسرحا لها، كما غابت أسماء نجومها من بلاغات كان سيتم تقديمها من محامين بعينهم إلى النائب العام للمطالبة بوقف عرضها. مسلسلات هذا العام، إذا كانت تعكس ما يجرى فى المجتمع المصرى من تغيرات حقيقية كما يقول صناعها، خير دليل على أن هناك خللا كبيرا يحتاج إلى علاج سريع، وإذا كانت مجرد احتجاج من نوع خاص على نظام سقط قبل عرضها فعلى كل من شارك فيها أن يدرك أن الأنظمة تسقط وتظل الدراما تؤرخ للمجتمع، وعليهم ألا يزوروا التاريخ من أجل أهداف لا تستحق. لمزيد من مقالات سامى القمحاوى